الرئيسيةعرب-وعالم

قوة سيبيريا (2)… موسكو تقلب الطاولة بالتعاون الطاقي مع الصين 

تقرير: مروة محي الدين

خلال قمة منظمة شنغهاي، التي شملت لقاء بين قادة روسيا ومنغوليا والصين في بكين، وقعت روسيا مذكرة لتصدير الغاز الطبيعي للصين، عبر خط أنابيب (قوة سيبيريا-2)، ليدشن ذلك أفقًا جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، يلغي أثر المقاطعة الاقتصادية، التي تفرضها أوروبا على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، أو يحجم أثرها على الأقل، كما يحجم المساعي الأمريكية بالسيطرة على سوق الطاقة، باعتباره سبيلًا للتحكم في الاقتصاد العالمي.

ما يجعل من اتفاق (قوة سيبيريا-2) علامة فارقة في الاقتصاد العالمي، وموازين القوى السياسية العالمية، حيث يقول عنها المهندس “عبد العزيز مقبل”- مستشار شؤون الطاقة والصناعات النفطية- في تصريحات خاصة لموقع اليوم: “ما من شك أن تلك الاتفاقية سيكون لها أثرها الجيوسياسي الكبير، ولكن يبقى السؤال: هل يمكن أن يتكرر سيناريو الهند مثلا؟ حيث استفادت كثيرًا من إمدادات الطاقة الروسية، في الفترة التي أعقبت الحرب الأوكرانية الروسية، ثم رأينا تدخلات غربية، تحاول أن تفرض حظر على الهند ومؤسساتها، ومصافي التكرير الهندية، فهل سيحدث شيء كهذا؟ أو هل ستحدث عرقلة أخرى للمشروعات بين روسيا والصين؟

الإجابة أننا مازلنا نراقب المشهد، والأكيد أن هناك تكتل شرقي كبير قد تشكل، ويضم روسيا وإيران وباكستان وكوريا الشمالية والصين، ويقدم هذا الجدار الشرقي نفسه على الخريطة الجيوسياسية الدولية بشكل قوي”.

قوة سيبيريا- 2

هو خط أنابيب الغاز الطبيعي المسال، المنتظر أن يمتد من حقول شرق سيبيريا: حقل بوفانينكوفسكوي للنفط والغاز، حقل غاز خاراسافيسكوي، خط أنابيب غاز كوفيكتا-سايانسك-إركوتسك؛ مارًا بالحدود الروسية المنغولية في مدينة كياختا، عبر خط الامتداد سويوز فوستوك، وعلى الرغم من أن تفاصيل الامتداد المنغولي وتكلفته قد النقاش، سرت أحاديث عن عن أن طول الامتداد سيصل 962.9 كم وقطره 1420 ملم؛ وصولًا إلى الصين، ويحتمل أن ينتهي بشنغهاي، وتبلغ طاقته التمريرية 50 مليار متر مكعب سنوياً، لمدة 30 سنة.

وقد وقعت مذكرة شنغهاي من الجانب الروسي شركة غازبروم بي جي إس سي، مالك الخط ومشغله، ومن المنتظر أن يمتد الخط بطول 2700 كم، وقطر 1420 ملم، حسب مقترح الإنشاء الذي تم تقديمه عام 2019، ومن المنتظر أن يبدأ العمل عام 2030، بتكلفة تتراوح بين 4.5 إلى 13.6 مليار دولار أمريكي.

وقد أعلن “أليكسي ميلر”- رئيس شركة غازبروم- عقب القمة: أن إمدادات الغاز عبر الخط الجديد ستستمر على مدار 30 عاماً، وأن هناك خطة لرفع كميات الغاز التي يضخها خط قوة سيبيريا القائم، لتصل إلى 44 مليار متر مكعب بدلا من 38 مترا سنويا.

خلاف روسي صيني

يرى خبراء في مجال الطاقة، أن التعاقد على إنشاء خط الغار لم يحدث بعد، ما ينفي حدوث انفراجة نهائية، حيث اكتفت غازبروم وسي إن بي سي الصينية للطاقة بالتوقيع على مذكرة المشروع، دون تقديم تفاصيل أكبر.

وحول تلك المذكرة التي لم تصل لوثيقة قانونية ملزمة، حيث تعني التزام الطرفين بمواصلة المفاوضات- حسب الأعراف الدولية، يرى خبراء، أن ثمة خلافات بين روسيا والصين تلوح في الأفق، حول أسعار الغاز وآليات تقاسم الأعباء المالية، يعكسها عدم وجود عقد محدد لشروط المشروع- حسب تصريحات إعلامية “لستانيسلاف ميتراخوفيتش” الأستاذ في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية.

ومن المرجح، أن تسعي شركة غازبروم لربط غرب سيبيريا بشرقها، قبل التعاقد النهائي على المشروع، فتنفذ جزءًا من البنية التحتية للمشروع.

