الدكتور هشام حنضل يكتب: التضخم وأثره على الأمن والسلم العالمي

بترشيح كريم من معالي الأستاذ الدكتور شريف خاطر رئيس جامعة المنصورة قمت بتمثيل جامعة المنصورة في فاعليات التطبيق العملي “القضايا الدولية المعاصرة وتأثيرها على الأمن والسلم العالمي تعاون 3″ بتقديم ورقة في محور التضخم عنوانها” التضخم وأثره على الأمن والسلم العالمي” بكلية الدفاع الوطني.
ويعرف التضخم بأنه ارتفاع عام ومستمر في المستوى العام للأسعار، أي ارتفاع أسعار غالبية السلع والخدمات عدة مرات، فإرتفاعها مرة أو مرتين لا يعد تضخما بالمفهوم الاقتصادي، وبالطبع يقاس معدل التضخم بالتغير في المستوى العام للأسعار بين عامين منسوبا إلى مستوى الأسعار في عام الأساس مضروبا في مائة.
تتعدد أنواع التضخم فبحسب حدته هناك “التضخُّم الزاحف” ويُطلَق عليه أيضاً “التضخُّم المُعتَدِل”، وهو نوعٌ ترتفع فيه الأسعار ببُطء ولكن بشكل مُستَمِرّ خلال فترة مُعيَّنة، وبمُعدَّل يتراوح بين 2%-3%، ويُعَدّ هذا المُعدَّل طبيعيّاً، وقد يختلف قليلاً من دولة إلى أخرى. وهناك “التضخُّم المُتَسارع” ويحدث بوتيرة أسرع قليلاً من التضخُّم الزاحف، وترتفع فيه الأسعار تدريجيّاً لكن دون زيادات كبيرة وبمُعدَّل يتراوح بين 3%- 10%.
وهناك أيضا “التضخُّم الراكض” وفيه ترتفع ألأسعار بسرعةٍ وبمُعدَّلٍ يفوق 10% خلال العام الواحد. واخيرا هناك “التضخُّم الجامح” ويُعرَف أيضاً “بالتضخُّم المُفرط”، وهو أخطر أنواع التضخُّم وأكثرها تأثيراً في الاقتصاد، إذ تتضاعف الأسعار بنسبة كبيرة وبسرعة هائلة مما قد يصعب معه السيطرة عليها، فقد ترتفع الأسعار بمُعدَّل يصل إلى 50% في الشهر الواحد، وقد يتسبَّب التضخُّم المُفرط في انهيار النظام النقديّ والاقتصاديّ للدولة.
وبحسب مصدره هناك “تضخُّم ناجم عن جانب الطلب” وينجم عن زيادة المعروض النقدي في الدولة، ولا يقابله زيادة مماثلة في المعروض السلعي، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات عن المعروض منها فترتفع الأسعار. وهناك “تضخُّم ناجم عن جانب العرض” وينحم عن زيادة أسعار بعض عناصر الإنتاج الهامة في العملية الإنتاجية فترتقع تكلفة الأنتاج فيرفع المنتجون الأسعار، هناك أخيرا “التضخم المستورد”، ويعني استيراد التضخم من خلال استيراد السلع من دول تعاني من التضخم.
وبحسب تدخل الدولة لمعالجته هناك “التضخُّم الظاهر” ويحدث على نطاق واسع، إذ تستَمِرّ الأسعار فيه بالارتفاع دون أن تبذل الجهات المسؤولة في الدولة جهوداً لمُواجَهَته؛ ولذلك يمكن أن يُطلَق عليه “التضخُّم المفتوح”. أما “التضخُّم المكبوت” فهو حالةً عكسيّةً للنوع الأوَّل إذ تتَّخِذ فيه الجهات المسؤولة في الدولة إجراءات وقرارات حاسمة تجاه ارتفاع الأسعار، فتضع حَدّاً لها لمَنعها من الزيادة المُستَمِرَّة غير المضبوطة، ولتجنُّب الآثار السلبيَّة للتضخُّم.
وأود ان أشير هنا إلى نوع أخر من التضخم لا تتناوله الاكاديميون أو مراجع الاقتصاد ويمكن أن نطلق عليه “التضخم السياسي” ويحدث عند تعرض دولة ما لحصار اقتصادي بسبب أو لغرض سياسي ينجم عنه نقص في المعرض السلعي داخل الاقتصاد مما يسبب التضخم.
ولا ريب أن للتضخم اثارا سلبية عديدة على الاقتصاد القومي، حيث يؤدي التضخم إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود – إنخفاض قيمة النقود- أي انخفاض كمية السلع والخدمات المشتراه بوحدة النقد، وهذا يعني إنخفاض مستوى المعيشة للمواطنين. وأيضا يؤدي التضخم إلى أرتفاع أسعار المنتجات المحلية بالنسبة لأسعارها الدولية مما يؤدي إلى إنخفاض القدرة التنافسية للمنتجات المحلية فتقل الصادرات المحلية، وما يعني ذلك من فقدان لجزء من التدفق النقدي من العملات الأجنبية، وما لذلك من تأثير سلبي على الإنتاج المحلي والتوظف والدخل وأيضا على سعر صرف العملة الوطنية.
ومن جهة اخرى يكون تأثير التضخم على محدودي الدخل أكبر من تأثيره على فئات الدخل الأخرى، مما يعني إعادة توزيع الدخل القومي في غير صالح تلك الفئات وقد يؤدي ذلك إلى زيادة عدد الفقراء، وما لذلك من اثار اجتماعية هامة فتزيد الجريمة بكل أشكالها من سرقة ونصب واحتيال وتزوير واختلاس، فضلا عن الأثار الاقتصادية.
أيضا يؤدي التضخم إلى إنخفاض القدرة على الإدخار وما يتبعه من أثار، فينخفض الاستثمار ومن ثم الإنتاج والتوظف والدخل وقد يؤدي ذلك إلى دخول الاقتصاد القومي في مرحلة انكماش.
لا ريب ان للتضخم أيضا أثارا كبيرة على الأمن والسلم العالمي، مما يتطلب معه ضرورة إتخاذ إجراءات وسياسات محلية ودولية للحد منه وتخفيف أثاره، وهذا ما سنتناوله في مقالنا القادم بحول الله. وهنا لا يفوتني تقديم خالص التحية والشكر للقائمين على فاعليات التطبيق العملي- تعاون 3 وما سبقه من نطبيقات عملية لما لذلك من عظيم الأثر على جميع المشاركين من مصر والدول الشقيقة والصديقة، حفظ الله مصر دائما نبراسا للعلم والعلماء.