مصطفي فرغلي يكتب: في يوم مولده ماتت الأسماء إلا محمداً

ونزدادُ شوقًا إذا ما أتى ذكرُك يا ذا الحبيب الكريم فصلى عليك إله الورى ، ومنهُ عليك عظيمُ السلام.
كل القلوب إلى الحبيب تميل، ومعي بهذا شاهد ودليل، أما الدليل إذا ذكرت محمدًا، صارت دموع العارفين تسيل، هذا نبراس الهدى، هذا لكل العالمين رسول.
هذا ربيعك يا محمد غرد فترى الوجود مغرِّدًا ومردِّدًا ، ما إن أطلَّ على الوجود ضياؤه حتى أنار العالمين إلى الهدى.
ضاءت بك الدنيا وعشت ممجدًا ، وغبت عن الدنيا وما زلت سيِّدًا عليك سلام الله في كل خفقة فقد ماتت الأسماء إلا محمدًا ، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مولده صلى الله عليه وسلم.
لقد كان المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه، وعبر القرآن الكريم عن وجود النبي ﷺ بأنه «رحمة للعالمين» وهذه الرحمة لم تكن محدودة فهي تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان بل تمتد على امتداد التأريخ بأسره {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}.
الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
قال العلماء أن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة سيدنا محمد ﷺ من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي ﷺ ومحبَّة النبي ﷺ أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده». [رواه مسلم]. وأنه ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». [رواه البخاري].
قال ابن رجب: «حبَّة النبي – ﷺ – من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} .
والاحتفال بمولده ﷺ هو الاحتفاء به، والاحتفاء به ﷺ أمر مقطوع بمشروعيته، لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرَّف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته.
أبو جهل ومولد النبي صلي الله عليه وسلم
نقل السيوطي عن إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري من كتابه «عرف التعريف بالمولد الشريف» قوله: «إنه صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في النار كل ليلة اثنين لإعتاقه ثويبة عندما بشرته بولادة النبي عليه الصلاة والسلام. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي عليه السلام، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم. وأنشد الحافظ شمس الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه … وتبَّت يداه فى الجحيم مخلدا
أتى أنه فى يوم الاثنين دائما … يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذى كان عمره … بأحمد مسرورا ومات موحدا؟.
ونحن نحتفل بمولده ﷺ لأننا نحبه، ولما لا نحبه وقد عرفه وأحب كل الكائنات قال ﷺ: «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس» [رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة].