عناق النار.. لماذا يخاطرون بحياتهم تضامنًا مع غزة؟

بينما تتصاعد ألسنة اللهب فوق غزة، وتتصاعد معها صرخات الألم والغضب، قرر كثيرون في أنحاء العالم ألا يقفوا متفرجين. وبينما يرفع طلاب جامعات لافتات الحق في وجه الشرطة، يقف موظفون كبار ضد سياسات شركاتهم حتى لو كلفهم ذلك مستقبلهم.
في ساحات الانتصار يرفع رياضيون علم فلسطين متحدين الرقابة، ومواطنون عاديون يجدون أنفسهم فجأة في مواجهة عنيفة مع سلطات بلادهم بسبب موقف لم يحتملوا كتمانه.
وفي قلب هذه اللوحة، جلس إلياس رودريغيز في هدوء قاتل، بعد إطلاقه النار على موظفين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن. حيث يضع ساقًا على ساق، منتظرًا وصول الشرطة بلا مقاومة.
هؤلاء جميعًا، من الطلبة إلى الرياضيين إلى القتلة، يعانقون النار – نار الموقف ونار المصير؛ فما الذي يدفعهم؟ وما الرسالة التي يحملونها؟
لفهم هذه الظاهرة، نستند إلى تحليل الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي.
الدوافع النفسية خلف التعبير العلني الجريء
وأوضح الدكتور فرويز أن هناك عدة دوافع تدفع الأفراد لاتخاذ مواقف جريئة رغم المخاطر:
- الاندفاع المرتبط بالسن: خاصة لدى الفئة العمرية ما بين 18 و22 عامًا، حيث تميل هذه الفئة إلى اتخاذ قرارات سريعة دون حساب كامل للعواقب. ويقول: “هناك بعض الشباب في هذه المرحلة العمرية يتميزون باندفاعية عالية نتيجة طبيعة السن.”
- السمات الشخصية: أشار إلى أن بعض الأفراد قد يمتلكون سمات شخصية تميل إلى إثارة الانتباه أو اتخاذ مواقف متطرفة، إلا أن هؤلاء يمثلون قلة ضئيلة جدًا، لا تتجاوز 2%، وفق تقديره.
- الاقتناع العميق بالقضية: كثير من هؤلاء الأشخاص يكونون على قناعة تامة بموقفهم، نتيجة ما يشاهدونه من أحداث عبر وسائل الإعلام، لا سيما مشاهد العنف والدمار. ويوضح: “كل فرد يمتلك دوافعه الداخلية التي تحركه، والتي قد تختلف عن الصورة الظاهرة.”
الذنب الجمعي والشعور بالعجز
وأشار إلى أن الشعور بالذنب، خاصة بعض الأفراد في المجتمعات الغربية ممن كانوا داعمين لإسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر. يدفعهم إلى اتخاذ مواقف تعويضية تعبر عن رفضهم للوضع الحالي.
وأضاف أن هؤلاء حين تتضح لهم الحقيقة، يشعرون بضرورة التعويض واتخاذ موقف واضح لدعم الحق الفلسطيني.
وأشار إلى أن الشعور بالعجز والقهر أمام الأحداث الجارية قد يؤدي إلى قرارات غير متوقعة. وأوضح: “الشعور بالعجز والقهر قد يدفع الإنسان إلى اتخاذ قرارات غير محسوبة وغير متوقعة.”
تفسير الابتسامة والهدوء أثناء المواجهة
أشار فرويز إلى أن تعبيرات الهدوء والابتسامة التي تصاحب مواجهة الاعتقال أو الهجوم ليست بالضرورة دليلًا على لا مبالاة، بل قد تعبر عن قناعة راسخة وإصرار.
وأوضح أن بعض الأشخاص يبتسمون أو يبدون هدوءًا أثناء المواجهة كرسالة إلى من أمامهم. تحمل هذه الرسالة مضامين منها: أنا مقتنع بما أفعله، ولست خائفًا، حتى وإن كنت أعلم أنك ستعتقلني أو تحاسبني.
بين الوعي والاندفاع
رغم ما قد يبدو من اندفاع في مثل هذه الأفعال، فإن فرويز يوضح أن معظم هؤلاء الأفراد يدركون تمامًا عواقب قراراتهم، إلا أن إحساسهم الأخلاقي أو العاطفي يجعلهم يشعرون بأن ما يفعلونه هو الصواب.
ويتابع : “هم على وعي بما يفعلونه، ولكن الدافع الأخلاقي والعاطفي هو الذي يحركهم.”
يظهر التحليل النفسي لهذه الحالات أن اتخاذ مواقف علنية رغم المخاطر ينبع من مزيج معقد من العوامل الفردية (الشخصية والاندفاع) والجماعية (الشعور بالذنب والعجز)، إلى جانب تأثير المشاهد الإعلامية وضغط الأحداث.
هؤلاء الأفراد ليسوا بالضرورة متهورين أو فاقدي الوعي، بل غالبًا ما تحركهم قناعات عميقة بأن التعبير عن موقفهم، رغم العواقب، واجب أخلاقي وإنساني، حسب الدكتور فرويز.