الرئيسيةعرب-وعالم

سد ميدوج (1).. طفرة صينية في إنتاج الكهرباء النظيفة

تقرير: مروة محي الدين

دائما ما تراهن الصين على السبق والتفرد في مجالات المنافسة، على مستوى الإنتاج والتصنيع والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والأسلحة، وحتى في مجال التكنولوجيا النووية، لكنها في مشروع سد ميدوج الكهرومائي تخطت كل مراحل التحدي، بطفرة نوعية في تكنولوجيا بناء السدود وتشغيلها، يقول عنها الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- في تصريحات خاصة لموقع اليوم: “إن الصين لديها إصرار على إبهار العالم بمشروع عالمي، حيث يعد السد أعجوبة، تُعيد بها تشكيل خريطة الطاقة والجيوسياسة العالمية”.

انفراد عالمي

تتضح أهم مظاهر التفرد الصيني في سد الممرات الثلاثة- كما يطلق عليه- في مقارنته بالسدود الكبيرة في العالم، حيث تبلغ طاقته 70 جيجاوات، وهي كمية كافية لإضاءة فرنسا بأكملها، بإنتاج سنوي يعادل حرق 100 مليون طن من الفحم، ومع ضخامته تسبب في نزوح 1.4 مليون شخص؛ بينما يبلغ إنتاج سد إيتايبو- بين البرازيل وباراجواي- 14 جيجاوات، بيد أن شحّ المياه يقف عائقًا أمامه الآن بسبب الجفاف؛ فيما تصل طاقة سد النهضة في إثيوبيا 6 جيجاوات، وقد تسبب في مشكلات مائية مع مصر والسودان.

ويقول “الألفي”: “إن أهم أسرار التفوق الصيني في هذا السد، هو “الجمع بين التمويل الحكومي غير المحدود، والابتكار المحلي، والقوة العمالية الهائلة، التي تصل إلى 50,000 عامل”.

وتصف الصحفية الصينية المتخصصة في الشأن الاقتصادي “سعاد باي شين هواه” المشروع، في تصريحات خاصة لموقع اليوم، فتقول: “تمثّل محطة ميدوج الكهرومائية مشروعًا إستراتيجيًا ضخمًا للصين، يحمل أبعادًا داخلية وخارجية بالغة الأهمية:

أما عن الأبعاد الداخلية: يوفّر المشروع نحو 300 مليار كيلووات/ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًا، ما يضمن الطاقة لقطاعات حيوية، مثل: الصناعات المتقدمة والذكاء الاصطناعي؛ ويعزّز أمن الطاقة في مرحلة التحول الاقتصادي؛ كما أن الاستثمارات الضخمة ستعيد تشكيل البنية التحتية في منطقة شيتسانج الصينية، وتخلق فرص عمل كبيرة، وقد أتاح المشروع اختراقات تكنولوجية مهمة، جعلت الصين تمتلك منظومة تقنية مستقلة، يمكن تصديرها إلى الخارج.

وعلى مستوى الأبعاد الخارجية: فيُعد المشروع ورقة إستراتيجية قوية في جنوب آسيا، إذ يمنح الصين قدرة على إدارة موارد المياه بشكل عقلاني، كما يفتح المجال لتصدير الكهرباء إلى بنجلاديش مقابل مكاسب إستراتيجية، ويساعد بكين على تعزيز نفوذها ودورها، باعتبارها وسيط إقليمي في قضايا المياه والطاقة”.

محطات المشروع

 

 

تقول “شين هواه”: إن أهم أهداف سد ميدوج، هو تطوير موارد الطاقة المائية في نهر يارلونج تسانجبو بالصين”؛ وأوضحت أنه ليس وليد اليوم، وإنما هو مشروع تم طرحه منذ سنوات، وتابعت حديثها ملخصة مسار تطوره، فقالت:

“بدأت فكرة المشروع عام 1973، حيث نفذ فريق الخبراء، من معهد تشنجدو للاستكشاف والتصميم، التابع لمجموعة الاستشارات المائية الصينية، مسحًا شاملًا لعدد من مقاطع المجرى الرئيسي لنهر يارلونج تسانجبو والأنهار المحيطة به، بين شهري سبتمبر وأكتوبر؛ وتمكن الفريق من الوصول إلى منطقة ميدوج في يوليو عام 1982، فمسح مواقع مثل موقع جسر ليدونج، ثم أوصى بخطة تقصير المجرى وتحويل المياه، وأُطلق رسميًا اسم محطة ميدوج لتوليد الكهرباء المائية”

وتابعت حديثها: “وفي ديسمبر 1982، نُشرت تقارير استكشاف محطة ميدوج على المجرى السفلي للنهر، ومقدمة عن بناء الطاقة في منطقة شيتشانج الصينية، والتي وفّرت مواد أساسية لدراسة جدوى المشروع؛ وقد أدرجت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بالصين- للمرة الأولى عام 2003- تطوير موارد النهر، في خطة تنمية الطاقة المتجددة متوسطة وطويلة الأجل، باعتباره مشروعًا احتياطيًا استراتيجيًا بعيد المدى”.

