مقالات

محمد كامل العيادي يكتب: ماذا بعد؟

هناك سببان لسلسلة الأحداث في العالم خاصة التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط، السبب الأول اقتصادي، بدعم تام من رجال الأعمال الغربيين وعلى رأسهم ” أيلون ماسك” المتحكم الآن في القرار الأمريكي، والعمل بقوة للسيطرة الكاملة على موارد المنطقة، وذلك لتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في امريكا، والتي من أجلها تم انتخاب “ترمب” صاحب الباع الطويل في قدرتة على جلب الأموال من منطقة الشرق الأوسط، وهذا كان واضحًا في حديثه عن المملكة العربية السعودية وغيرها، ولقد استطاع أن يأخذ تريليون دولار أمريكي كنوع من الإسثمار سعودي في أمريكا، وأما السبب الثاني؛ فهو ديني كما اطلق عليه من قبل الحرب المقدسة، بالإشارة إلى تحرير الأراضي المقدسة من المسلمين، وضمان عدم التمدد الإسلامي تجاه الغرب.

ولو أننا تتبعنا الأحداث التاريخية منذ بدايتها، لوجدنا أن الدول العربية والإسلامية في بلاد الشرق ما بدأت الحرب على أي دولة أوروبية، ولا اضطهدت أي دولة أوروبية، أو غيرها، وهيا بنا أيها القارئ نستطرد سويًا هذه الأحداث: ففي “ملاذ كرد” التركية، والتي تقع على الحدود الأرمينية، قام الرومان باحتلالها بقيادة” رومانوس” في عام 1071م، وعندها طلب ” أرسلان” من “رومانوس” صلح أو هدنة، لعدم التكافؤ العددي، وليستطيع تكوين جيشه الذي لا يستطيع النزال في هذه الحالة لقلة العدد، الذي لا يتجاوز خمسة عشر ألف مقاتل، مقابل مائتي الف من الرومان، ولكن قوبل طلبه بالرفض من قِبل ” رومانوس” ، فنادى “أرسلان” في جنوده من أراد أن يرجع فاليرجع ومن أراد الشهادة فليأتِ معي، فخرجوا معه وحاربوا حتى هزموا الروم في هذه المعركة، بل وقام بأسر” رومانوس”.

ولقد نما الخوف في نفس الإمبراطور الروماني” اليكسيوس” فهرول إلى البابا” اوربان” ليستنجد به ضد التمدد السلجوقي في أوروبا، وبالفعل استطاعوا الاستيلاء على” نيقية” وهي عاصمة الدولة السلجوقية في عام 1097م، ومن ثم تم الاستيلاء بعدها على معظم أراضي الشام ومعها معظم مدن الساحل، وامتد احتلالهم إلى القدس الشريف في عام 1099م، وفي القدس ما فرقوا بين مسلم ويهودي ولا حتى المسيحي نجا منهم، بل تم قتل عدد كبير منهم.

ثم يأتي بعد حوالي 50 عامًا “عماد الدين زنكي” والذي كان يحكم إمارة الموصل في العراق، وكان حاكمًا قويًا، استطاع ضم حماة، وحمص في سوريا إلى إمارته، بل واستطاع أيضًا أن يسترد إمارة “الرها” من الصليبيين عام 1144م، مما جعل البابا يدعو إلى شن حملة جديدة، وذلك لكبح تقدم المسلمين، وبالفعل كون جيشين؛ جيش بقيادة امبراطور ألماني يدعى” كونراد الثالث”، وجيش آخر بقيادة ملك فرنسا” لويس السابع” واتجها إلى الشام، وهاجما دمشق، ولكن ” نور الدين زنكي” الذي خلف أبيه بعد وفاته، استطاع هزيمتهم في دمشق 1148م.

ثم قام الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بالغاء الحكم الفاطمي في مصر، ووحّد إمارات الشام ومصر، وقام بتأسس الدولة الأيوبية، وتصدى للصليبيين، واستطاع هزيمتهم في موقعة حطين عام 1187م، وحرر مدن الشام، وفتح طبرية، وعكا، ونابلس، وغزة، وبيت لحم، والخليل ،وبيت المقدس، مما أثار غضب البابا ” غريغوري الثامن” وبدأ يجهز لحملة ضخمة ، لكنه مات قبل أن يغزو المسلمين، وجاء من بعده ليدعو إلى حملة صليبية عظيمة ضد المسلمين، فاستجابت له المانيا، وحشدت جيش بقيادة ” بارباروس” الذي مات غرقًا في البحر قبل أن يصل، وفرنسا بقيادة ” فيليب الثاني” وبريطانيا بقيادة” ريتشارد” قلب الأسد، واستطاعوا الاستيلاء على عكا عام 1191م، ولكن الحملة فشلت في الاستيلاء على القدس.

