«التالته تابتة».. قصة أحمد فشل في إنهاء حياته مرتين فقطع شريانه وشنق نفسه

في حيٍّ بسيط تظله نسمات الليل الهادئة، وفي زاوية من زوايا ذلك الصخب المتراكم في الأعماق، كانت حكاية أحمد. شابٌ في مقتبل العمر، حمل على كتفيه عبء أحلام لم تكتمل، وضجيجًا لم يُسمع إلا في نفسه، حيث الصراعات الصامتة التي لا يدري عنها أحد.
كان أحمد يجوب الشوارع بلا هدى، عيناه لا تبصران الطريق بل تتيهان في بحرٍ من الهموم المتراكمة، حتى وصل أخيرًا إلى مسكنه المتواضع في منطقة فاطمة الزهراء. دخل غرفته الصغيرة، حيث جدرانها الخافتة تحتضن أيامه المرهقة، وقلبه يئن من وطأة ما يحمله في صمت. في تلك اللحظة، اتخذ قراره. دون وعي أو إدراك، راح يختبر الحدود بين الحياة والموت؛ قطع شرايينه بيد مرتعشة، كأنها تبحث عن مخرج من ألم لا يعرف كيف يبوح به.
ولكن الأقدار كانت له بالمرصاد، فما زال قلبه ينبض ببطء، كأنما الدنيا تعانده وتبقيه حاضرًا رغم صرخاته الصامتة. جلس هناك لبرهة، بين الحياة والموت، بين الرجاء واليأس. ولكن حين استعاد وعيه قليلاً، قرر أن يمضي في قراره؛ فقد أراد إنهاء ذلك الألم للأبد. تلمس بيديه ماسورة الصرف، وربط حولها حبلًا، وقام بشنق نفسه تاركًا خلفه أحلامه المعطوبة، وكلماته التي لم تقل.
وفي اليوم التالي، كانت البلاغات تتوالى على مكتب مدير الأمن اللواء تامر السمري، عن جثة شاب وُجدت معلّقة في مسكنٍ مهجور. تحركت فرق التحقيق بقيادة اللواء ضياء زامل إلى المكان، واستنطقوا الحكايات التي سكنت جدران غرفة أحمد، واستمعوا لشهادات الجيران، ووقفوا صامتين أمام الجثمان المحرر من ثقل الحياة.
لم تكن هذه مجرد حالة انتحار؛ بل كانت قصة عذاب رجل قهرته الدنيا بصمت. جلس المحققون يستمعون لشهادات من عرفوه، كأنهم يحاولون فهم شيء من السر الذي أحاط بأحمد وأوصله إلى هذا المصير. كأنهم يبحثون عن صوت كان مكتومًا، عن سر لم يُفشَ، لعلهم يجدون شيئًا يعيد ترتيب هذه الفوضى التي تسكن قلب كل من رحل مثل أحمد.