الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.. أسمى معاني التضحية والفداء

تحمل الشهادة في سبيل الله مكانة رفيعة في الإسلام، فهي ذروة سنام الإيمان، وغاية التضحية والفداء. وقد اختارت وزارة الأوقاف المصرية موضوع “والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم” عنوانًا لخطبة الجمعة القادمة، والمقررة يوم 7 مارس 2025م، الموافق 7 رمضان 1446هـ، استنادًا إلى قوله تعالى:
“وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُو۟لَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ” (الحديد: 19).
تأتي هذه الخطبة في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى ترسيخ مفهوم الشهادة الحق، وتوضيح الفرق بين الجهاد المشروع الذي يدافع عن الدين والأوطان، وبين الفكر المتطرف الذي يسيء فهم الدين ويستغل النصوص لخدمة أجنداته الخاصة.
منزلة الشهداء في الإسلام
أعلى الإسلام من شأن الشهداء، ووعدهم بالدرجات العلا في الجنة، فهم الأحياء عند الله الذين لا يموتون بل ينتقلون إلى حياة أرقى وأسمى. يقول الله سبحانه وتعالى:
“وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۭا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران: 169).
وهذا تأكيد رباني على أن الشهداء لا يغيبون عن الوجود، بل يكرمهم الله بحياة خاصة في البرزخ، حيث ينعمون برزق الله وفضله.
وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال: “للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفع في سبعين من أقاربه” (رواه الترمذي).
فهذا الحديث يوضح الامتيازات الفريدة التي يمنحها الله للشهيد، بدءًا من المغفرة والنجاة من عذاب القبر، وصولًا إلى شفاعته لأقاربه، في مشهد يعكس الرحمة الإلهية العظيمة.
الشهادة ليست قاصرة على ميادين القتال
قد يعتقد البعض أن الشهادة تقتصر فقط على من يُقتل في ساحة المعركة، ولكن الإسلام وسّع مفهوم الشهادة ليشمل كل من يضحي بنفسه في سبيل الحق والواجب. فقد قال النبي ﷺ:
“الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله” (رواه البخاري ومسلم).
فكل من مات مدافعًا عن دينه أو وطنه أو عرضه، وكل من فقد حياته بسبب كارثة أو مرض شديد، يمكن أن يُحتسب عند الله من الشهداء، وهذه رحمة عظيمة من الله بعباده.
الشهادة بين التضحية والتطرف
في ظل تصاعد الفكر المتطرف، أصبح من الضروري التفريق بين الشهادة الحقيقية والعمليات الإرهابية التي تُرتكب باسم الدين. فالشهادة في الإسلام ترتبط بالدفاع عن الحق، وليس بالاعتداء على الآخرين أو نشر الفوضى.
وقد شددت وزارة الأوقاف في العديد من خطبها السابقة على أن الإسلام دين الرحمة والسلام، وليس دين العنف والإرهاب، وأن التضحية بالنفس لا تكون إلا في سبيل الدفاع عن الأوطان ورد العدوان، وليس في أعمال القتل العشوائي التي تستهدف الأبرياء.
كيف نستلهم معاني الشهادة في حياتنا؟
قد لا يُكتب لكل إنسان أن ينال الشهادة بمعناها المباشر، ولكن يمكن للجميع استلهام معانيها في حياتهم اليومية، من خلال:
- التضحية من أجل الوطن: فخدمة الوطن بإخلاص، وحمايته من الفساد والتخريب، هي نوع من أنواع الشهادة.
- الإخلاص في العمل: فالمعلم الذي يربي الأجيال، والطبيب الذي يسهر على علاج المرضى، والجندي الذي يحرس الحدود، كلهم يقدمون تضحيات تستحق التقدير.
- التمسك بالمبادئ والقيم: فالثبات على الحق في وجه الظلم، وعدم الانجرار وراء المصالح الشخصية، هو نوع من الجهاد الذي قد يصل إلى مرتبة الشهادة.
رسالة الخطبة للمجتمع
تحمل هذه الخطبة رسالة قوية إلى المجتمع، تؤكد أن الشهادة ليست مجرد موت، بل حياة أبدية في رحاب الله، وأن التضحية في سبيل الخير والعدل هي من أسمى معاني الإنسانية.
كما تدعو الخطبة إلى عدم الانسياق وراء الجماعات التي تضلل الشباب، وتستغلهم لتحقيق أهدافها، بحجة الجهاد والشهادة، بينما الإسلام يرفض الاعتداء على الآخرين أو قتل الأبرياء.
ختامًا
إن الحديث عن الشهداء ليس مجرد استذكارٍ لماضي العظماء، بل هو رسالة لكل إنسان ليكون جزءًا من نهضة مجتمعه، سواء بالتضحية بماله، أو جهده، أو وقته، أو حتى بنفسه إذا تطلب الأمر. فالشهداء هم أنبل الناس، وهم الذين اصطفاهم الله، وخلد ذكرهم، ووعدهم بالأجر والنور في الآخرة.
نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من الذين يسيرون على طريق الحق، وأن يلحقنا بالصالحين، وأن يحفظ أوطاننا من كل سوء.
 
				 
					 
					