وأضافت: “وفي عام 2020، أكدت الحكومة الصينية في الخطة الخمسية الرابعة عشرة، والأهداف لبعيدة المدى حتى عام 2035، على تنفيذ تطوير الطاقة الكهرومائية في المجرى السفلي ليارلونج تسانجبو؛ ثم أنهت شركة باور تشاينا دراسة الجدوى الأولية، لمقطع المنعطف الكبير للنهر عام 2021؛ وقد وافقت الحكومة الصينية رسميًا على المشروع في ديسمبر 2024؛ وبحلول عام 2025، أعلن دخول السد مرحلة البناء، في حفل أقيم لتدشين المشروع في 19 يوليو، في مدينة نينجتشي بمنطقة شيتسانج ذاتية الحكم لقومية تسانج”.

بناء السد وأهميته الاقتصادية

تبني الصين المحطة على نهر يارلونج تسانجبو، البالغ طوله 2,900 كيلومتر، في هضبة التبت على ارتفاع 3,200 متر، حيث ينحدر النهر عبر وادٍ ضيّق طوله 50 كيلومتر، ما يخلق أقوى تدفق مائي على كوكب الأرض؛ وقد صممت المحطة لتضم 5 سدود متتالية، تُشكّل سلالم مائية بطول 100 كيلومتر، باستخدام تقنية الأنفاق المحفورة بالليزر تحت الجبال، لتجنب الانهيارات الصخرية.

وحول أهمية السد وعوائده على الاقتصاد الصيني، يقول “الألفي”: “إن المشروع بمثابة محرّك جديد للنمو الصيني، وأكبر استثمار بنيوي في التاريخ تبلغ قيمته 170 مليار دولار، قسمتها إلى: 40% لتطوير توربينات فائقة القوّة، بصناعة صينية خالصة؛ و30% لشبكة نقل الطاقة لمسافة 3,000 كم، عبر خطوط جهد عالٍ، يتم تبريدها بالنيتروجين السائل؛ و30% لبناء مدن عمالية متكاملة في التبت، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز الأبحاث”.

وأضاف: “ومن المتوقع أن يدفع المشروع النمو الاقتصادي في هضبة التبت من 5%- 12% سنوياً، كمل يخلق 120,000 فرصة عمل مباشرة، ويجذب استثمارات أجنبية في صناعات الألمنيوم والبيتكوين، عبر توفير كهرباء رخيصة للاستهلاك”.

وأوضحت “شين هواة” أهمية المشروع فقالت: “تمثل محطة ميدوج إنجازًا إستراتيجيًا مزدوج الفائدة، إذ لا يقتصر دوره على خدمة المصالح الوطنية الصينية، بل يمتد ليكون منصة مربحة وجاذبة للاستثمارات الخارجية لهذه المنطقة والبلاد؛

من الناحية الداخلية: يوفّر المشروع ضمانًا لأمن الطاقة، حيث سيعوض سنويًا نحو 120 مليون طن من الفحم المعياري، وهو ما يعادل 22% من واردات الصين من الفحم الخام للعام الماضي؛ كما تكفي قدرته الإنتاجية لتغطية احتياجات كهرباء 300 مليون نسمة، أي ما يقارب 5% من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلاد عام 2024، ما يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات وخفض استنزاف الموارد؛

وإلى جانب ذلك، سيمنح دفعة قوية لتنمية الاقتصاد الإقليمي في منطقة شيتسانج الصينية، إذ يُتوقع أن يضيف أكثر من 200 مليار يوان سنويًا إلى الإيرادات المالية المحلية، أي ما يعادل 67% من إيرادات المنطقة في عام 2024، فضلاً عن توفير 200 ألف فرصة عمل مباشرة، وتحريك قطاعات كالصناعات الإنشائية والنقل والخدمات”.

وتابعت: “وعلى الجانب البيئي، يسهم المشروع في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 300 مليون طن سنويًا، ما يجعله ركيزة أساسية لتحقيق أهداف الصين في الحياد الكربوني”.

وأضافت: “وعلى الصعيد الخارجي، يفتح المشروع آفاقًا لتصدير الكهرباء إلى دول الجوار، مثل: بوتان ونيبال وبنجلاديش، بما يحول منطقة شيتسانج إلى مركز إقليمي للطاقة في جنوب آسيا، ويستقطب استثمارات أجنبية في البنية التحتية المرتبطة به، كذلك يعكس المشروع تفوق الصين في التكنولوجيا والبنية التحتية، ليكون نموذجًا عالميًا متوازنًا بين الجدوى الاقتصادية والحماية البيئية، الأمر الذي يعزز فرص تصدير الخبرة الصينية في مجال الطاقة الكهرومائية إلى أسواق أخرى، مثل: إفريقيا”.

ميدوج… هو مشروع القرن، الذي تتقدم به الصين تكنولوجيا بناء السدود في العالم، مثلما يحمل الكثير الصراعات المائية والجيوسياسية، إذ لا يخلو المشروع، الذي يمثل التحدي الأكبر للحكومة الصينية، ممن يرى فيه مخاطر وتحديات، وهو ما نناقشه في الحلقة القادمة على موقع اليوم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights