مظاهرات ضخمة في كوالالمبور.. هل تهدد بقاء الحكومة الماليزية؟
تقرير: سمر صفي الدين
شهدت العاصمة الماليزية كوالالمبور السبت مظاهرات حاشدة شارك فيها نحو 20 ألف شخص. في أكبر تحرك جماهيري ضد رئيس الوزراء أنور إبراهيم منذ توليه منصبه في 2022.
ورفع المحتجون شعارات تطالب باستقالته بدعوى “عدم الوفاء بوعود انتخابية”، وانتقدوا تعامله مع قضايا حساسة. أبرزها تعيينات قضائية مثيرة للجدل ومحاولته الحصول على حصانة من دعاوى مدنية مرتبطة باتهامات تحرش جنسي.
وقالت وكالة “بلومبرج” إن هطول الأمطار لم يمنع المحتجين من التوجه إلى ميدان الاستقلال الشهير وسط العاصمة. مشيرة إلى أن الشرطة تعاملت مع المسيرات بسلمية، واكتفت بإجراء تحويلات مرورية لتسهيل حركة المحتجين.
وتعد هذه أول مظاهرة حاشدة من هذا النوع منذ عام 2018. ما يعكس استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد. حيث لم يتمكن أي رئيس وزراء ماليزي من استكمال فترة ولايته البالغة خمس سنوات منذ ذلك العام.
صراع أيديولوجي بحت
يرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والدراسات الأفرَو آسيوية، مصطفى زهران، أن الاحتجاجات الأخيرة لا يمكن قراءتها باعتبارها انعكاسًا مباشرًا لغضب شعبي واسع من أداء الحكومة. بقدر ما تعكس “صراعًا سياسيًا أيديولوجيًا بين تيارات إسلامية مختلفة”.
وقال زهران في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”: “المعركة القائمة في ماليزيا ليست مجرد خلاف سياسي تقليدي، بل هي مواجهة أيديولوجية بين الحزب الإسلامي الماليزي (PAS) من جهة. وتحالف الأمل الذي يقوده أنور إبراهيم من جهة أخرى”.
وأضاف أن “الحزب الإسلامي الماليزي، رغم عدم تبعيته المباشرة لجماعة الإخوان المسلمين، يستند إلى فكر قريب منها ويطرح رؤية محافظة أكثر صرامة. في حين يسعى أنور إبراهيم إلى تقديم نموذج إسلامي أكثر ليبرالية وانفتاحًا، متحالفًا مع قوى ليبرالية مثل حزب العمل الصيني”.
وأوضح زهران أن “أنور إبراهيم نفسه خرج من رحم الحركات الإسلامية المتأثرة بأفكار الإخوان المسلمين، إلا أنه طور رؤية سياسية مختلفة، أقرب إلى المدنية. وهو ما اعتبره خصومه تقاربًا مع التيار العلماني، ليصبح مادة خصبة لهجوم الحزب الإسلامي الماليزي”.

“مهاتير محمد” يقود المعارضة ضد غريمه التقليدي “أنور إبراهيم”
دور مهاتير محمد
وأشار زهران إلى أن شخصية رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد تلعب دورًا محوريًا في إذكاء هذه الاحتجاجات. وقال: “مهاتير محمد هو الذي يقود حاليًا جزءًا من التحركات المناهضة لأنور إبراهيم. في ظل تاريخ طويل من الخلافات بين الرجلين، فضلًا عن ملف النزاع مع سنغافورة على الجزر، والذي لا يزال يلقي بظلاله على الحياة السياسية الماليزية”.
وأضاف أن “تحركات مهاتير تضع المعارضة في موقع أكثر قوة على مستوى الحشد السياسي، لكن ذلك لا يعني أن الشارع الماليزي بكل مكوناته يقف خلف هذه المظاهرات. فالمجتمع الماليزي متعدد الأعراق والديانات، وما حدث السبت هو حراك يغلب عليه الطابع الإسلامي المعارض، أكثر من كونه انتفاضة شعبية عامة”.
استقرار الحكومة رغم الضغوط
ورغم مشاهد الحشد الكبيرة، يرى زهران أن الحكومة الحالية لا تزال متماسكة، موضحًا أن أنور إبراهيم يقود تحالفًا سياسيًا قويًا ويواصل نشاطه الخارجي بشكل مكثف. حيث قام بجولة شملت أكثر من 13 دولة في الفترة الأخيرة، بينها دول خليجية، ما يعكس استمرار حضوره الإقليمي والدولي”.
وأشار إلى أن “النظام السياسي في ماليزيا بطبيعته ديناميكي ويستوعب حالات الإقالة أو الاستقالة. لكن ذلك يحدث عادة عند تغير موازين القوى البرلمانية بشكل واضح، وهو ما لم يتحقق حتى الآن”.
وأضاف أن “ما حدث أقرب إلى رسالة سياسية قوية من المعارضة الإسلامية تهدف إلى الضغط على الحكومة وتحسين موقعها التفاوضي، وليس إلى الإطاحة الفورية بها”.

احتجاجات لا تهدد بقاء الحكومة
واختتم زهران حديثه بالقول إن “المظاهرات الأخيرة، رغم كونها الأولى من نوعها ضد أنور إبراهيم منذ توليه السلطة. لا تمثل بالضرورة ثورة شعبية أو رفضًا شاملًا للحكومة”.
وأضاف: “هي بالأحرى مؤشر على استمرار الصراع الأيديولوجي والسياسي داخل البلاد، في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء تحديات اقتصادية واجتماعية حقيقية، لكنه يظل محتفظًا بدعم سياسي قوي داخل البرلمان”.




