محمد كامل العيادي يكتب: الحرب والتجارة

هل يقوم ” ترامب” بفرض قوانين الملاحة، والتحكم في البحار، كما فعلت من قبل بريطانيا في 1662–1651؟ وهل تسلك أمريكا، مسلك بريطانيا مع هولندا من قبل؟ ماذا لو رفضت الصين أو أي دولة أخرى أي إجراء تعسفي فيما يخص التجارة العالمية وفرض الضرائب الباهظة على تلك الدول؟ وهل يأتي وقت تفرض فيه أمريكا الجزية كما فعلت البرتغال من قبل، أم ستحذو حذو بريطانيا وهولندا؟
قام الإسبان في عام 1492م، بعد سقوط غرناطة في أيديهم، بفرض الهجرة على اليهود الذين يحملون الجنسية الإسبانية، أو إرغامهم على اتباع العقيدة المسيحية، وقد لاقى نفس المصير الكثير من مسلمي الأندلس من البربر والعرب، بعد أن ظلت إسبانيا تحت سيطرتهم ما يقارب من ثمانمائة عام، وانتشرت محاكم التفتيش في أرجاء البلاد، وتم تدمير حضارة ظلت مزدهرة في عصر حكم “المسلمين”، وبدأت إسبانيا إلى التطلعات الاستعمارية، وهذا كان بداية كفيلة لانحدار إسبانيا، وبالفعل أزيحت عن دورها الريادي، لصالح منافستها في ذلك الحين وهي دولة “هولندا” التي تتميز باقتصادها القوي، نتيجة سيطرتها على تجارة بحر الشمال، في القرن السادس عشر، مما أدى ذلك إلى إفراز شركة عظيمة تسمى “شركة الهند الشرقية الهولندية” عام 1602م، تمتعت بالقوة المالية، وهذا جعلها تتمتع بالسلطة وتتصرف كأنها دولة، مما يتيح لها الحق في عقد المعاهدات، أو اتخاذ قرار شن الحروب، كذلك القيام بعقد المعاهدات.
وظل استعمار هولندا لإسبانيا إلى الأربعينيات من القرن العشرين، وكذلك الهند، والبرازيل، والكاريبي، وتم انتزاع سيريلانكا من البرتغاليين، حتى وصل استعمارها إلى الصين واليابان، وقام اللورد البريطاني “شيفيلد” البريطانيين بتحذير البريطانيين في القرن الثامن عشر، من أن ترتكب بريطانيا نفس الخطأ الذي ارتكبته هولندا.
قام القراصنة وتجار الرقيق الإنجليز بجمع الأموال من السلب، وهم يجوبون البحار، والذي به تم دفع كل الديون البريطانية، كما قال “جون كينز”، وتم استثمار مبلغ من هذا الدخل في شركة “ليفانت”، والتي من وارداتها تم إنشاء شركة “الهند الشرقية”، والتي كانت داعمة للنفوذ الخارجي لبريطانيا، وهذا أسلوب قديم في أوروبا وهو اتحاد الحرب والتجارة، واتسع نفوذ شركة الهند الشرقية عام 1609م، وقامت باحتكار التجارة مع الشرق باسم التاج البريطاني، وبعد تنافس عظيم استطاعت بريطانيا عام 1662م، إخراج البرتغاليين من مضيق هرمز، الذي يُعد مفتاحاً للهند كلها، مما اعتبرته الجائزة الكبرى لها.
وفي 1651- 1662م، استطاعت بريطانيا فرض قوانين الملاحة التي حرمت التجار الأجانب من التعامل مع مستعمراتها، مع منح سفنها البريطانية احتكار تجارة بلادها، وبهذا قامت بريطانية بتدمير التجارة والملاحة الهولندية، وكذلك الاستيلاء على تجارة الرقيق التي تدر أرباحًا عالية جدًا، وفي عام 1757م، كانت معركة بلاسي التي فتحت الطريق أمام شركة الهند الشرقية للاستيلاء على البنغال، وأصبحت الهند كلها تحت السيطرة البريطانية، وأصبحت بريطانيا صاحبة الاقتصاد القوي بفضل معدلات الضرائب، وامتص ذلك ربع دخل الفرد صاحب الدخل المتوسط، وارتفع نمو الضرائب أكبر بخمسة أضعاف النمو الاقتصادي.
وجاء وقت من الأوقات عجزت بريطانيا عن منافسة اليابان فمنعتها من التجارة مع دول الكومنولث، بما فيها الهند، وتبعتها أمريكا وهولندا، مما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.. والآن “ترمب” يسعى في نفس الاتجاه، وذلك بتغليف الضرائب بمسمى الاستثمار، وسعيه لفرض السيطرة على البحار والمحيطات والمضايق حول العالم، وهذا ما لن توافق عليه الصين، ولا روسيا، ولا اليابان، ومعظم الدول الأوروبية، مما قد ينتج عنه اشتعال الحرب العالمية الثالثة.