الذهب يكتب فصلًا تاريخيًا جديدًا.. الأوقية تقترب من ٤ آلاف دولار والأسعار المحلية تحطم أرقاما قياسية
خبراء يكشفون: إلى أين يصل المعدن الأصفر الفترة القادمة؟.. والمواطن أمام واقع جديد في سوق الذهب

تقرير – محمود عبد العظيم
شهدت أسواق الذهب العالمية في عام ٢٠٢٥ موجة صعود تاريخية غير مسبوقة، جعلت المعدن الأصفر يعود بقوة إلى صدارة المشهد الاقتصادي والمالي كأبرز الملاذات الآمنة في أوقات الأزمات، وبعد أن استهل العام عند مستوى ٢٧٩٨ دولارًا للأوقية، واصل الذهب مساره الصاعد تدريجيا حتى لامس مطلع أكتوبر الجاري مستوى ٣٨٩٥ دولارًا، محققا زيادة تقارب ٣٨٪ منذ يناير، وقفزة تتجاوز ٦٢٪ مقارنة بمتوسط أسعار ٢٠٢٤ الذي لم يتجاوز ٢٣٨٩ دولاراً للأوقية، لتنعكس هذه التطورات العالمية سريعا على السوق المحلية في مصر.
فالذهب اليوم يقف عند مفترق طرق تاريخي، حيث يقترب من حاجز ٤ آلاف دولار للأوقية، بينما تواصل الأسعار المحلية تحطيم الأرقام القياسية يوماً بعد آخر، وبينما يراه المستثمرون ملاذاً آمناً في مواجهة الأزمات الاقتصادية، يجد المستهلك المصري نفسه أمام واقع جديد يجعل الذهب عبئاً في حالات الاستهلاك وزينة المناسبات، وفرصة في حال الادخار طويل الأجل.
ومع استمرار الضبابية في المشهدين الاقتصادي والجيوسياسي العالمي، يبدو أن المعدن النفيس سيبقى العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة، بين توقعات صعود جديدة وتخوّفات من تصحيحات قد تعيد التوازن إلى السوق.
أسباب ارتفاع أسعار الذهب عالميًا الفترة الحالية
يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الطفرة الاستثنائية لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الدولية. في المقدمة تأتي التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، إذ يؤدي هذا الإجراء عادة إلى تقليل جاذبية الاستثمار في السندات والدولار، ليتحول المستثمرون نحو الذهب بحثاً عن ملاذ آمن ومستقر.
كما لعب تراجع العملة الأمريكية أمام سلة العملات الرئيسية دوراً مهماً في تعزيز صعود المعدن النفيس. وزادت مشتريات البنوك المركزية، خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط، من قوة الطلب على الذهب باعتباره احتياطياً استراتيجياً. وفي الوقت نفسه، شهدت صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs) تدفقات استثمارية ضخمة مع تزايد المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية، خاصة بعد دخول الحكومة الأمريكية في حالة إغلاق رسمي ألقت بظلالها على الأسواق العالمية.
انعكاس مباشر على السوق المصرية
انعكست هذه التطورات العالمية سريعاً على السوق المحلية في مصر، حيث ارتفع سعر جرام الذهب عيار ٢٤ إلى ما بين ٥٩٠٠ و٦٠٠٠ جنيه مع بداية أكتوبر، مقابل مستويات أقل بكثير مطلع العام. أما عيار ٢١ – الأكثر تداولاً بين المصريين – فقد قفز إلى حدود ٤٦٠٠ – ٤٧٠٠ جنيه، وهو أعلى مستوى في تاريخه، مقارنة بمتوسط ٢٧٠٠ جنيه فقط خلال ٢٠٢٤.
هذا الارتفاع المفاجئ دفع العديد من المواطنين إلى التراجع عن شراء المشغولات الذهبية الجديدة إلا في حالات الضرورة مثل الزواج، بينما ازداد الإقبال على بيع الذهب المستعمل للاستفادة من الأسعار المرتفعة. ويؤكد تجار الذهب أن السوق باتت أقل نشاطاً من ناحية المبيعات، وأكثر اعتماداً على عمليات الاستبدال أو البيع المباشر.
أثر قرار المركزي بخفض الفائدة
على الصعيد المحلي، أصدر البنك المركزي المصري مؤخراً قراراً بخفض سعر الفائدة بنسبة ١٪ ليصبح عائد الإيداع ٢١٪ والإقراض ٢٢٪. إلا أن هذا القرار لم يترك أثراً ملموساً بعد على حركة أسعار الذهب في السوق.
وفي هذا السياق، أوضح لطفي المنيب، نائب رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية، أن “العوامل العالمية هي المتحكم الأول في اتجاهات أسعار الذهب، يليها في الأهمية سعر صرف الجنيه أمام الدولار”، مشيراً إلى أن أي تأثير لخفض الفائدة داخلياً قد يظهر بصورة تدريجية مع استئناف التعاملات البنكية، لكنه لن يغيّر جذرياً من اتجاه الأسعار طالما ظل الدولار مرتفعاً والذهب العالمي في موجة صاعدة.
توقعات الفترة المقبلة
تتباين الرؤى بشأن مستقبل الذهب خلال الفترة المقبلة. فقد توقّع بنك جولدمان ساكس أن يواصل المعدن الأصفر مساره الصعودي ليصل إلى ٤ آلاف دولار للأوقية بحلول منتصف ٢٠٢٦، مؤكداً أن المخاطر الاقتصادية الراهنة قد تدفع الأسعار حتى إلى ما فوق هذا المستوى. أما مؤسسة جي. بي. مورجان، فترى أن الذهب سيحافظ على متوسط قدره ٣٦٧٥ دولاراً بنهاية العام الجاري، مع احتمالات لمزيد من الارتفاع حال استمرار الضغوط على الاقتصاد العالمي.
محلياً، يرى الخبراء أن أسعار الذهب في مصر ستظل مرهونةً بالدرجة الأولى لمستوى الدولار أمام الجنيه. فأي تراجع جديد في قيمة الجنيه سيضاعف من أثر الارتفاع العالمي، ما يضع المستهلك المصري أمام تحديات متزايدة سواء في اقتناء الذهب كمجوهرات أو كوسيلة للادخار.
الذهب بين الزينة والادخار
ورغم أن الذهب يحتفظ بمكانته الراسخة في الثقافة الاجتماعية المصرية كهدية أساسية في المناسبات، فإن دوره كأداة ادخارية أصبح أكثر وضوحاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. ويرى محللون أن الاستثمار في الذهب يجب أن يتم بحذر، مع التركيز على المدى الطويل وتخصيص نسب مدروسة من المحافظ المالية له، خاصة أن موجات الصعود الكبيرة قد تتبعها أحياناً تصحيحات حادة تفاجئ الأسواق.
مقارنة بين ٢٠٢٤ و٢٠٢٥
- عيار ٢٤: من متوسط ٣١٠٠ جنيه/جرام في ٢٠٢٤ → نحو ٥٩٠٠ – ٦٠٠٠ جنيه/جرام في ٢٠٢٥.
- عيار ٢١: من متوسط ٢٧٠٠ جنيه/جرام → حوالي ٤٦٠٠ – ٤٧٠٠ جنيه/جرام.
- عيار ١٨: من متوسط ٢٣٠٠ جنيه/جرام → نحو ٣٩٠٠ – ٤٠٠٠ جنيه/جرام.