سوريا على مفترق طرق.. جرائم مروعة في الساحل واتفاق تاريخي يعيد تشكيل المشهد

مجازر دامية في الساحل السوري وسط توثيق دولي للانتهاكات
شهدت منطقة الساحل السوري خلال الأيام الأخيرة سلسلة من المجازر الدموية التي راح ضحيتها أكثر من 1420 مدنياً، بينهم 113 طفلاً و260 سيدة، وذلك وفقاً لما وثّقه الناشط الحقوقي علاء محمد. وأكد محمد أن عمليات القتل تمت من خلال إعدامات ميدانية نفذها مسلحون خلال العمليات العسكرية التي شنتها الحكومة السورية المؤقتة.
وما زالت الأرقام مرشحة للارتفاع، حيث يُعتقد أن هناك قرى بأكملها لا يزال مصير سكانها مجهولاً بسبب انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول إليها. وقد تم إرسال صور وفيديوهات توثّق هذه الجرائم إلى عدة منظمات حقوقية دولية بهدف وقف المجازر المستمرة.
كما تعاني القرى والبلدات المتضررة من أوضاع إنسانية كارثية، حيث تعرضت عشرات المنازل للنهب والحرق، بالإضافة إلى سرقة المحال التجارية وانعدام الخدمات الأساسية. وأكد محمد أن هذه المناطق بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، خاصة وأن معظم السكان المتبقين هم من النساء والأطفال.
موقف المجتمع الدولي وإدانة الانتهاكات
وفي أعقاب هذه المجازر، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحكومة السورية بسرعة محاكمة المسؤولين عن عمليات الإعدام الميدانية، مع التأكيد على ضرورة شمول المحاسبة لجميع الأطراف، بما في ذلك جماعات “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري”. وأشارت المنظمة إلى أن هذه المجموعات لديها سجل موثق من الانتهاكات الحقوقية.
كما دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق شامل في الانتهاكات، مؤكدة توثيقها لمقتل 111 مدنياً حتى الآن. أما الولايات المتحدة، فقد أدانت عبر بيان للخارجية الأميركية الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين الذين استهدفوا المدنيين، مجددة دعمها للأقليات الدينية والعرقية في سوريا.
الرئيس السوري أحمد الشرع يعلق ويأمر بتحقيق فوري
وأعرب الرئيس السوري أحمد الشرع عن قلقه العميق إزاء المجازر التي استهدفت أبناء الطائفة العلوية، مؤكداً أن هذه الأحداث تهدد جهوده في توحيد البلاد. وأكد أنه لن يسمح بإراقة أي دماء دون محاسبة المسؤولين عنها، حتى وإن كانوا من حلفائه. وأعلن تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة للكشف عن ملابسات الأحداث ومحاسبة المتورطين، مشيراً إلى أن اللجنة ستصدر تقريرها خلال 30 يوماً.
التحركات الأمنية والاعتقالات
أعلنت وزارة الداخلية السورية عن اعتقال أربعة أشخاص متورطين في ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، مؤكدة تحويلهم إلى القضاء العسكري لمحاسبتهم. كما أكد المقدم ضياء العمر، مدير إدارة الأمن في دير الزور، أن العمليات الأمنية مستمرة لملاحقة كافة المتورطين في هذه الجرائم.
إجراءات حكومية لتحقيق العدالة
أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري، للكشف عن الملابسات التي أدت إلى وقوع المجازر، وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات بحق المدنيين. وقد تعهدت اللجنة بتقديم المتورطين للعدالة، مؤكدة أن “لا أحد فوق القانون”.
الإعلان الدستوري الجديد يرسم ملامح سوريا
في خطوة تاريخية، أصدر الرئيس أحمد الشرع إعلانًا دستوريًا جديدًا يرسم ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا، حيث تضمن مجموعة من الإصلاحات الجذرية التي تهدف إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية. وشمل الإعلان ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية لكافة المواطنين، وإعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، إضافة إلى تبني نظام سياسي يضمن التعددية والديمقراطية.
اتفاق سياسي تاريخي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية
في خطوة هامة، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي اتفاقاً يهدف إلى دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن مؤسسات الدولة السورية. وشمل الاتفاق عدة نقاط رئيسية، أبرزها:
- ضمان مشاركة جميع السوريين في العملية السياسية دون تمييز.
- الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية وضمان حقوقه الدستورية.
- دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية.
- تأمين عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم.
- دعم الدولة السورية في مواجهة فلول نظام الأسد وكافة التهديدات الأمنية.
- رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.
ردود الفعل الدولية على الاتفاق
لقي الاتفاق ترحيباً دولياً واسعاً، حيث أيدته كل من المملكة العربية السعودية والأردن باعتباره خطوة مهمة نحو استقرار سوريا. وأكدت الرياض دعمها لجهود القيادة السورية في استكمال مسار بناء الدولة، بينما شددت عمان على أهمية هذه الخطوة في تجاوز المرحلة الانتقالية وضمان وحدة البلاد.
تصعيد خطير..إسرائيل تكثف غاراتها على دمشق وتتوسع عسكريًا في جنوب سوري
شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا عسكريًا خطيرًا من قبل إسرائيل، حيث شنت غارات جوية مكثفة على العاصمة دمشق، استهدفت مواقع عسكرية يُعتقد أنها تابعة لفصائل مدعومة من إيران. كما أفادت تقارير استخباراتية بتوسّع النشاط العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، في محاولة لإضعاف نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة.
وأكدت مصادر عسكرية أن الغارات استهدفت مواقع حساسة، بينها مستودعات أسلحة ومراكز قيادة، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين صفوف القوات الحكومية والمجموعات المسلحة المتحالفة معها. ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس، حيث تحاول سوريا إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية بعد التغيرات السياسية الأخيرة.
تحديات مستقبلية أمام تنفيذ الاتفاق
ورغم أهمية الاتفاق، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه تنفيذه، أبرزها دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري الجديد، وضمان حقوق الأكراد ضمن الدستور السوري، بالإضافة إلى قضايا إدارة الموارد النفطية والمعتقلين. وتعمل اللجان التنفيذية على وضع آليات لتنفيذ الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.
وفي النهاية تمر سوريا بمرحلة حساسة، حيث تسعى القيادة الجديدة إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية وإرساء الاستقرار بعد سنوات من الصراع. وبينما يبقى ملف انتهاكات حقوق الإنسان في الساحل السوري مفتوحاً أمام التحقيقات، يبدو أن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية قد يساهم في إعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري في البلاد، لكنه لا يخلو من التحديات. الأيام القادمة ستكشف مدى قدرة سوريا على تجاوز أزماتها وتحقيق مصالحة وطنية شاملة.