دار الإفتاء تحسم الجدل: الحب ليس حرامًا ولكن له ضوابط تحفظ القلوب من الانزلاق

تقرير: مصطفى علي
مع اقتراب الرابع من نوفمبر، الذي اعتاد البعض اعتباره “عيدًا للحب”، تتجدد كل عام الأسئلة حول مشروعية الحب بين الرجل والمرأة في ضوء الشريعة الإسلامية فبين من يراه شعورًا نبيلًا لا يُحرَّم، ومن يعدّه بابًا للفتنة والانحراف، يبقى الجدل محتدمًا في الأوساط الشبابية والدينية على حدٍّ سواء.
وفي ظل هذا الجدل، خرجت دار الإفتاء المصرية لتوضح الموقف الشرعي ببيان متوازن يجمع بين واقعية المشاعر الإنسانية وثوابت الأخلاق الإسلامية، مؤكدة أن الإسلام لم يُحرّم الحب في ذاته، لكنه نظّمه ووجّهه بما يصون الكرامة ويمنع الانزلاق إلى الحرام.
الحب في الإسلام.. شعور إنساني راقٍ لا يتعارض مع الدين
أكدت دار الإفتاء في بيانها أن الحب في جوهره شعور إنساني نبيل دعا إليه الإسلام وباركه، فهو ليس عيبًا ولا خطيئة، بل فطرة فطر الله الناس عليها.
وأوضحت أن الإسلام لا يصادر المشاعر، بل يوجّهها نحو ما يرفع الإنسان ويزكي روحه، مشيرة إلى أن الأصل في الحب أنه قيمة إنسانية سامية تعبّر عن الصفاء النفسي، والارتباط العاطفي النقي الذي يسمو بالنفس ويعمّق الرحمة بين البشر.
وأضافت الدار أن المسلم الحق يحمل في قلبه المودة لكل خلق الله، ويُظهر الرحمة والحنان في تعاملاته، فالحب في الإسلام لا يقتصر على العواطف بين الرجل والمرأة، بل يشمل حب الخير، وحب الأهل، وحب الوطن، وحب الله ورسوله، وهو ما يجسد القيم الروحية العليا التي بُني عليها الدين.
التفريق بين الحب المشروع والعلاقات المحرمة
رغم اعتراف الإسلام بالمشاعر القلبية وشرعيتها، شددت دار الإفتاء على ضرورة التفرقة بين الحب النقي الذي يدعو إليه الإسلام، وبين ما يُمارس تحت ستار الحب من تجاوزات شرعية وأخلاقية.
فالحب المباح هو ذاك الذي يقوم على الاحترام، والنية الصافية، والضوابط الشرعية، بينما يتحول إلى حرامٍ محض إذا تجاوز الحدود المشروعة أو قاد إلى الانجراف وراء الشهوات.
وحذرت الدار من الانقياد وراء ما يُسمى “حبًا” وهو في الحقيقة إشباع غريزة أو تلاعب بالعواطف، مؤكدة أن الانزلاق في العلاقات غير المشروعة لا يمت بصلة إلى الحب الحقيقي، بل هو انحراف عن الفطرة، وتشويه لمعنى المودة الذي أراده الله في قوله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
فالآية كما فسّرتها الإفتاء تؤكد أن الحب مقترن بالرحمة والسكن والمودة داخل إطار الزواج، لا خارج حدوده.
الميل القلبي لا يُحاسَب عليه.. لكن الأفعال تُضبط بالشرع
أوضحت دار الإفتاء أن الإسلام لم يمنع الميل القلبي الطبيعي بين الرجل والمرأة، فالمشاعر القلبية لا يملكها الإنسان، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك»
ويقصد بذلك ميل القلب، وهو ما يخرج عن إرادة الإنسان المباشرة.
لكن الإفتاء شددت على أن الإسلام يفرّق بين الميل الفطري المشروع، وبين الانجراف العملي المرفوض، فالمشاعر لا تُؤاخذ ما لم تترجم إلى سلوك محرّم.
فالحب المجرّد من الأفعال المخالفة لا إثم فيه، أما ما يؤدي إلى الخلوة أو الكلام المثير أو التواصل المحظور، فهو مما يجرّ صاحبه إلى الحرام، ويخالف مقاصد الشريعة في حفظ العرض والنفس.
وأوضحت دار الإفتاء أن الإطار المشروع الوحيد للحب بين الرجل والمرأة هو الزواج، فهو الذي يجعل العاطفة محمية برعاية الله ورضاه.
فالزواج في الإسلام ليس عقدًا ماديًا فحسب، بل هو ميثاق غليظ يجمع بين العاطفة والمسؤولية، ويحوّل الحب إلى بناء مستقرّ يثمر المودة والرحمة.
وأكدت الدار أن الإسلام حين شرع الزواج، أراد أن يجعل منه الملاذ الآمن للمشاعر، بحيث تبقى نقية ومثمرة، بعيدة عن العبث واللهو، وأن أي علاقة خارج هذا الإطار مهما تزيّنت بمسميات “الارتباط” أو “التعارف” تبقى علاقة محرمة لا يقرّها الشرع.
ضوابط الحب في ضوء الفقه الإسلامي
حددت دار الإفتاء مجموعة من الضوابط الشرعية التي تضبط المشاعر والعلاقات بين الجنسين، منها:
1. عدم الخلوة أو الاختلاط المحرّم، لأن الإسلام أمر بحفظ النظر وصيانة النفس.
2. الالتزام بالحياء والاحترام في الحديث والتعامل.
3. عدم إظهار المشاعر بشكل يثير الفتنة أو يجرّ إلى المعصية.
4. تحكيم نية الزواج إن وُجد ميل صادق، فالحب الذي لا يُبنى على نية حلال يصبح بابًا للحرام.
وأكدت الدار أن هذه الضوابط ليست تضييقًا على الناس، بل حماية لقلوبهم وكرامتهم، مشيرة إلى أن الإسلام أراد للحب أن يكون شعورًا ساميًا يرتقي بالنفس لا يجرّها إلى الذنب.
الإسلام دين الحب والرحمة.. لا دين الغلو أو المنع
واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن الإسلام دين الحب في جوهره، فهو يدعو إلى الرحمة والود، ويحث على محبة الله ورسوله والوالدين والناس أجمعين، لكنه يربط دائمًا الحب بالأخلاق والعفاف.