وقد علق “مقبل” في تصريحاته على تلك الرؤية، فقال: “لن نعلم جدوى هذه الاتفاقية حتى يبدأ العمل فيها، ولن نستدل عما إذا كانت اتفاقية صورية أم اتفاقية عملية، ذات أثر قائم على الأرض، إلا حينما نرى حجم العمل بها، حيث مازالت القوتان تحتفظان بالتفاصيل بعيدًا عن المشهد الإعلامي”.

وأضاف: “الحاجة تخلق الوسيلة، وهذا ما نشهده الان في ظل الضغوطات الجيوسياسية والضغوطات الغربية على الصين وروسيا، ومن هنا يكون الظرف وقت الإعلان عن المشروع في 2019 مختلف كليا عن الظرف الحالي، الذي أصبح يطلب أو بالأحرى يخلق تلك التكتلات؛ ولا يبدو الغرب- في الحالة التي هو عليها الآن من ضعف الدبلوماسية وانعدام أدوات الدبلوماسية الدولية- قادرًا على مجارات هذه التكتلات، والبحث وراء مصالحها”.

بين سيبيريا وأوكرانيا

يأتي التوقيع على اتفاقية (قوة سيبيريا-2)، بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعاني روسيا من عقوبات اقتصادية غربية، وإغلاق الأسواق الاقتصادية في وجهها، مع حرب مستمرة تستنزف مواردها باستمرار، لضمان صمود جيشها على جبهة القتال.

أشار “مقبل” في تصريحاته إلى: أن “أثر العقوبات الاقتصادية علي روسيا لن يزول بسهولة، لكنها تبحث وراء البدائل ووراء الخطط البديلة، كي لا تمر بظرف اقتصادي يحد من قدرتها على خلق نمو ، وبالتالي الحفاظ على الأوضاع الاجتماعية والسياسية الداخلية فيها”.

وحسب المعلومات المتداولة، تتراوح التكلفة المبدأية للمشروع من 4.5 إلى 13.6 مليار دولار أمريكي، ويستغرق بناؤه 5 سنوات، ليبدأ العمل به عام 2030، ويستغرق الوصول إلى كامل طاقته، التي تم تصميمه لأجلها، عدة سنوات أخرى، ما ينفي عنه أن يكون معينًا لروسيا في ظل ظروف الحرب، ذلك أن مردوده الملموس لن يحدث في الوقت الحالي، بل على العكس قد يكون عبئًا ماديا عليها، في وقت لا يرى فيه الخبراء نهاية تلوح في الأفق للحرب في أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، لفت مستشار شؤون الطاقة إلى أن: “روسيا تسعى وراء مصالحها، في ظل الإمكانيات المتاحة، ومع كل تلك العقوبات المفروضة عليها، نجدها قادرة على أن تنمي اقتصادها؛ وعلى جانب آخر، لم يؤثر ظرف الحرب على روسيا وأوكرانيا وحدهم، بل أثر على كل أوروبا، ويمكن أن نرى ذلك في النتائج الاقتصادية والقدرة التصنيعية، وحتى أداء الاقتصادات الإنتاجية والاستهلاكية في أوروبا كلها، سواء كانت ألمانيا وفرنسا او خلاف ذلك.

ومن هنا ستتحرك روسيا وفق مصالحها بما تستطيع، وهذا حق لها، فهي دولة مليئة بالموارد الطبيعية وموارد الطاقة، وقادرة على تنمية تلك الموارد لتحفيز اقتصادها”.

موازين القوة العالمية

يقول الواقع، إن الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ومع جنوحها نحو روسيا لتغطية جزء أكبر من احتياجها من الغاز الطبيعي، لتصل حصة الغاز الروسي في السوق الصيني 20% بدلا من 10% فقط، في مطلع العقد القادم، فهي تضع علامة استفهام كبرى على توازن القوى العالمي، والمبادرات الأمريكية المطروحة في الأفق الاقتصادي العالمي.

حيث يؤثر التقارب الإستراتيجي بين موسكو وبكين على موقف واشنطن، الساعية لاستخدام الطاقة في التأثير على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، بما يشكل هيكلا جديدًا لقطاع الطاقة العالمي، يصعب على واشنطن فرض هيمنتها عليه، ويزيد المنافسة بين الموردين، ويعيد توزيع تدفقات الاستثمار، ويزيد اعتماد استراتيجيات الطاقة على التحالفات السياسية.

وقد اتفق “مقبل” مع هذا الطرح، فقال: “اتفاقية قوة سيبيريا-2 لها أبعاد جيوسياسية، أوسع كثيرا من كونها مجرد صفقة لتصدير الغاز، حيث يجمع طرفي الاتفاق المواجهة السياسية بينهم وبين الغرب، وعليه من شأن تلك الاتفاقية، أن تعيد تشكيل القوى العالمية إلى تكتلات متعددة الأقطاب، بدلًا من حالة أحادية القطب الحالية، التي أعقبت الحرب الباردة، التي أصبحت فيها الولايات المتحدة القطب الأوحد.

