مؤتمر الأزهر الدولي السادس يواجه التغريب ويحصن الهوية الإسلامية

افتتح الدكتور رمضان حسان، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، فعاليات المؤتمر الدولي السادس للكلية تحت عنوان: «التغريب في العلوم العربية والإسلامية: المظاهر – الأسباب – سبل المواجهة»، وذلك برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وقد جاء هذا المؤتمر استجابة واعية للتحديات الجسام التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، لا سيّما في ظل محاولات مستمرة لطمس الهوية ومحو الثوابت الدينية والثقافية عبر آليات تغريب ممنهجة ومتسارعة.
شدّد الدكتور حسان على أن التكاتف والتعاون بين المؤسسات والهيئات العلمية أصبح ضرورة وطنية ودينية، في ظل ما تتعرض له ثقافتنا من تغريب فكري يستهدف ثوابت الدين وقيم المجتمع وهويته الأصيلة.
الرد العلمي على التغريب… عنوان المرحلة
أوضح عميد الكلية أن اختيار عنوان المؤتمر لم يأتِ من فراغ، بل جاء ترجمة دقيقة لواقعٍ مؤلم تمر به الأمة، في ظل اعتداءات متكررة على المقدسات والرموز، لا سيّما العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، الذي وصفه بمحاولة تغريبية تستهدف طمس الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني الصامد.
وأضاف أن المؤتمر يسعى ليكون منبرًا علميًّا قويًا للرد على هذه الهجمات، ووسيلة لتجديد الوعي الفكري والديني لدى العلماء والباحثين.
المؤتمر الطلابي الأول: صوت الشباب في معركة الهوية
ضمن فعاليات المؤتمر، نظّمت الكلية مؤتمرًا طلابيًّا موازيًا حمل عنوان «الثقافة الوافدة: رؤية نقدية» بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية، وكلية التربية للبنات بجامعة الأزهر.
وأكد الدكتور حسان على أهمية إشراك الشباب في مثل هذه الفعاليات، معتبرًا أن نهضة الأمة لا تكتمل دون مشاركة واعية وفعالة من شبابها.
وقد شهد المؤتمر الطلابي مشاركة ثلاثين طالبًا قدموا ثمانية أبحاث علمية متميزة، ستقوم أمانة المؤتمر بطباعتها ضمن كتيب خاص، تأكيدًا على أهمية إنتاجهم العلمي ومساهمتهم في مواجهة التحديات الفكرية والثقافية.
محاور شاملة: تغلغل التغريب في كافة مناحي الفكر الإسلامي
تناول المؤتمر سبعة محاور رئيسية استعرضت جوانب متفرقة من واقع العلوم الإسلامية والعربية في ظل موجات التغريب، وذلك من خلال 61 بحثًا علميًا أكاديميًا عالجت قضايا خطيرة تهدد الثقافة الدينية والفكرية.
واستعرض الدكتور حسان أبرز هذه المحاور التي تضمنت:
1. القرآن الكريم والسنة النبوية: تناول هذا المحور محاولات تأويل النصوص بشكل خاطئ، والافتراءات التي تروج على الإنترنت لتشويه صورة القرآن الكريم، ودعاوى زائفة حول تحريضه على العنف والإرهاب، والهجوم على السنة النبوية ودعوى الاكتفاء بالقرآن، فضلًا عن مزاعم مناقضة السنة للواقع المعاصر والعلم الحديث.
2. العقيدة الإسلامية: ركز على مواجهة التحديات المتعلقة بالإيمان الغيبي، ودعوى تعارض الدين مع الفطرة، والتشكيك في رسالات الأنبياء، بالإضافة إلى ترويج الفكر الغربي لتشويه المذاهب الوسطية وإبعاد الشباب عن القيم الإسلامية.
3. الشريعة الإسلامية: ناقش هذا المحور دعاوى صعوبة تطبيق الشريعة، وهاجم الشبهات المثارة حول حدود الإسلام وقوانينه، وسعى للرد على القراءات الحداثية التي تسيء فهم النصوص الشرعية، خاصة في مسائل الأحوال الشخصية.
4. اللغة العربية: كشف هذا المحور محاولات فرض العولمة اللغوية، وخطر إضعاف اللغة العربية في المؤسسات التعليمية والإعلام، كما بحث جهود المؤسسات الكبرى كالأزهر ومجمع اللغة العربية في حماية اللغة من التغريب، مؤكدًا على أصالتها وقدرتها على مواكبة العصر.
5. قضايا المرأة والأسرة: تطرق المحور إلى دعوات “تحرير المرأة” التي تقودها حركات نسوية ومنظمات غربية، وتحاول قراءة النصوص الدينية الخاصة بالمرأة بمنظور مخالف للتراث الإسلامي، مما يؤدي إلى تغريب دور المرأة وتشويه صورتها في المجتمعات الإسلامية.
تحذير من هجمة منظمة وممنهجة: تغريب الثقافة الإسلامية بلغ ذروته
أكّد الدكتور رمضان حسان أن ما تواجهه الأمة اليوم ليس مجرد موجات تغريب عابرة، بل هجوم ثقافي فكري منظم ومتصاعد، تقوده جهات خارجية وداخلية تحاول تشويه الرموز الدينية وتفكيك البنية الثقافية الإسلامية.
وشدد على أن هذا التغريب لا يستهدف جانبًا واحدًا من التراث، بل يمتد ليشمل القرآن الكريم والسنة، اللغة والهوية، الأسرة والمجتمع، وحتى العقيدة والشريعة، وهو ما يتطلب وقفة حازمة من جميع المؤسسات المعنية.
دعوة مفتوحة للمؤسسات الإسلامية والعلمية: حان وقت التصدي الجماعي
دعا عميد الكلية كافة المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية داخل مصر وخارجها إلى التنسيق والتكامل لمواجهة التغريب.
وأشار إلى أن المؤتمر يطمح لأن يكون نقطة انطلاق لحراك علمي وثقافي واسع يتبنى رؤية نقدية وموضوعية تجاه الثقافة الوافدة، ويؤسس لنهضة فكرية قائمة على الأصالة والانفتاح الرشيد.
كما ثمّن جهود الباحثين والمشاركين، مؤكدًا أن هذه البحوث ستكون مرجعًا هامًا في مواجهة التحديات المعاصرة، ودليلاً على أن المؤسسات الإسلامية ما زالت قادرة على مواكبة التطورات، والرد بالحجة والمنطق على كل محاولات التشويه.
مواجهة التغريب ليست خيارًا… بل واجب حضاري وديني
جاء هذا المؤتمر في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتزايد وتيرة التغريب والتشكيك، وتتسع الفجوة بين الشباب وثقافتهم الأصيلة. وفي ظل هذا الواقع، تؤكد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة أن الدفاع عن الهوية الإسلامية لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية تمس حاضر الأمة ومستقبلها.



