كانت ليلة الإسراء والمعراج من أعظم المعجزات في حياة النبي محمد ﷺ، حيث تجاوزت هذه الرحلة حدود الزمان والمكان، وأظهرت مكانة النبي ﷺ بين الأنبياء والرسل، مؤكدةً وحدة الرسالات السماوية وارتباطها بمصدر إلهي واحد.
من أبرز أحداث هذه الليلة المباركة صلاة النبي ﷺ بالأنبياء إمامًا في المسجد الأقصى، رغم أن الصلاة لم تكن قد فُرضت بعد على المسلمين.
ليلة الإسراء والمعراج: حدث استثنائي في الدعوة الإسلامية
وقعت حادثة الإسراء والمعراج في عام الحزن، وهو العام الذي شهد وفاة السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة النبي ﷺ، وعمه أبي طالب، مما أضاف تحديات جسيمة أمام دعوة النبي في مكة وسط هذه الظروف، جاءت المعجزة الإلهية لتمسح عن قلبه الحزن وتؤكد له مقامه الرفيع عند الله تعالى.
أشار القرآن الكريم إلى رحلة الإسراء بقوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء: 1).
كما جاءت تفاصيل المعراج في حديث رواه الإمام البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث عُرج بالنبي ﷺ إلى السماوات السبع، وفرضت الصلاة خلالها.
صلاة النبي بالأنبياء: روايات وأدلة شرعية
من أبرز المحطات في ليلة الإسراء، صلاة النبي ﷺ إمامًا بجميع الأنبياء في المسجد الأقصى وردت هذه الواقعة في أحاديث نبوية صحيحة تُظهر عظمتها ومكانتها.
1. حديث أنس بن مالك عن صلاة الأنبياء:
جاء في حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “أتيتُ بالبُراق، فركبتُهُ حتى أتيتُ بيتَ المقدس، فربطتُهُ بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلتُ المسجدَ فصليتُ فيه ركعتين، ثم خرجتُ” (صحيح مسلم).
2. حديث أبي هريرة عن إمامة النبي بالأنبياء:
قال رسول الله ﷺ: “لقد رأيتني في الحِجْر وقريش تسألني عن مسراي… حتى قال: فرفعه الله لي، ورأيتُ الأنبياء مجتمعين، فأممتهم في الصلاة”.
كيف صلى النبي والصلاة لم تُفرض بعد؟
هذا التساؤل يثير النقاش حول طبيعة الصلاة التي أداها النبي ﷺ بالأنبياء، وكيف تمت رغم أن الصلاة في الإسلام لم تكن قد فُرضت بعد على المسلمين. للإجابة على هذا التساؤل، نوضح النقاط التالية:
1. الصلاة عبادة مشتركة بين الشرائع السماوية
الصلاة ليست عبادة مستحدثة في الإسلام، بل هي جزء أصيل من الشرائع التي أرسلها الله إلى الأنبياء السابقين. في القرآن الكريم إشارات عديدة إلى صلاة الأنبياء:
يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي” (إبراهيم: 40).
وعن إسماعيل عليه السلام: “وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ” (مريم: 55).
هذا يدل على أن الصلاة كعبادة كانت موجودة بأشكال مختلفة في الشرائع السابقة. صلاة النبي ﷺ بالأنبياء كانت استمرارًا لهذه العبادة، مع توثيق القيادة الروحية للنبي محمد ﷺ.
2. الصلاة قبل فرضها كانت تطوعية
قبل فرض الصلوات الخمس في المعراج، كان النبي ﷺ والمسلمون يصلون ركعات تطوعية بأمر الله. ما فعله النبي ﷺ في تلك الليلة كان من هذا القبيل، حيث صلى ركعتين في المسجد الأقصى قبل صعوده إلى السماوات.
دلالات إمامة النبي ﷺ للأنبياء
1. تأكيد ختم النبوة
إمامة النبي ﷺ للأنبياء كانت إشارة واضحة إلى أنه خاتم النبيين وصاحب الرسالة الجامعة. قال الله تعالى: “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (الأحزاب: 40).
2. وحدة الرسالات السماوية
جمع الأنبياء في مكان واحد تحت إمامة النبي ﷺ يؤكد وحدة الرسالات السماوية في جوهرها، وأن جميع الأنبياء جاءوا برسالة التوحيد التي ختمها الإسلام.
3. المسجد الأقصى كرمز ديني
اختيار المسجد الأقصى مكانًا لهذه الصلاة يؤكد مكانته العظيمة في الإسلام، حيث كان قبلة المسلمين الأولى كما يربط هذا الحدث بين المقدسات الإسلامية الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
فرض الصلاة بعد المعراج: أهميتها في الإسلام
بعد انتهاء صلاة النبي ﷺ بالأنبياء في المسجد الأقصى، صعد إلى السماوات السبع، وهناك فُرضت الصلاة على المسلمين.
جاء في الحديث عن النبي ﷺ: “فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ…” ثم خففت إلى خمس صلوات مع بقاء أجرها خمسين (صحيح البخاري ومسلم).
رسالة الإسراء والمعراج للإنسانية
إمامة النبي ﷺ للأنبياء في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج تظل حدثًا خالدًا يؤكد عظمة الإسلام كرسالة شاملة وخاتمة.
كما أن هذا الحدث يعزز مكانة المسجد الأقصى في قلب كل مسلم، ويدعونا إلى الحفاظ عليه باعتباره إرثًا روحيًا ودينيًا. حادثة الإسراء والمعراج تذكرنا بأن الصبر في مواجهة التحديات، كما فعل النبي ﷺ، يؤدي دائمًا إلى رفعة المؤمن ومكانته عند الله تعالى.
