ملتقى الأزهر يستعرض تاريخ تدوين القرآن الكريم عبر العصور

شهد ملتقى الأزهر للخط العربي والزخرفة، اليوم الأربعاء، محاضرة علمية تحت عنوان “تأريخ كتابة القرآن الكريم”، ألقاها الأستاذ أحمد عراقيب، أستاذ الخط العربي، وذلك في إطار فعاليات اليوم الرابع للملتقى، الذي انطلق يوم الأحد 16 فبراير، ويستمر حتى الثلاثاء 25 من الشهر نفسه. واستعرضت المحاضرة المراحل التاريخية الأربع التي مر بها تدوين المصحف الشريف، والتي ساهمت في حفظه من التحريف والنقل الصحيح إلى الأجيال المتعاقبة.
المرحلة الأولى: الكتابة الأولية للقرآن على مواد متاحة
أوضح الأستاذ أحمد عراقيب أن المرحلة الأولى لتدوين القرآن الكريم بدأت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان عدد من الصحابة يكتبون آيات الوحي فور نزولها على النبي بأمر منه، وذلك باستخدام الأدوات المتاحة آنذاك، مثل سعف النخل، وجلود وعظام وأكتاف الحيوانات، والحجارة الملساء.
ولم يكن القرآن مجموعًا في كتاب واحد، بل كانت آياته مكتوبة على هذه المواد المتفرقة، وكان حفظه يعتمد إلى حد كبير على الحفظ الشفهي الذي اشتهر به العرب.
المرحلة الثانية: جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق
ومع استشهاد عدد كبير من الصحابة من حفظة القرآن الكريم خلال حروب الردة، خشي الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ضياع النص القرآني، فاتفق مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ضرورة جمع القرآن في مصحف واحد.
وتم تكليف الصحابي الجليل زيد بن ثابت، الذي كان أحد كتّاب الوحي، بمهمة جمع القرآن من الصحابة الذين حفظوه، ومن المواد التي كُتب عليها في عهد النبي، ليتم تدوينه في مصحف محفوظ عند الخليفة، وظل هذا المصحف لدى الخليفة أبو بكر، ثم انتقل إلى عمر بن الخطاب، وبعد وفاته، حُفظ عند ابنته حفصة رضي الله عنها.
المرحلة الثالثة: توحيد المصحف العثماني
أكد الأستاذ أحمد عراقيب أن المرحلة الثالثة من كتابة المصحف تمت في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث ظهرت اختلافات في القراءات بين المسلمين في مناطق مختلفة، خصوصًا بين أهل الشام والحجاز والعراق، ما أدى إلى نشوب خلافات حادة كادت أن تؤدي إلى فتنة.
لذلك، قرر الخليفة عثمان بن عفان توحيد قراءة المسلمين للمصحف، فأرسل إلى حفصة بنت عمر، طالبًا منها الصحف التي جُمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، ثم شكل لجنة من الصحابة، على رأسها زيد بن ثابت، لنسخ المصحف بنسخة موحدة، سُميت فيما بعد بـ “المصحف العثماني”.
وتم إرسال أربع نسخ من هذا المصحف إلى البصرة، والكوفة، والشام، ومكة، مع الإبقاء على نسخة في المدينة المنورة. كما أمر الخليفة عثمان بحرق أي مصاحف أخرى غير متطابقة مع النص الذي تم توحيده، بهدف القضاء على أي اختلافات في التلاوة.
المرحلة الرابعة: تنقيط وتشكيل المصحف الشريف
أشار الأستاذ أحمد عراقيب إلى أن المصاحف في البداية لم تكن تحتوي على التنقيط أو التشكيل، لأن العرب كانوا فصحاء بطبيعتهم، وكانوا قادرين على قراءة النصوص دون الحاجة إلى علامات إعرابية أو نقاط تمييز الحروف. ولكن مع توسع الفتوحات الإسلامية، ودخول غير العرب في الإسلام، بدأ يظهر اللحن في التلاوة، وهو ما استدعى إيجاد وسائل لضبط القراءة الصحيحة.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تم تكليف النحوي أبو الأسود الدؤلي بوضع علامات إعرابية على الكلمات لتحديد النطق الصحيح.
ثم تطورت هذه المحاولات لاحقًا في العصر الأموي، حيث أمر الحجاج بن يوسف الثقفي كُتاب المصاحف بتمييز الحروف المتشابهة، مثل الباء والتاء والثاء، وإضافة النقاط إليها لضمان دقة القراءة.
ملتقى الأزهر للخط العربي: منصة للحفاظ على التراث الإسلامي
يعد ملتقى الأزهر الشريف للخط العربي والزخرفة حدثًا فنيًا وتعليميًا يهدف إلى إحياء التراث الفني الإسلامي، ونقله إلى الأجيال الجديدة بأساليب تعليمية حديثة. ويشارك في الملتقى نخبة من الخطاطين والفنانين من مصر والدول العربية والأجنبية، ويشمل معارض فنية وورش عمل ومحاضرات حول فنون الخط العربي والزخرفة الإسلامية.