أخبار

الأزهر الشريف.. ألف عام من الريادة والعطاء في خدمة الإسلام والعلم

 

يعد الأزهر الشريف من أبرز الصروح الإسلامية في العالم، جامعًا بين التاريخ والروحانية، ومرسخًا للقيم الإسلامية على مدار أكثر من ألف عام.

تأسس الأزهر عام 972 ميلادية (361 هجرية) على يد القائد جوهر الصقلي، أحد أبرز قادة الدولة الفاطمية، ليكون مقرًا لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي في مصر.
أطلق عليه اسم “الأزهر” نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لما تمثله من رمزية روحية ودينية كبيرة في الإسلام.
وكان الهدف من تأسيسه تأكيد مكانة مصر كمركز ديني للدولة الفاطمية الناشئة.

بدأ الأزهر كجامع للصلاة وتقديم دروس في العلوم الشرعية واللغوية وعلى الرغم من بدايته المحدودة، إلا أن تأثيره بدأ يتعاظم تدريجيًا ليصبح مركزًا لنشر المعرفة، جامعًا بين العلم والدين.

الأزهر يتحول إلى منبر لأهل السنة والجماعة

مع زوال الدولة الفاطمية وظهور الدولة الأيوبية عام 1171 ميلادية، شهد الأزهر تحولًا جذريًا في هويته.
قاد صلاح الدين الأيوبي حركة إصلاحية هدفت إلى إعادة مصر للمذهب السني، وأصبحت رسالة الأزهر الشريف نشر تعاليم الإسلام وفق المذاهب السنية الأربعة (الشافعي، المالكي، الحنفي، والحنبلي).

لم يقتصر دور الأزهر على العلوم الدينية، بل توسعت مناهجه لتشمل علومًا أخرى مثل الطب، الفلك، الرياضيات، والفلسفة، ما جعله يُعد من أقدم الجامعات العالمية.
كانت هذه النقلة نوعية في مسيرته، إذ جمع بين الأصالة الدينية ومتطلبات النهضة العلمية، ليصبح صرحًا علميًا متكاملًا.

دور الأزهر في مواجهة الاستعمار

على مر التاريخ، كان الأزهر الشريف قلعة لمقاومة الاحتلال والدفاع عن كرامة الأمة خلال الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)، أصبح الأزهر منبرًا للتحريض ضد المستعمر الفرنسي.
لعب علماؤه دورًا محوريًا في قيادة ثورات شعبية ضد الاحتلال، ومن أبرزها ثورة القاهرة الكبرى التي أشعلها شيوخ الأزهر.

لم يتوقف دوره عند ذلك، بل استمر في قيادة الحركات الوطنية شارك علماء الأزهر في ثورة أحمد عرابي عام 1882، التي دعت للعدالة ورفض الاستبداد.
كما كان للأزهر حضور بارز في ثورة 1919، حيث قاد الشيخ محمد عبده، بالتعاون مع سعد زغلول، تحركًا شعبيًا أكد على أهمية الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، معبرًا عن رسالة الأزهر الراسخة “العلم والاستقلال هما طريق النهضة”.

إصلاح الأزهر في العصر الحديث

في القرن العشرين، شهد الأزهر سلسلة من الإصلاحات الكبرى التي ساهمت في تطوير رسالته وتوسيع مجالاته التعليمية.

إصلاحات الشيخ محمد عبده: ركز الشيخ محمد عبده، أحد أبرز رواد التجديد والإصلاح، على إدخال العلوم الحديثة ضمن مناهج الأزهر.
كانت رؤيته تهدف إلى خلق جيل من العلماء الذين يستطيعون المزج بين التراث الإسلامي ومتطلبات العصر الحديث.

قانون تطوير الأزهر عام 1961: في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، صدر قانون جديد جعل الأزهر جامعة شاملة تضم كليات شرعية وكليات علمية، مثل الطب والهندسة والزراعة والصيدلة. ساهم هذا القانون في ترسيخ مكانة الأزهر كجامعة تجمع بين الأصالة والحداثة، ما عزز دوره في خدمة المجتمع.

الأزهر في مواجهة التطرف

ظل الأزهر عبر تاريخه حصنًا منيعًا للوسطية والاعتدال، ملتزمًا بنشر قيم الإسلام السمحة.
في العصر الحديث، واجه الأزهر تحديات كبيرة بسبب انتشار الفكر المتطرف.

أسس الأزهر “مرصد الأزهر لمكافحة التطرف”، وهو منصة عالمية تُعنى برصد وتحليل الأفكار المتطرفة والرد عليها بمنهج علمي.

يعمل الأزهر على تنظيم مؤتمرات دولية ومبادرات ثقافية لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات. كما أطلق برامج تدريب للدعاة والعلماء بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الإسلام الوسطي.

أسهم في محاربة الإلحاد والفكر المتطرف عبر إعداد أبحاث ودراسات علمية متخصصة تهدف إلى تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية.

الأزهر اليوم: منارة علمية عالمية

في الوقت الحالي، يُعد الأزهر الشريف أكبر مؤسسة تعليمية ودينية في العالم الإسلامي يستقبل الآلاف من الطلاب الوافدين من أكثر من 120 دولة حول العالم للدراسة في معاهده وجامعته.

يعتمد الأزهر على منهج الوسطية والاعتدال، ويركز على أهمية الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب.

كان للأزهر دور بارز في توقيع وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي جمعت بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبابا الفاتيكان تُعد هذه الوثيقة نقلة نوعية في تعزيز قيم التسامح والسلام بين الأديان.

رؤية الأزهر للمستقبل

يتطلع الأزهر إلى المستقبل بخطة متكاملة تهدف إلى تحديث المناهج التعليمية والتوسع في تدريب الكوادر الدينية والعلمية يسعى إلى إعداد علماء ودعاة مؤهلين لمواجهة تحديات العصر الحديث، مثل الإلحاد والتطرف الفكري، مع التركيز على نشر القيم الإسلامية التي تعزز السلام والتعايش بين البشر.

كما يعمل الأزهر على توظيف التكنولوجيا الحديثة لتوسيع نطاق رسالته، مثل إطلاق منصات إلكترونية لنشر تعاليمه وإعداد مواد تعليمية رقمية تُسهل وصول المعرفة إلى كل مكان في العالم.

إرث خالد ورسالة مستمرة

منذ تأسيسه قبل أكثر من ألف عام، ظل الأزهر الشريف منارة علمية وروحية تعكس عظمة الحضارة الإسلامية.
من جامع صغير أُنشئ في عهد الدولة الفاطمية إلى جامعة عالمية تدمج بين الأصالة والحداثة، يواصل الأزهر رسالته في خدمة الإنسانية، ليبقى رمزًا للعلم والدين والسلام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights