عام على “مذبحة القلم”.. انتهاكات إسرائيل للصحفيين في غزة
“لا أخجل أن أقف أمام الكاميرا وأقول أنا جائع، يسألني كثير من الأطفال عن شيءٍ ليأكلوه، وهم لا يعلمون أنني مثلهم لا أنام في الليل من الجوع” بهذه الكلمات تحدث مراسل الجزيرة الصحفي الشهيد إسماعيل الغول واصفًا معاناة أهل غزة في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع.
تمر اليوم الذكرى السنوية الأولى لبدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، حين هاجمت كتائب عز الدين القسّام الذراع العسكري لحركة “حماس”، المستوطنات الإسرائيلية والتي تُعرف باسم “غلاف غزة”، فكان الصحفيون من أهم الأعمدة التي تعكزّت عليها غزة حين كادت تنهار، فكانوا صوتها وصورتها، وأفشلوا مخططات الاحتلال بحجبها عن العالم لتتم إبادتهم في صمت، دفعوا ضريبة من أرواحهم في حرب إبادة بلا حصانة.

فرسان الحقيقة
تمتلك غزة ترسانة من الصحفيين يعملون كحلقة وصل بين المجتمع المحلي والعالم الخارجي، من خلال توثيق الحقائق ونقل الصورة فيما لا يدع مجال للتزييف والادعاءات التي يطلقها العدو بعد كل جريمة حرب، كما يساهمون في رفع الوعي الدولي بمعاناة الفلسطينين في غزة.
واستهداف الصحفيين في غزة هو محاولة لإسكات صوت الحقيقة، حيث يواجه هؤلاء الأفراد مخاطر عديدة؛ نتيجة لما ينقلونه من معلومات وأحداث، ومع ذلك يعد استهدافهم دليلًا على تأثيرهم الكبير في الرأي العام.
وفي 17 أكتوبر العام الماضي، استهدف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى المعمداني في وسط قطاع غزة، والذي راح ضحيته 471 شهيدًا.
وقف مراسل الجزيرة ورئيس مكتبها في غزة وائل الدحدوح وسط دماء وأشلاء الشهداء أثناء تغطيته الصحفية المباشرة على قناة الجزيرة، حيث قال:”حين دخلنا المستشفى صدمنا من هول ما رأينا، وجثث الشهداء في كل مكان، والصور صادمة ومرعبة”.
وبينما نفت إسرائيل مسؤوليتها ونسبت المسؤولية إلى حركة الجهاد الإسلامي، وقال الجيش الإسرائيلي إن الانفجار نجم عن عملية إطلاق صاروخ فاشلة من قبل الحركة، إلى أن كاميرا الدحدوح رصدت في جولة داخل المستشفى المقصوف المصابين من المدنيين العزل من السلاح.
وواصل الدحدوح التغطية الصحفية للمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، حتى يوم 25 أكتوبر 2023، حين استهدف سلاح الجوّ الإسرائيلي منزل عائلة الدحدوح في جنوب وادي غزة، وأسفرت هذه المجزرة الإسرائيليّة والتي استهدفت منزلًا يضم عدداً من المدنيين عن استشهاد أكثر من 13 شهيداً من عائلة الدحدوح بمن فيهم زوجته وابنه وابنته.
وقال الدحدوح أثناء تشيع جثامين عائلته:” بينتقموا منا في الأولاد..معلش”، وخرج الدحدوح من جديد يواصل تغطيته، حتى منتصف ديسمبر 2023، حين قام بتغطية القصف الإسرائيلي على مدرسة “فرحانة” في خان يونس جنوبي قطاع غزة، برفقة مصور الجزيرة الشهيد سامر أبو دقة.
واستهدف صاروخ أطلقته طائرة استطلاع إسرائيلية أبو دقة والدحدوح، أدى لإستشهاد الأول بعدما ظل حوالي 6 ساعات ينزف جراء منع الطائرات الإسرائيلية وصول الإسعاف إليه، كما أصيب الدحدوح في ذراعه.
وكشف تحقيق “فوربيدن ستوريز” نقلاً عن أحد المسعفين، أن جثة أبو دقة كانت ممزقة إلى أشلاء، ما يفيد بأنه أصيب بضربتين على الأقلّ، كما عثروا على السترة الصحفية التي يرتديها أبو دقة متكئة على الحائط، دليلاً على أنه كان على قيد الحياة في البداية، وأنه خلع السترة لأنها كانت ثقيلة.

ولم ينتهي الانتقام الإسرائيلي من “جبل غزة” والشاهد على مجازرهم في القطاع، ففي 7 يناير الماضي؛ استهدف قصف إسرائيلي غرب خان يونس جنوبي القطاع، السيارة التي كانا يستقيلانها الصحفي لدى الجزيرة حمزة النجل الأكبر لوائل الدحدوح برفقة زميله الصحفي مصطفى سريا.
وكان قد أكد مراسل الجزيرة هشام زقوت أن حمزة ومجموعة من الصحفيين كانوا في طريقهم إلى منطقة ميراج شمال شرق رفح، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي “منطقة إنسانية”، واتجه الكثير من النازحين الفلسطينيين إلى تلك المنطقة هربا من القصف في مناطق أخرى من غزة. وكان حمزة بصدد إعداد تقارير صحفية عن الأوضاع في المنطقة بعد القصف الإسرائيلي هناك.

السترات الصحفية
“مقبرة الصحفيين” هكذا وصفت منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية قطاع غزة ، حيث تتعمد إسرائيل خنق عمل الصحفيين وقتلهم، وممارسة مختلف الطرق لإعاقتهم في الميدان، فضلا عن التهجير والحصار ومنع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى غزة وقطع الإنترنت ورسائل التهديدات التي تصلهم.
واستشهد في غزة ما لا يقل عن 175 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا، كما أصيب المئات أثناء التغطية الصحفية، فيما اعتقل الاحتلال ما يقرب إلى 100 صحفي وصحفية.
والسترات الصحفية لم تعد تحمي الصحفيين حين يرتدونها أثناء العمل، بل أصبحت تمثل تهديد على حياتهم باستهداف الجيش الإسرائيلي المتعمد لهم، حيث أن عدد كبير من الصحفيين الذين تم استهدافهم استهداف مباشر كانوا يرتدون ستراتهم وتُظهر هويتهم بشكل واضح، مما جعل البعض يخفي سترته في حقيبته ويُظهرها أثناء التصوير فقط.
وصرحت الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين جودي جينسبيرغ أن حرب إسرائيل على قطاع غزة هي “الأكثر فتكا وقتلا للصحفيين”، وأنه كان ينبغي تقديم الحماية لهم بموجب القانون المدني.
الناجي والشاهد
“أنا مقتنع أن أنس الشريف يعرف عددا كبيرا ممن قُتل داخل مدرسة التابعين من مخرّبي حماس بأسمائهم، لكنه يتحرك في مسرحية إعلامية كاذبة بدوافع لا تمت لسكان غزة بصلة”، في تحريض مباشر كتب المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على حسابه الشخصي عبر منصة “إكس” مرفقًا كلماته بصورة لمراسل الجزيرة أنس الشريف وهو يجلس بين أشلاء شهداء مجزرة مدرسة “التابعين”.
وكان الصحفي، أنس الشريف، قد أكّد خلال تغطيته لما اقترفه جيش الاحتلال الإسرائيلي من مجزرة، فجر سبت العاشر من أغسطس الماضي: “إن جثامين الشهداء أحرقت وتناثرت إلى أشلاء متفحمة تتكدس في منطقة المصلى، وتناثر بعضها في فناء المدرسة، بسبب قوة القصف الذي استهدفهم في أثناء أدائهم صلاة الفجر”.

و برز اسم الشريف منذ بداية العدوان، كصحفي مثابر يلاحق القصف الإسرائيلي جوا وبرا وبحرا، وانتشرت له مقاطع مصورة مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي، وبثت بعضها كبريات القنوات الإخبارية، أهمها قناة الجزيرة.
ومن بين هذه المجازر التي انفرد الشريف بتوثيقها ما تعرض له مخيم جباليا للاجئين من غارات جوية إسرائيلية، دمّرت عددا كبيرا من المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وأسفرت عن 500 شهيد وجريح ومفقود.
صحفي بالفطرة
الشعب الغزي يُصمم على الاستمرار في نقل الحق والحقيقة، وكل فرد هو ناشط وصحفي بالفطرة ينقل رسالته للعالم عن طريق كاميرا هاتفه الشخصي مستخدمًا في النشر حسابه الخاص على منصات التواصل الاجتماعي.
ومع غياب الصحفيين الأجانب في القطاع، يعتمد رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الأصوات المحلية لنقل الصورة، كما تستخدم معظم وسائل الإعلام العالمية المحتوى الموجود على صفحاتهم.
ووسط الأوضاع المأساوية في غزة برزت وجوه مؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونالوا شهرة واسعة اثناء تغطيتهم للعدوان الإسرائيلي، كان من أبرزهم:
- صالح الجعفراوي: ناشط وصانع محتوى لديه أكثر من 5 ملايين متابع على “انستجرام”، عمل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تغطية الأحدث من مجازر وجرائم إبادة، ونقل الصورة إلى العالم ليرى بشاعة ما ترتكبه إسرائيل بحق أهالي غزة.
ومنذ ذلك الوقت سعت حسابات إسرائيلية لتشوية صورة صالح والنيل منه؛ ففي السابق طالبت حسابات إسرائيلية بوضعه على قائمة الاغتيال، وحسابات أخرى كانت تنشر أخبارا عن خروجه خارج غزة، وكذلك نالته اتهامات بالجاسوسية لحساب العدو الإسرائيلي.
وفي كل مرة كان يخرج الجعفراوي بتوثيق مصور عبر حسابه الشخصي “على انستجرام” للمجازر والأشلاء أحيانًا، وفيديوهات للمساعدات الإنسانية التي يتم توزيعها على النازحين في الخيام أحيانًا أخرى.
- معتز العزايزة: مصور صحفي وصانع محتوى لديه أكثر من 17 مليون متابع عبر “انستجرام”، وحصل عزايزة على شهرة عالمية أثناء تغطيته للحرب في غزة، لكفاءته في نقل الأحداث باللغة الإنجليزية، وقد غادر مؤخرا قطاع غزة، وهو يسافر حاليا حول العالم لرفع الوعي بشأن مأساة أهل القطاع.
- بيسان عودة: صحفية وصانعة محتوى لديها قرابة الـ5 ملايين متابع على “انستجرام”، وفي الأونة الأخيرة فازت عودة بجائزة Emmy عن القصة الإخبارية الصعبة المتميزة عن الوثائقي “أنا بيسان من غزة وما زلت على قيد الحياة”. و الفيلم يسرد محنة عائلتها أثناء فرارهم من قصف منزلهم في بيت حانون إلى المنطقة التي وصفها الاحتلال بالآمنة وهي مستشفى الشفاء، وتم إنتاجه بالتعاون مع منصة AJ+.
- عبود بطاح: صانع محتوى لديه أكثر من 3 ملاييين متابع عبر “انستجرام، ومنذ بدء الحرب على غزة اشتهر بطاح بخفة ظله، حيث ظهر في أول فيديو له فوق سطح منزله يراقب قصف كتائب القسام اتجاه العدو الإسرائيلي معلقًا:”الوضع آيس كوفي عالآخر”، ليتم تداول هذا الفيديو الطريف بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وواصل بطاح نقل الأحداث من شمال القطاع ومعاناة الناس ونقص الغذاء والدواء بعدما نال شهرة واسعة.