وهنا أدرك الصليبيين أهمية الاستيلاء على مصر،حيث أنه لا يمكن الاستيلاء على القدس إلا عن طريقها، وكذلك لتمتعها بموانئ تجارية هائلة، فدعا البابا ” إنوسنت” إلى الحرب المقدسة، وبالفعل تجمعوا في البندقية، ولكن تم تغيير المسار الى القسطنطينية، لاسترداد عرش الامبراطور” اليكسيوس” وتم الاستيلاء على القسطنطينية، ولكن لم يسلموها لـ ” اليكسيوس” لخلاف وقع بينهم، واستولوا هم عليها عام 1204م، وعاثوا فيها الفساد، وقاموا بتعيين حاكم جديد خلاف” اليكسيوس”، وفي عام 1219م، وصل الصليبيون إلى مدينة “دمياط” واستولوا عليها، ثم زحفوا إلى الجنوب عام 1221م، ليتصدى لهم الملك “الكامل الأيوبي” وهزمهم، واخرجوهم من مصر.

وبالطبع لم يتقبل البابا تلك الهزيمة، فدعا إلى حملة أخرى، وبعد وفاة الملك الكامل، تولى ابنه “الملك الصالح نجم الدين الحكم”، والذي انتهت مدة الصلح الذي ابرمها ” فريدريك” مع ابيه، واستطاع ملك نافار تيبالد الشامباني تكوين جيش قوامه 1000 جندي، قاموا بمحاربة الجيش المصري بين عسقلان وغزة عام 1239م، وانتصر الجيش المصري، واستعادوا القدس عام 1244م، بقيادة الملك الصالح، فجن جنون أوروبا، وقام البابا ” غريغوري” بالدعوة إلى الحرب المقدسة، فاستجاب له ملك فرنسا” لويس التاسع” وتحرك إلى دمياط وبالفعل استطاع السيطرة عليها في عام 1249م، وقام الملك الصالح بعمل قاعدة عسكريه له في المنصورة، ولكنه توفي، ليخلفه ابنه ” توران شاه” وعندما علموا بموت الملك الصالح شنوا الحرب، فدارت المعركة في فارسكور عام 1250م، وانتصر المسلمين بقيادة ابن الملك الصالح، وقاموا بأسر ملك فرنسا، والكثير من الجنود، مما اضطر ” لويس التاسع” لدفع الفدية مقابل اطلاق سراح ملك فرنسا، وعمل هدنة مدتها 10 سنوات، والعودة إلى أوروبا.

ولكن ” لويس التاسع” شعر بأن هيبته قد ضاعت، فأراد أن يعيدها تعويضًا لهزيمته النكراء التي تلقاها في مصر، ولكنه ما استطاع آنذاك التوجه إلى مصر، فاتجه إلى تونس عام 1270م، ولكنه مات مريضًا هناك قبل أن يستعيد هيبته التي ضاعت في مصر، واستعاد ” المنصور قلاوون” اللاذقية وطرابلس عام 1279م، وبعد أن تولى ” الأشرف خليل” ابن ” قلاوون” أنهى على الوجود الصليبي عام 1291م، وقام بتحرير المدن الباقية مثل بيروت وطرطوس وصور وصيدا.

ثم دارت معركة مرج دابق في عام 1515م،بين الدولة العثمانية والمماليك، والتي استطاعت فيها الدولة العثمانية السيطرة على بلاد الشام، وفي الوقت التي كانت تحكم فيه الامبراطورية العثمانية، قام “هرتزل” بتكوين الحركة الصهيونية، وفي هذا الوقت كانت الامبراطورية العثمانية متحالفة مع الامبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى 1914م، والذي منيت بالهزيمة ، عندها بدأت بريطانيا وفرنسا في اعادة رسم خرائط المنطقة عام 1917م، وذلك بعد وثيقة ” كامبل” عام 1907م، ومن هنا بدأ اعلان دولة اسرائيل على لسان ” بلفور” وزير خارجية بريطانيا عام 1917م.

وجاءت الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م، و قُتل فيها ما يقارب 85 مليون شخص، وهذا من أجل الهيمنة الاقتصادية، والسيطرة على الشرق الأوسط، وزرع الكيان الصهيوني في المنطقةا عام 1948م، والآن قد تُعاد الكرة مرة أخرة وتنشب حرب عالمية ثالثة محتملة ما بين عام 2025- 2027م، قد تكون سببًا لعودة هيمنة المسلمين على أراضيهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights