مقالات

حشمت عبد الحارث يكتب: 30 يونيو .. الشعب الذي قال «لا»

لم يكن الثلاثون من يونيو لعام 2013 يومًا عاديًا في حياة المصريين، بل كان يومًا صنع فيه الشعب مصيره بيده .. يوم خرجت فيه الملايين إلى الشوارع والميادين في كل أنحاء الجمهورية تحمل مطلبًا واحدًا واضحًا لا يحتمل التأويل “إنقاذ الوطن”، كانت مصر وقتها قد دخلت نفقًا مظلمًا من الفوضى والارتباك السياسي والاجتماعي، مع تصاعد سيطرة جماعات الإخوان على مفاصل الدولة، وتغليب مصالح التنظيم على مصالح الشعب، حتى بات المواطن يشعر أن بلاده تُدار من خلف أبواب مغلقة، وفقًا لحسابات الجماعة لا إرادة الناس والدولة

جاءت الدعوة للنزول في 30 يونيو، فتلقفها الشعب المصري سريعًا، وكأنها طوق نجاة وصرخة خلاص، في ذلك اليوم، خرجت جموع الشعب الغاضبة من كل شارع وحارة .. ارتفعت الأعلام المصرية، وتعالت الهتافات المطالبة برحيل وسقوط النظام، وصارت ميادين مصر كلها تغني بصوت واحد “يسقط حكم المرشد”.

حين ذاك، خرج الشعب المصري ليقول “لا”.. لا لحكم جماعة الإخوان، لا لإختزال الوطن، لا لتقسيم المجتمع وفقًا للولاء والانتماءت، لا لانفلات الأمن وانتشار الفوضى، لا للأزمات المعيشية التي خنقت البسطاء، ولا للتدخل السافر في مؤسسات الدولة وهيبتها..

كانت الملايين حينها تتدفق في ميادين التحرير، والاتحادية، وسيدي جابر، والمنصورة، والزقازيق، وأسوان، تحمل علمًا واحدًا، وهتافًا واحدًا، وهدفًا واحدًا .. مشاهد لم تعرفها البلاد من قبل، فكل الفئات العمرية، كل الأطياف السياسية والاجتماعية، كانوا على قلب رجل واحد، كان الجميع يدرك أن تلك اللحظة مصيرية، وأن مستقبل الوطن مرهون بما ستسفر عنه تلك الساعات.

ومع حلول 30 يونيو، بدا أن مصر كلها على موعد مع الخلاص، رجال ونساء، شيوخ وأطفال، عمال وفلاحون، فنانين ورياضيين، أقباطًا ومسلمين، انتفضوا في مشهد غير مسبوق، لم تكن مجرد مظاهرات، بل كانت استفتاءً عمليًا وعلنيًا ضد استمرار هذا الحكم

وعلى مدار ثلاثة أيام، لم تغب الميادين عن المشهد، ولم تهدأ أصوات الغاضبين، وفي مساء الثالث من يوليو، كان التاريخ على موعد جديد، حين ألقى الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقتها، بيان القوات المسلحة، معلنًا انحياز الجيش الكامل لإرادة الشعب، وعزل الرئيس محمد مرسي، وتعطيل العمل بالدستور مؤقتًا، وتكليف المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، بتولي إدارة شؤون البلاد، وبدء خارطة طريق جديدة لإعادة بناء الوطن.

ومنذ ذلك اليوم، بات 30 يونيو رمزًا لإرادة المصريين الحرة، ودلالة على أن الشعوب قادرة على تصحيح مسارها حين تُسرق منها أحلامها، اعتبرته الدولة ثورة ثانية، مكملة لما بدأ في 25 يناير 2011، لكنها أكثر وعيًا ونضجًا وتجربة .. ومع مرور السنوات، ظل المصريون يستعيدون ذكرى ذلك اليوم كعلامة مضيئة في تاريخ الوطن الحديث، يؤكدون فيه أن الشعب حينما ينتفض لا يُهزم، وأن مصر لا يُمكن أبدًا أن تُحكم إلا بإرادة أبنائها؛ فكان 30 يونيو شهادة تاريخية على أن الشعوب أقوى من أي جماعة، وأن الأوطان تبقى حين يقرر أهلها أن ينقذوها بأيديهم.

اليوم، بعد أكثر من 11 عامًا، ما تزال ذكرى 30 يونيو حاضرة في وجدان المصريين، يحتفلون بها باعتبارها يوم استعادة القرار الوطني، وعودة الدولة إلى أهلها، وذكرى تثبت أن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها مهما عظمت التحديات.

لقد قال الشعب المصري كلمته يوم 30 يونيو، ولم يكن “لا” مجرد اعتراض، بل كان صيحة حياة، وإعلانًا عن أن الأوطان لا تدار في الظلام، وأن من يراهن على صمت الشعوب يجهل تاريخها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights