دكتور أسامة البيطار يكتب: رسالة إلى صناع القرار في التكنولوجيا العربية: هل نملك زمام مستقبلنا؟

في ظل الهيمنة الرقمية الغربية، أصبح تراثنا الثقافي وهويتنا العربية في خطر حقيقي. لم يعد الأمر مجرد تحدٍ ثقافي، بل بات مرتبطًا بوجودنا ومستقبل أجيالنا. اليوم، الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة، بل أصبح القوة التي تشكل وعي المجتمعات، تحدد روايتها التاريخية، وتعيد رسم هويتها وفقاً لما يتم برمجته عليها.
لماذا يجب أن نقلق؟
تشويه التاريخ وإعادة كتابته وفق رؤية غربية:
هل يعلم أولادنا أن معركة الكرامة كانت دفاعًا عن الأرض الأردنية ضد العدوان الإسرائيلي؟ أم أنهم يتلقون نسخة مشوهة من الحقيقة عبر المحتوى الرقمي الموجه؟ هل سيظل العالم يعترف بحرب أكتوبر المجيدة كنصر عربي حاسم، أم أن هناك محاولات لطمس هذه الحقيقة؟ إن تجاهل هذه التفاصيل الصغيرة اليوم، قد يعني طمس هويتنا غدًا.
إقصاء التراث العربي لصالح محتوى غربي:
نحن نعيش في عصر تتحكم فيه خوارزميات الذكاء الاصطناعي فيما نراه ونقرأه. إن لم يكن هناك محتوى عربي قوي، فسيتم استبداله تلقائيًا بمحتوى غربي يُعيد تشكيل وعي الأجيال القادمة بعيدًا عن جذورها.
• سرقة موروثنا الثقافي ونسبته إلى ثقافات أخرى
من الأزياء التقليدية إلى الطبخ والفنون الشعبية، هناك محاولات مستمرة لنقل عناصر من تراثنا إلى ثقافات أخرى دون الاعتراف بجذورها العربية. بناء الأهرامات، الذي يعد أعظم إنجاز حضاري مصري، أصبح يُنسب إلى حضارات أخرى في بعض السرديات الحديثة. مدينة البتراء الأردنية، التي بناها الأنباط العرب قبل أكثر من ألفي عام، قد تصبح يومًا ما جزءًا من تراث منسوب لشعوب غير عربية إذا لم نحافظ على سرديتنا التاريخية.
ضعف حماية الملكية الفكرية للثقافة والتراث العربي:
في عالم يدار بالبيانات، أصبح تسجيل الحقوق الفكرية للعناصر التراثية والثقافية أمرًا بالغ الأهمية. إذا لم نقم بحماية فنوننا التقليدية، وموسيقانا، وحتى وصفاتنا الشعبية، فإنها ستُصبح متاحة للاستخدام والاستغلال من قبل الآخرين دون أي اعتراف بجذورها.
رسالة إلى صناع القرار في التكنولوجيا العربية
لقد آن الأوان للتحرك قبل فوات الأوان. لا يمكن الاستخفاف بهذه القضية، لأنها لا تتعلق فقط بالمحتوى الثقافي، بل بهويتنا ووجودنا نفسه. مستقبل أولادنا أصبح مرهونًا بالذكاء الاصطناعي، وإذا لم نكن نحن من يتحكم في السردية، فإن غيرنا سيفعل ذلك نيابة عنا.
ما المطلوب؟
1. إطلاق مشاريع ذكاء اصطناعي عربية مستقلة
• يجب أن يكون لدينا نماذج ذكاء اصطناعي مبنية على بيانات عربية خالصة، تعكس واقعنا وثقافتنا، ولا تعتمد فقط على مصادر غربية موجهة.
2. تعزيز المحتوى العربي في الفضاء الرقمي
• يجب أن تكون هناك مبادرات رسمية لدعم إنشاء محتوى عربي عالي الجودة في جميع المجالات، من التاريخ والفن إلى العلوم والتكنولوجيا.
3. التكامل بين الحكومات والقطاع الخاص في التكنولوجيا
• لا يمكن لهذه الجهود أن تنجح دون تعاون استراتيجي بين الحكومات، الشركات التكنولوجية العربية، والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي.
4. إدراج الثقافة والتاريخ في أنظمة الذكاء الاصطناعي
• يجب التأكد من أن أي تقنية ذكاء اصطناعي يتم تطويرها في العالم العربي تراعي القيم والتاريخ والهوية العربية، ولا تكون مجرد نسخة معربة من أدوات غربية.
5. تعزيز حماية الملكية الفكرية للتراث العربي
• يجب أن تعمل الحكومات والمؤسسات المعنية على تسجيل الموروث الثقافي والفني العربي كملكية فكرية محمية، لمنع استغلالها أو نسبتها لثقافات أخرى.
• تطوير آليات قانونية ورقمية لمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في تحريف أو سرقة التراث الثقافي العربي.
• تشجيع المبدعين العرب على تسجيل حقوقهم الفكرية لحمايتها من الاستغلال التجاري غير المشروع.
الختام: معركة الوعي تبدأ من التكنولوجيا والملكية الفكرية هذه ليست مجرد دعوة، بل صرخة تحذير. إذا لم نتحرك الآن، سنجد أنفسنا في المستقبل عاجزين عن تعريف أولادنا بهويتهم الحقيقية، لأن المعلومات التي ستصل إليهم ستكون قد أُعيدت كتابتها وفقًا لرؤية الآخرين. التكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل هي ميدان معركة جديد يجب أن نخوضه بحكمة وإرادة قوية، والملكية الفكرية هي درعنا الأساسي لحماية تراثنا وهويتنا من الاندثار أو السرقة.