الرئيسيةعرب-وعالم

رحلة الموت جوعًا… كيف تفتك المجاعة بمليوني جسد؟ 

غزة..

ذلك السجن الكبير الذي يقيد فيه أكثر من مليوني إنسان، دون طعام أو ماء أو دواء، بعد أن أغلقت جميع المعابر حوله بقرار من الاحتلال منذ أكثر من شهرين، بينما يضرب ما تبقى من مرافقة ومنشآته بآلة فتك عملاقة، وأمام تلك الظروف كانت الفرصة سانحة للجوع، لينشب مخالبه في جميع مناطق القطاع، ما أدى لاستشهاد 57 شخصًا معظمهم من الأطفال، بسبب أمراض سوء التغذية والمجاعة.

فإذا ما مضيت بين سكان القطاع مع اشتداد المجاعة، تجد سؤال الدكتور الفلسطيني “فايز أبو شمالة” يقف أمام ناظريك: “علّمونا وأنصحونا، كيف كان الرسول ﷺ يربط على بطنه حجرًا من الجوع؟!” ..

بحثًا وراء تلك القضية، لجأنا في “اليوم” لأحد أبناء القطاع، ليصحبنا في جولة داخل سلسلة الألم في غزة، وأطلقنا عليها “رحلة الموت جوعًا“، فبدأ معنا الصحفي “محمود أسعد أبو حصيرة” روايته بوصف مشاهد الجوع، لأجساد تصارع بين الموت جوعًا والعيش بأجساد تأكلها المجاعة، فقال: “مع استمرار الحصار الخانق وغياب المساعدات الإنسانية، باتت المجاعة تُطوّق أعناق الأهالي، وسط انهيار شبه كامل في سلاسل الإمداد، وغلاء فاحش يعصف بكل شيء، حتى برغيف الخبز الذي أصبح حلمًا بعيد المنال”.

وعن أطفال غزة أكد “أبو حصيرة”: أن أعداد الوفيات بين الأطفال والمرضى وكبار السن، بسبب الجوع، حيث تشهد الفرق الإغاثية حالات تقشعر لها الأبدان لأطفال يعانون من الهزال الشديد، وأمهات يبكين بحرقةٍ وهمّ لا يملكن سوى الدعاء، وروى شهادته لما قالته له “أم يونس حمد”- إحدى الفلسطينيات اللاجئات في إحدى مراكز الإيواء- التي قالت له بينما تبكي بحرقة: “ابني لم يأكل منذ يومين سوى بقايا عدس مغلي بدون ملح، فلا حليب، ولا خبز، ولا أمل”.

ويتصاعد الألم في صفوف انتظار الخبز، التي يقول عنها “أبو حصيرة”: أنها “تشبه ساحات الحرب، التي يتدافع فيها الناس لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وسط صرخاتهم التي تهز أرجاء الأماكن، وفي كثير من الأحيان ينقلب الأمر لاشتباكات دامية، وما لهذا القتال من هدف سوى الحصول على كيس دقيق أو رغيفين من الخبز إن وُجد”.

وتتفاقم أزمة الجوع- وفقا لتصريحات الصحفي الغزي- بتفاقم الوضع الأمني المنفلت، إذ “لا يمر يوم دون أن تهاجم جموع جائعة محرومة مخازن الطعام أو تقتحم شاحنات الإغاثة”، كذلك وفقا للإعلام العبري، يضرب الاحتلال كل يوم مخازن الطعام ويشعل الحرائق فيها، دون أن تجد من يحميها لتبقي شيئًا للجياع.

ارتفاع الأسعار في ظل غياب الموارد، شبحًا آخر يزيد الكارثة غير المسبوقة، فوفقا لشهادة “أبو حصيرة”: في ظل غياب المؤامرة ارتفعت أسعار المنتجات القليلة المتوفرة، “فأضحى سعر كيس الطحين- إن وُجد- يعادل راتب شهر كامل أو تزيد عنه قليلا، كما يتم تداول حبة الطماطم الوحدة كأنها قطعة من الذهب، أما لتر زيت الطعام فلا تجده إلا في السوق السوداء بأسعار خيالية”.

ومع استمرار الحرب تغيب الرواتب ومصادر الدخل، “لجأ الناس لاستخدام أسلوب المقايضة بتبديل بعض المواد الغذائية ببعض الممتلكات مثل بعض المشغولات الذهبية، أو بيع بعض الممتلكات إن بقي شيئًا ليباع”- حسب “أبو حصيرة”.

بوصولنا نهاية رحلة الجوع، تحضر تلك الصرخة التي أطلقتها جميع المنظمات الإغاثية العاملة في غزة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، بسرعة التحرك لفك حصار غزة وإدخال المساعدات، قبل أن تصبح أكبر مقبرة عرفها التاريخ يقتل أهلها جوعًا.

لكن الاحتلال والولايات المتحدة كان لهما رأي آخر، حين كان إصرارهما على أن تسلم المساعدات لجيش الاحتلال، ليسلمها بنفسه، فكان الرفضالأمميلذلك الشرط، حيث أعلنت عدم نيتها المشاركة في أي خطط إغاثية في غزة، ما لم “تلتزم بالمبادرات الإنسانية والاستقلالية والنزاهة”، لتبقى في النهاية غزة وحيدة، بين مطرقة القصف والدمار وآلة القتل الإسرائيلية الرهيبة، وسندان الجوع ونقص الدواء والمياة الذي ينهش الأجساد البالية لأهلها، وما من مجيب يسمع صرخاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights