يد مرفوعة تحمي إسرائيل.. إلى متى يعطل الفيتو الأمريكي وقف الحرب في غزة؟
تقرير: سمر صفي الدين
مرة أخرى، رفع أمريكي لليد داخل مجلس الأمن الدولي يغير مسار قرار مصيري. في مشهد بات مألوفًا، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للمرة السادسة منذ اندلاع الحرب على غزة، لإسقاط مشروع قرار يطالب بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار.
وعلى الرغم من تأييد 14 دولة من أصل 15 عضوًا في المجلس، فإن إرادة المجتمع الدولي اصطدمت بجدار الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل.
جلسة مجلس الأمن التي تحولت إلى ساحة للخطابات الحادة كشفت التصدعات العميقة بين القوى الكبرى، وأبرزت مرة أخرى عجز المنظومة الأممية أمام نفوذ القوة العظمى.
نص مشروع القرار
المشروع، الذي تقدمت به الدول العشر غير الدائمة العضوية، نص على وقف إطلاق النار بشكل فوري يحترمه جميع الأطراف، والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس والجماعات الأخرى دون شروط. وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى السكان المحتاجين، خصوصًا عبر الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.
كما طالب إسرائيل برفع جميع القيود المفروضة على دخول المعونات، ووقف عمليات الحصار والتجويع بحق المدنيين في القطاع.
ورغم وضوح الطابع الإنساني للقرار، إلا أن الفيتو الأمريكي أسقطه، لتبقى غزة أسيرة المعادلات العسكرية والسياسية، فيما يزداد نزيف الدم يومًا بعد يوم.

حرب أمريكية–إسرائيلية بامتياز
في ظل قراءة اللواء محمد عبد الواحد، مستشار الأمن القومي والعلاقات الدولية، التي ترى في الأمر حربًا أمريكية–إسرائيلية هدفها التهجير والإبادة. يبدو أن الفيتو لم يكن فقط قرارًا سياسياً، بل امتدادًا مباشرًا لصوت الطائرات والدبابات في سماء غزة.
ويقول في تصريحات خاصة لـ”اليوم”: “لقد أخطأنا منذ البداية عندما وصفناها حربًا إسرائيلية على غزة، بينما هي حرب أمريكية–إسرائيلية بامتياز. البعد الأمريكي فيها ربما يفوق الإسرائيلي نفسه: فـ80% من الأسلحة المستخدمة، بما فيها المحرمة دوليًا، هي أسلحة أمريكية”.
اللواء يشير إلى أن الفيتو الأخير يعكس تصميم واشنطن على تمرير مشروع استراتيجي خطير، قائلاً: “الرئيس الأمريكي لا يخجل أمام الإعلام من طرح فكرة طرد سكان غزة وتحويلها إلى منطقة استثمارية أو ريفيرا شرق أوسطية. إنه يسعى لتمرير الفكرة عبر مراحل: من فكرة صادمة، إلى نقاش، إلى منطق مقبول، ثم واقع يرسخ بالقانون الدولي”.
ويضيف أن ما يحدث على الأرض يرقى إلى “إبادة جماعية”، استنادًا إلى تقارير أممية وثقت أربعة من أصل خمسة شروط في اتفاقية منع الإبادة لعام 1948، أهمها القتل الجماعي باستخدام قنابل محرمة وقذائف تدمر أحياء كاملة.
كما يتحدث عن استخدام “عربات مفخخة شديدة الانفجار” بقدرات تدميرية غير طبيعية. وصلت حد التشكيك في احتوائها على يورانيوم منضب، فضلًا عن استخدام الفوسفور الأبيض والقتل خارج نطاق القانون.
ويؤكد أن “كل ذلك يثبت أن الإبادة والتطهير العرقي سياسة ممنهجة أمريكية–إسرائيلية قبل أن تكون إسرائيلية–أمريكية”.
ويرى الخبير الأمني أن الفيتو الأمريكي ما هو إلا غطاء لاستمرار هذه السياسات، قائلاً: “الولايات المتحدة لا تريد وقف الحرب، بل تريد استكمال التهجير. وما نشهده من قصف متصاعد على مناطق مثل التل الهوى والشيخ رضوان والشمال الغربي لغزة يهدف إلى دفع مئات الآلاف نحو النزوح. بعدما جرى تهجير نصف مليون بالفعل”.

يد رفعت لتواصل إسرائيل قصفها
قبل التصويت، أوضحت مورغان أورتاغوس من البعثة الأمريكية أن واشنطن ترى في مشروع القرار تجاهلاً لـ”مسؤولية حماس” و”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وأضافت أن الرهائن في النص “مجرد فكرة ثانوية”، مؤكدة: “لن يقبله الرئيس ترامب أبداً”. واعتبرت أن الحرب ستنتهي إذا أفرجت حماس عن الرهائن وألقت سلاحها.
أما السفير الإسرائيلي داني دانون، فقد اتهم النص بأنه “يردد دعاية حماس”. وأنه يفشل في وصف الحركة بـ”المنظمة الإرهابية”، ويتجاهل “مذبحة 7 أكتوبر”.
وأضاف: “لن نهدأ حتى يعود كل رهينة إلى وطنه وحتى تهزم حماس”.
المواقف العربية والفلسطينية
مندوب الجزائر، عمار بن جامع، تحدث بلغة مؤثرة قائلاً: “سامحونا لأن هذا المجلس لم يستطع إنقاذ أطفالكم. حيث قتلت إسرائيل أكثر من 18 ألفًا منهم. سامحونا لأن هذا المجلس لم يستطع حماية نسائكم وشيوخكم”.
وأضاف: “لقد فشل هذا المجلس مرتين بالفعل في منع الإبادة الجماعية. ويبدو أننا على وشك أن نشهد فشلًا ثالثًا”.
المندوب الفلسطيني رياض منصور أبدى أسفه لعدم اعتماد القرار. مؤكدًا أن الفيتو الأميركي يكلف المجلس مصداقيته وسلطته ثمنًا باهظًا.
ودعا الدول الأعضاء إلى تحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات رادعة. بما في ذلك نشر قوة حماية دولية ومحاسبة إسرائيل على جرائمها.
الغضب الدولي من الفيتو
الصين عبرت عن “خيبة أمل عميقة”، وتساءل مندوبها فو تسونغ: “كم من الأرواح يجب أن تزهق قبل أن يتحقق وقف إطلاق النار؟”.
أما روسيا، فاعتبرت عبر ممثلها فاسيلي نيبينزيا أن استخدام واشنطن الفيتو للمرة السابعة منذ بداية الحرب يعكس “غياب الإرادة السياسية” ويشل المجلس بسبب “عضو واحد”.
بريطانيا من جهتها صوتت لصالح المشروع، وأكدت سفيرتها باربرا وودورد أن “الحاجة إلى وقف إطلاق النار باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”، داعية إسرائيل لرفع القيود على المساعدات.
فرنسا بدورها وصفت الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة بأنه “حملة مدمرة لم يعد لها أي منطق عسكري”، محذرة من أن “تجويع السكان جريمة”.
دلالات الفيتو الأمريكي
استخدام الولايات المتحدة للفيتو يعكس بوضوح أنها ليست مجرد وسيط أو داعم لإسرائيل. بل طرف أساسي في الحرب. فالفيتو لا يوقف فقط قرارًا إنسانيًا. بل يمنح إسرائيل ضوءًا أخضر للاستمرار في عمليتها العسكرية دون خشية من مساءلة أممية.
غير أن هذا الدعم يضعف صورة الولايات المتحدة دوليًا. فمع كل فيتو جديد، يتعزز شعور الدول الأعضاء بأن مجلس الأمن رهينة لإرادة واشنطن، وأن شرعية المنظومة الأممية على المحك.
وهو ما عبر عنه المندوب الفلسطيني حين قال: “هذا يثبت أنه عندما يتعلق الأمر بجرائم الفظائع. يجب ألا يسمح باستخدام الفيتو”.