وعليه نتحول لعالم متعدد الأقطاب، وتكون الاتفاقية وجه من أوجه التعاون التي تشكل تلك الأقطاب المتعددة، إستراتيجيًا وسياسيا وحتى اقتصاديا تشكل تكتلات إقتصادية”.

لكن الولايات المتحدة دائمًا ما تتحرك ضد كل تكتل، يمكن أن يهدد نفوذها أو يضعفه، ومن ثم لن يكون التكتل الصيني الروسي بمنأى عن تحركات عرقلته، وهو ما اختلف معه مستشار شؤون الطاقة، حيث يرى محدودية قدرة واشنطن في التأثير على ذلك التكتل، فيقول: “مازلنا نرى أن الأدوات التي تملكها الولايات المتحدة للتحرك محدودة، بين رفع التعريفة الجمركية وفرض حظر على استخدام الطاقة، وإذا طرحنا السؤال عن: ما هية الأدوات الأخرى التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة؟

فالإجابة ستكون أننا مازلنا نراقب، ومما يبدو فإن أدوات الولايات المتحدة محدودة للغاية، لاسيما وأن الاقتصاد العالمي يعاني من مشكلة مصيرية، حول أين سيكون النمو الاقتصادي القادم؟”.

الحروب التجارية

مع تنامي الحروب التجارية العالمية، تحدثت تقارير إعلامية عن خفض موسكو أسعار الغاز الذي تورده لصين، مقارنة بسعر التوريد لأوروبا، معللة ذلك بأن “قوة سيبيريا-2” يمتد من من مسافة أقرب، حيث يتدفق الغاز من حقول شرق سيبيريا، بينما يتدفق الغاز لأوروبا من الحقول غربها، فتكون نفقات النقل للصين أقل.

وقد عارض “مقبل” تلك الرؤية، فقال: “ما يربط روسيا بأوروبا هو خط أنابيب الغاز نوردستريم، يمتد منذ عشرات السنين، دون أن يحمل تكاليف إضافية، لصنع خطوط أنابيب جديدة، على عكس خطوط الأنابيب الجديدة، التي تعزم روسيا والصين بنائها، لذلك من المؤكد أن التكلفة ستكون أعلى منها إلى أوروبا، إلا في حال تمت معالجة الأضرار، التي لحقت بنوردستريم، وإعادة ترميم للأضرار الخلل الذي لحق به، ولكن الأكيد أن بناء خط أنابيب الجديد الروسي للصين سيكون أعلى تكلفة من استخدام خطوط الأنابيب القائمة”.

إقرأ: الكرملين: روسيا لن تبيع مواردها من الطاقة بأسعار غير مربحة

التحدي الأكبر

كان نقل الغاز يمثل تحديا كبيرًا أمام موسكو، مقارنة بباقي صادرات الطاقة، مثل: النفط والفحم، التي نجحت في تصديرها للسوق الأسيوية بعد العقوبات الغربية، ومن هنا كان خط (قوة سيبيريا- 2) فرصة إستراتيجية أمامها، لتعويض خسارة التصدير إلى أوروبا، حيث تعادل كميات الغاز، المقرر ضخها إلى الصين، ثلث صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا قبل الحرب.

ومع تنامي احتياج الصين للغاز الطبيعي، حيث يشير الخبراء إلى أنه بحلول عام 2030، ستحتاج الصين لاستيراد أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، يصبح خط الغاز الجديد تحولا إستراتيجيًا في خريطة التجارة العالمية للغاز، ويوجب الإسراع في تنفيذه.

واتفق “مقبل” مع تلك الرؤية، فقال: “الأكيد في هذا المشروع أن سيمثل اختبارا لما يمكن أن يكون عليه مستقبل العلاقة بين البلدين، وحال نمت تلك العلاقة بشكل مضبوط، سيعني ذلك حدوث حالة من أفضل حالات التكافؤ، بين منتج ضخم للغاز ومستهلك كبير للطاقة مثل الصين، ويكون السؤال: هل ستنمو في اتجاهها الصحيح؟ أم ستكون هناك تدخلات سياسية أو عسكرية أو حتى تنافسية في سوق العمل لخلق مسار آخر لها؟”

وأضاف مختتمًا حديثه: “لكن الأكيد والواضح أمامنا، أن ثمة علاقة بدأت تأخذ شكلًا مختلفًا بين روسيا والصين، من بعد الخلاف الروسي الأوكراني، وأخذت طابع الدعم العسكري واللوجستي، ونرى الآن تكامل تلك العلاقة، إلى علاقات اقتصادية حيوية، للاستفادة بالطاقة، بما ينمي اقتصاد كلا الطرفين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights