عام على الطوفان… مجازر حولت غزة إلى مسلخ كبير
تقرير: مروة محي الدين و سمر صفي الدين
366 يومًا مروا على العالم مرورًا روتينيا، لكن في غزة كان مرورهم شيء آخر، فكل يوم يحمل فاجعة جديدة، مع عمل آلة القتل الإسرائيلية دون هوادة وبلا سقف، لتحول قطاع غزة إلى “مسلخ بشري كبير”، وكل فاجعة تترك في نفوس الناجين منها ذات الصدمة كأنهم يفجعون للمرة الأولى، فليست عين الشاهد بالتي تعتاد الفواجع.
وليست تلك الصدمة الوحيدة فالصدمة الأخرى تجدها العين المبصرة، في رد فعل الدول الكبرى والمجتمع الدولي على المجازر الدامية اليومية، حيث يخرج علينا الرئيس الأمريكي “جو بايدن” كل فترة متحدثًا عن فواجع مزعومة- ثبت كذبها- طالت إسرائيل، غاضًا الطرف أو متعاميًا عن دماء وأشلاء تعرض كل يوم على وسائل الإعلام، دون أن يوجد سبب لذلك التعامي سوى أنها “دماء فلسطينية“.
الإبادة الجماعية

ومنذ ضربته الأولى ولعام كامل، جعل الجيش الإسرائيلي من المواقع والمنشآت المدنية هدفًا أوحد فارتفعت حصيلة الشهداء في غزة إلى 41909 شهداء وصل المستشفيات، 60% منهم من الأطفال والنساء، و97303 مصابين وسط انهيار المنظومة الصحية، وذلك عقب استهداف 65% من المؤسسات الصحية، وما تبقى منها يعمل بشكل جزئي وبنسبة إشغال 300%، ما يجعلها غير قادرة على تقديم الخدمة الصحية والطبية بشكل جيد للجرحى والمرضى الذين يزداد عددهم بشكل مطرد يومياً.
كذلك سجلت وزارة الصحة في غزة ما يربو على 20 ألف شخص في عداد المفقودين، وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي أكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال سنة كاملة جريمة التطهير العرقي، فأباد 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها، و 1,364 أسرة فلسطينية بقتل جميع أفرادها دون أن يبقي سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، وكذلك مسح 3,472 أسرة فلسطينية بقتل جميع أفرادها إن من فردين اثنين باقيين في كل أسرة.
وجاءت فرق العاملين في القطاعات المختلفة، لتكون ضمن أرقام الضحايا، فوصل شهداء الكادر الطبي الذي كان هدفًا للاحتلال 986 شهيدا 4 منهم نالوا الشهادة تحت وطأة التعذيب والإهمال الطبي في سجون الاحتلال عقب اعتقالهم، حيث بلغ عدد المعتقلين من الكوادر الطبية الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال من غزة خلال العام 312 شخص.
ثم كان شهداء الحقيقة الذين استهدفهم الاحتلال داخل المسلخ ليشكل 174 شهيدا منهم مذبحة جديدة للأقلام الفاضحة لفعل ذلك الكيان المسمى “إسرائيل” وحكومته النازية.
ثم جاء ضحايا فرق الدفاع المدني المنوط بهم إنقاء الضحايا، فاستشهد منهم 85 ضحية وأصيب أكثر من 292 آخرين، بالإضافة إلى 15 مفقودًا، 9 منهم تم العثور عليهم ضمن الأسرى الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال.
المسلخ البشري الكبير

“نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف وفقًا لذلك…” كلمات لخص بها وزير الحرب في حكومة الاحتلال “يؤلف جالانت”- ثاني أيام الحرب- تعامل قواته برا وبحرًا وجوًا مع مدنيي القطاع، ومن هذا المنطلق عاملت الاحتلال مدنيي غزة باعتبارهم رؤوسًا يجمعهم مسلخ كبير.
فارتكبت قوات الاحتلال وطيرانه 3584 مجزرة خلال العام، وأقامت داخل المستشفيات 7 مقابر جماعية، تم انتشال 520 شهيدا منهم.
وكانت مجازر المستشفيات أبرز صور القتل الجماعي خلال سنة من الإبادة، فكانت مجازر:
- مجزرة مستشفى كمال عدوان:
في 16 ديسمبر 2023، اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى، وجرفت جرافاته خيام النازحين وهم بداخلها، ما أدى لاستشهاد وإصابة عشرات المرضى والجرحى والأطقم الطبية والنازحين، ودُفن عشرات النازحين والمرضى والجرحى وهم أحياء، كما سُجِلَت إعدامات ميدانية للحوامل، وأطلقت قوات الاحتلال النار على الطواقم الطبية.
- مجزرة المستشفى المعمداني:
قصف طيران الاحتلال في 17 أكتوبر 2024 ساحة المستشفى المعمداني، التي كانت مركزًا للجوء مئات المدنيين هربًا من القصف، بعد تلقي تهديدات بقصف المربعات السكنية التي يعيشيون فيها، باعتبار المستشفى منشأة محمية من القصف بموجب القانون الدولي، لكن قصف الاحتلال ضرب بالقانون الدولي عرض الحائط ليضرب المستشفى، مخلفًا 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.
- مجزرة مستشفى الشفاء:
ضرب طيران الاحتلال محيط مستشفى الشفاء، قبل أن تقتحم قواته المستشفى في مارس 2024، وأطلقت النار على المرضى في أسرّتهم، والأطباء الذي رفضوا أوامر المغادرة والتخلي عن مرضاهم، ما أدى لاستشهاد 300 شخص بين المرضى والجرحى والنازحين والطواقم الطبية، كما عُثر بعد انسحاب قوات الاحتلال على جثث شهداء مكبلين، وكذلك اعتقل نحو 1000 شخص.
ومثلت مراكز إيواء النازحين البؤرة الثانية لأهداف الاحتلال، فكان من بينها:
- مجازر مدرستي الفاخورة وتل الزعتر:
في 18 نوفمبر 2023، قصف طيران الاحتلال مدرستي الفاخورة وتل الزعتر، اللتان تم تخصيصهما مراكز لإيواء النازحين، فضرب الاحتلال الأسرالنازحة مخلفًا أكثر من 200 شهيد في مدرسة الفاخورة و50 شهيد في مدرسة تل الزعتر.
- مجزرة الطحين:
كانت طوابير الغزاويين المنتظرة للمعونات، بعد أن منع عنهم الماء والطعام والكهرباء، هدفًا آخر للطيران في 29 فبراير 2024، فقصف الاحتلال من مسافة قريبة طوابير المنتظرين لشاحنة طحين- دقيق- فور وصولها بدوار النابلسي شمال القطاع، ليختلط الدم بالدقيق بعد استشهاد 120 فلسطينيا وإصابة نحو 1000 آخرين نتيجة القصف.
- مجزرة مدرسة التابعين;

“صرنا نزن كل 70 كيلو شهيد”… كان ذلك ملخص مجزرة 11 أغسطس الماضي، مدرسة التابعين في حي الدرج بمدينة غزة، التي كانت مستخدمة مركز لإيواء النازحين، لتصبح عنوانا لأحد أبرز مجازر الاحتلال التي استشهد فيها أكثر من 125 شخص، بالإضافة لعشرات الإصابات الجسيمة، حيث قصف طيران المدرسة بثلاثة صواريخ من طراز “MK84” أمريكية الصنع، التي يزن كل منها 2000 رطل، وتصل حرارتها 7000 درجة، أثناء أداء المصلين لصلاة الفجر.
وبالأمس ارتكب جيش الاحتلال مجزرتين وحشيتين بالمحافظة الوسطى بقصف مسجدٍ ومدرسةٍ يؤويان نازحين راح ضحيتهما 24 شهيداً حتى الآن و93 جريحاً، وذلك عقب سلسلة من المجازر ارتكبها الاحتلال بقصف 27 منزلاً ومدرسة ومركز نزوح في مختلف محافظات قطاع غزة خلال 48 ساعة الماضية- حسب بيان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أمس.
كذلك استهدف الاحتلال دور العبادة وركز استهدافه على المساجد، فقصف ودمر قرابة ستمائة مسجد بينهما مساجد أثرية وتاريخية، و 3 كنائس.
النزوح

ومع تصاعد وتيرة آلة القتل الإسرائيلية أضحى النزوح قدر لا مفر منه، وسؤال واحد يتردد على ألسنة قرابة 2,4 مليون فلسطيني، تلتقطه الكاميرات فيسمعه أذان العالم ليخترق صممه: “وين بدنا نروح…؟”
نزح داخل قطاع غزة قرابة 2 مليون شخص، حيث أقيم أكثر من 543 مركز للإيواء والنزوح استهدف الاحتلال عددًا كبيرًا منها، حتى نزحت العائلات إلى الشاطئ، فأقامت الخيام أمام مياة البحر لعله يكون لهم نجاة من القتل الذي لا يستثني أحد.
لكن ظروف الحرب والنزوح المستمر أبت أن ترحم مليوني نازح، فقد تآكلت الخيام بينما يزحف فصل الشتاء- الذي تشير التوقعات أنه سيكون قارص البرودة- على القطاع، فأضحت 74% من خيام النازحين غير صالحة، حيث أن 100 ألف من أصل 135 ألف خيمة بحاجة للتغير نتيجة الاهتراء.
ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، أكملت الأمراض المعدية الجلدية والمعوية وغيرها تلك المأساة، فأصيب 1.737.524 بأمراض معدية نتيجة النزوح.
مر على غزة سنة كاملة لم يراها سكانها إلا سيمفونية موت، تعزفها حكومة الاحتلال، وتقود فرقة عازفيها الإدارة الأمريكية، لتخرج في النهاية أرض خضبت الدماء كل شبر فيها، بينما يوليها العالم ظهره رافضًا تحمل مسؤوليتها في إقرار الجريمة على مجرمي الحرب.