شرم الشيخ.. حين تعود “مدينة السلام” لتصنع التاريخ من جديد

تقرير:هالة عبد الهادي
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، جمعت شرم الشيخ ستة رؤساء أميركيين على أرضها، بداية من “بيل كلينتون”، الذي شهد عام 1996 انعقاد قمة صانعي السلام، بحضور الزعيم الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “شيمون بيريز”، والملك “حسين بن طلال”، في محاولة لإنقاذ مسار عملية السلام بعد اغتيال “إسحاق رابين”.
ثم جاءت قمم أخرى تحت رعاية “جورج بوش” الابن و “باراك أوباما” و”دونالد ترامب” في ولايته الأولى، وها هو يعود اليوم في ولايته الثانية ليجد نفسه أمام مشهد، يعيد إلى الأذهان روح “كامب ديفيد” لكن برعاية مصرية خالصة.
حيث تستعد المدينة لاستقبال الرئيس الأميركي في زيارته المرتقبة الأحد المقبل، في لحظة فارقة يأمل العالم أن تُتوَّج فيها جهود مصر باتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة، يفتح الباب أمام سلام جديد يُصاغ على أرض مصرية.
وقد شهدت المدينة توقيع عدد من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، فضلًا عن قمم عربية طارئة، ومؤتمرات دولية للأمن والبيئة والاستثمار، جعلت منها مركزًا إقليميًا لتلاقي المصالح والحوار بين الشرق والغرب.
مدينة السلام
لم يأتِ هذا اللقب من فراغ؛ ففي عام 2002 منحت منظمة اليونسكو مدينة شرم الشيخ شرف “مدينة السلام”، تقديرًا لدورها في تعزيز الحوار الدولي، واستضافة قمم السلام، لتصبح أول مدينة في الشرق الأوسط تُلقّب بهذا الاسم رسميًا، على مستوى المنظمات الدولية.
ويضم ميدان السلام في المدينة نصب “أيقونة السلام”، الذي يجسد رمزيًا رسالة التعايش، وهو اليوم من أبرز معالمها التي تجذب الزائرين.
وعلى الرغم من كونها مدينة سياحية بالأساس، أصبحت شرم الشيخ اليوم منصة سياسية عالمية تتحدث منها مصر إلى العالم، وتستقبل زعماء الشرق والغرب على مدار العام. ففي قاعاتها وعلى شواطئها الهادئة، وُلدت قرارات مهمة وأُطلقت مبادرات غيّرت مسار الأحداث في الشرق الأوسط، من ملفات السلام إلى قضايا المناخ والتنمية.
منصة سلام دائمة
مع استعداد شرم الشيخ لاستقبال “ترامب”، تؤكد مجددًا أنها ليست مجرد منتجع، بل عنوان للسلام، ورسالة مصرية بأن الأمن يبدأ من الحوار، وأن أرض الفراعنة ما زالت قادرة على جمع الخصوم، مهما كانت الخلافات.
كما أشادت الأمم المتحدة بقدرة مصر على جمع الأطراف المتنازعة في شرم الشيخ، مؤكدة أن ما تحقق هناك يجب أن يتحول إلى منصة دائمة للسلام لا مجرد محطة لوقف النار.
وترى العواصم الغربية أن ما يجري في المدينة يمثل نقطة تحول مهمة، تعزز الثقة بالحلول السلمية، وتجعل شرم الشيخ مرادفًا للحوار بدلًا من الصراع.
وفي هذا السياق قال الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء “سمير فرج”، في تصريحات خاصة لجريدة اليوم:”مصر تلعب اليوم دورًا محوريًا في دفع مفاوضات شرم الشيخ نحو حل سياسي يضع حدًا للحرب في غزة، حيث الأجواء في شرم الشيخ مبشرة، ولأول مرة نرى هذا الحجم من التجمع، في مفاوضات بين حماس والإسرائيليين، بحضور أطراف عربية ودولية وازنة.”
وأضاف: إن “مفاوضات شرم الشيخ تختلف جذريًا عن كل ما سبق، بسبب الحضور العربي والإسلامي الفاعل في المشهد، وبتكوين متعدد الأطراف، وهو ما يعطي هذه الجولة من المفاوضات وهذه المدينة طابعًا مميزًا.”
كما أكد المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية “فراج إسماعيل”:أن “الوسطاء يسابقون الزمن في شرم الشيخ، لإبرام اتفاق تبادل الأسرى والسجناء، وتوقيع الاتفاق بمشاركة الرئيس الأميركي سيكون أكبر ضمانة لتحقيق السلام”.
وهكذا، تثبت شرم الشيخ من جديد أنها ليست مجرد مدينة على خريطة السياحة، بل نهر يفيض بالسلام، تُكتب فيه فصول جديدة من الدبلوماسية المصرية، التي لا تزال قادرة على جمع العالم حول كلمة واحدة: السلام أولًا.


