سمير رشوان الجعفري يكتب: الرقمنة وترشيد صناعة القرار

لم تكن هذه المرة الأولى التي أتناول فيها الرقمنة في مقالاتي، فقد كانت محور أحد أبحاثي العلمية خلال دراستي للماجستير في العلوم السياسية بجامعة أسيوط لكن ما يدفعني للحديث عنها مجدداً هو أن الرقمنة لم تعد مجرد مصطلح أكاديمي أو رؤية مستقبلية، بل تحولت إلى واقع يغير حياة البشر، ويعيد تشكيل معادلات السياسة العامة والعمالة والاقتصاد.
ببساطة، الرقمنة تعني تحويل المستندات والبيانات التقليدية إلى نسخ إلكترونية يسهل الوصول إليها والتعامل معها، وذلك من خلال شبكات الأعمال والاتصالات الرقمية كل ما كان في الماضي يتطلب وثائق ورقية أو إجراءات بيروقراطية، بات اليوم متاحاً بضغطة زر.
ومع اتجاه مصر نحو التحول الرقمي في مختلف القطاعات، أصبح لهذه العملية تأثير مباشر على السياسات العامة، وصناعة القرار الحكومي.
لم يعد صنع القرار عملية محصورة في أروقة المؤسسات، بل باتت المنصات الرقمية وسيطاً فعالاً بين الحكومة والمواطنين، تتيح نقل الرسائل والتفاعل مع السياسات العامة. ومع ذلك، فإن هذا التحول لم يكن سهلاً، إذ فرض تحديات كبيرة، خاصة في الدول النامية ومنها مصر، التي تواجه معضلة تحقيق التوازن بين التوسع الرقمي والحفاظ على العدالة الاجتماعية.
لقد تبنت الدولة المصرية استراتيجيات رقمية واسعة، استهدفت تحسين الخدمات العامة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ودعم المشاركة السياسية. لكن رغم التقدم المحرز، برزت تحديات أخرى، مثل الفجوة الرقمية بين الفئات الاجتماعية، وتصاعد نفوذ القطاع الخاص، وضغوط المستخدمين على المؤسسات الحكومية، مما زاد من حجم المطالب المجتمعية دون مراعاة للموارد المتاحة.
كل هذه التحولات تضع الحكومة أمام مسؤولية جسيمة، تتطلب منها بناء سياسات رقمية متينة، لا تكتفي بالتكيف مع المتغيرات، بل تستشرف المستقبل وتضع حلولاً طويلة المدى وهذا لن يتحقق إلا من خلال استراتيجيات شاملة تضمن إشراك الجميع، وتراعي الأبعاد الثقافية والاجتماعية، بحيث يصبح التحول الرقمي أداة لتعزيز التنمية، لا عاملاً لتعميق الفجوات.
الرقمنة، إذن، ليست مجرد تقنية، بل رؤية جديدة لصناعة القرار، تحتاج إلى إدارة واعية، وسياسات ذكية، تضمن تحقيق التوازن بين التطور الرقمي والمصلحة العامة.