الرئيسيةعرب-وعالم

الحوثي يجمد النار.. صواريخ الجنوب البعيد تترقب هدنة غزة

تقرير: سمر صفي الدين

تترقب الأوساط الإقليمية والدولية تداعيات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وسط مؤشرات على أن إسرائيل لم تنجح في ردع جماعة الحوثي حتى خلال ذروة الحرب.

فرغم امتلاكها منظومات دفاعية توصف بأنها من الأقوى عالميًا، فشلت تل أبيب في منع الحوثيين من تنفيذ ضربات متكررة طالت ميناء إيلات ومحطة الكهرباء في الخضيرة ومطار رامون، ما أثار شكوكًا حول قدرتها على حماية جبهتها الداخلية.

ومع دخول اتفاق غزة حيز التنفيذ، قررت الجماعة تجميد عملياتها ضد “إسرائيل” بانتظار مدى التزامها ببنود الاتفاق، خاصة المتعلقة بالأسرى والوصول الإنساني إلى القطاع.

فيما تترقب المنطقة ما إذا كانت الهدنة ستشمل أيضًا الجبهة اليمنية أم أن جولة جديدة من التصعيد تظل مسألة وقت فقط.

السماء مفتوحة

أوضحت تقارير روسية أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أمر بوقف الهجمات على “إسرائيل” والسفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن، مشترطًا احترام الاحتلال للاتفاق.

كما أكدت مصادر يمنية أن الجماعة في حالة استنفار دفاعي تحسبًا لاحتمال عودة المواجهة إذا تراجعت “إسرائيل” عن التزاماتها.

استعداد إسرائيلي متزايد

في هذا السياق، تؤكد وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب لا تعتبر المواجهة مع الحوثيين ملفًا منتهيًا. وأن الانتقام لما جرى خلال حرب غزة بات “مسألة وقت فقط”.

وكشفت القناة “12” العبرية أن المؤسسة الأمنية قررت توسيع المعركة ضد الحوثيين. مشيرة إلى أن هذا القرار منفصل عن اتفاق غزة وأن الجماعة ستظل خارج أي تفاهمات.

وقالت القناة إن الحوثيين أطلقوا خلال عشرة أيام فقط ست طائرات مسيّرة وصاروخين باليستيين. مما جعل المؤسسة العسكرية تعتبر الحملة ضدهم ضرورة حتمية.

كما نقلت عن مصدر دفاعي قوله إن “إسرائيل” ستواصل ضرباتها في اليمن متى ما توفرت أهداف ثمينة. مضيفًا أن “سؤال الهجوم ليس هل، بل متى”.

في هذا الصدد، ومع كل هذه المعطيات السؤال الذي يسعى موقع “اليوم” الإجابة عنه هو: كيف فشلت دفاعات إسرائيل أمام الحوثي؟

منظومات متقدمة ولكن مثقوبة

الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية أحمد سلطان يرى أن إسرائيل تعتمد على شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات تشمل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” و”أرو” و”باتريوت”، وهي منظومات صممت للتعامل مع طيف واسع من التهديدات الجوية، من القذائف قصيرة المدى إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

غير أن هذه الشبكة ليست محصنة ضد الاختراق. خاصة أمام الطائرات المسيّرة الصغيرة منخفضة البصمة الحرارية، التي يصعب على الرادارات التقليدية رصدها في الوقت المناسب.

ويشير سلطان في تصريحات خاصة لـ”اليوم”، إلى أن “العصر المقبل هو عصر الطائرات المسيّرة”. لافتًا إلى أن الجماعات المسلحة، ومن بينها الحوثيون. أدركت هذه الثغرة واستثمرت فيها بكثافة، سواء عبر تطوير طائرات انتحارية محلية الصنع أو الحصول على تكنولوجيا إيرانية متقدمة.

كما يضيف أن استخدام هذه الطائرات لتشتيت الدفاعات ومن ثم تمرير صواريخ أكثر تطورًا أصبح تكتيكًا مألوفًا في الحروب غير المتكافئة.

جغرافيا تمنح ميزة

وبجانب الثغرات التقنية، يبرز البعد الجغرافي كعامل حاسم في تفسير الفشل الإسرائيلي.

فالمسافة الفاصلة بين الأراضي اليمنية والأهداف الإسرائيلية تتيح للحوثيين هامشًا واسعًا لاستخدام ممرات جوية وبحرية معقدة عبر البحر الأحمر وخليج العقبة، ما يصعب عملية الرصد المبكر.

ورغم أن إسرائيل أقامت رادارات بعيدة المدى في مناطق مختلفة من القرن الإفريقي لتعزيز قدراتها الاستشعارية، فإن هذه الرادارات تظل عاجزة أمام الطائرات الصغيرة أو الهجمات المتعددة التي تطلق في توقيت متزامن.

ويضيف سلطان أن غياب التنسيق العلني مع مصر والأردن في هذا الملف يعقد الوضع أكثر. إذ أن تل أبيب لا تستطيع الاعتماد على مجال هاتين الدولتين بشكل مباشر للإنذار المبكر. رغم أن القاهرة وعمان تعترضان بدورهما أي تهديد يخترق أجواءهما.

ومع ذلك، فإن انحسار الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر قلل من المظلة الأمنية المشتركة. تاركًا إسرائيل مكشوفة في بعض الجوانب. وإن كان الدعم الأمريكي ما يزال حاضرًا عبر منظومات مثل “ثاد” والخبرة التقنية في مجال الاعتراض الجوي.

فجوة استخباراتية واضحة

ويكشف سلطان أن أحد أبرز أوجه القصور يكمن في المجال الاستخباراتي، إذ تفتقر إسرائيل إلى شبكة مصادر بشرية فعالة داخل اليمن. ما يجعلها عاجزة عن تتبع منصات الإطلاق أو إحباط الهجمات قبل وقوعها.

ورغم أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أنشأت وحدات متخصصة في اليمن ودربت ضباطها على اللهجات المحلية لرصد النشاط الحوثي، فإن هذه الإجراءات لم تعوض النقص في المعلومات الميدانية.

ويضيف الباحث أن هذا القصور انعكس في عجز إسرائيل عن حماية أهداف بالغة الحساسية مثل مطار رامون في إيلات. الذي تعرض لهجوم مباشر أدى إلى تعطيل الحركة الجوية مؤقتًا. مشيرًا إلى أن الفشل لم يكن تقنيًا فحسب. بل أيضًا نتيجة غياب التنسيق الاستخباراتي متعدد المستويات بين الوسائل البشرية والتقنية.

بين الإرباك والاستنزاف

وعن توصيف طبيعة المواجهة، يرى سلطان أن الحديث عن “معركة استنزاف إستراتيجية” مع الحوثيين مبالغ فيه، إذ لا تمتلك الجماعة حتى الآن القدرة الكمية والنوعية الكافية لإغراق الدفاعات الإسرائيلية بوابل كثيف من الصواريخ والمسيّرات على نحو مستدام.

لكنه يؤكد أن ما يحدث هو “معركة إرباك”، هدفها الضغط السياسي والمعنوي وإعادة صياغة صورة إسرائيل الإقليمية باعتبارها قوة عسكرية لم تعد محصنة كما كانت تدعي.

ويضيف أن هذه الضربات، رغم محدوديتها، أسهمت في هز صورة الردع الإسرائيلي. وأثارت مخاوف متزايدة في أوساط الرأي العام حول كلفة الحرب المستمرة على أكثر من جبهة، من غزة ولبنان وصولًا إلى اليمن وإيران.

مأزق الردع الإسرائيلي

ويخلص سلطان إلى أن التحدي الحقيقي أمام إسرائيل لا يكمن في التصدي لكل صاروخ أو مسيرة حوثية، بل في إدارة معادلة الردع على المدى الطويل.

فكل هجوم ناجح، حتى لو لم يوقع خسائر كبيرة. يرسخ صورة إسرائيل كقوة عاجزة عن حماية جبهتها الداخلية بشكل مطلق. وهذه الصورة تتناقض مع محاولاتها المتكررة لتسويق نفسها كشريك أمني موثوق لدول الخليج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights