الحج خطوة بخطوة.. دليلك المفصّل لأداء المناسك كما فعلها النبى

كتب: مصطفى على
مع اقتراب موسم الحج تتجه أنظار المسلمين إلى الديار المقدسة استجابة لنداء الخليل إبراهيم عليه السلام حين أمره الله تعالى بقوله:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ساعين لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، طلبًا لرضا الله وطمعًا في مغفرة الذنوب.
في هذا التحقيق الموسّع، نقدم شرحًا تفصيليًا لمناسك الحج وأحكامه، خطوة بخطوة، كما أداها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مع التوقف عند كل مرحلة ومحطّة روحية وفقهية.
أولاً: الاستعداد للحج الإحرام والنية
الإحرام من الميقات المكاني: الإحرام هو النية للدخول في النسك وهو أول المناسك فعليًا، وله ميقات مكاني يحدده الشرع حسب جهة مجيء الحاج:
أهل المدينة: ميقاتهم ذو الحليفة (أبيار علي).
أهل الشام ومصر والمغرب: ميقاتهم الجحفة.
أهل نجد: ميقاتهم قرن المنازل.
أهل اليمن: ميقاتهم يلملم.
أهل العراق: ميقاتهم ذات عرق.
يلبس الرجل لباس الإحرام (إزار ورداء أبيضين) أما المرأة فتُحرم بملابسها العادية دون تبرج أو تغطية للوجه بالكامل (لا تنتقب ولا تلبس القفازين) ثم ينوي النسك المراد (حج مفرد، قران، أو تمتع) ويقول: “لبيك اللهم حجًا” ويبدأ بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك…”
ثانياً: أنواع النسك الثلاثة… أيها تختار؟
1. الإفراد: أن يحرم الحاج بالحج فقط ويظل محرمًا حتى إتمام المناسك.
2. القران: أن يجمع بين الحج والعمرة في نية واحدة ويؤدي أعمالهما دون تحلل بينهما ويجب عليه الهدي.
3. التمتع: أن يعتمر في أشهر الحج ثم يتحلل من الإحرام ثم يحرم مرة ثانية بالحج يوم التروية ويجب عليه الهدي.
الاختيار بين هذه الأنواع يعتمد على القدرة والظروف ويُعد التمتع الأكثر تيسيرًا للحجاج القادمين من خارج مكة.
ثالثاً: العمرة للمتمتع طواف وسعي وتحلل
إذا كان الحاج متمتعًا يبدأ بعمرته:
طواف العمرة: يطوف سبعة أشواط حول الكعبة بدءًا من الحجر الأسود.
السعي بين الصفا والمروة: سبعة أشواط، بدءًا بالصفا وانتهاءً بالمروة.
الحلق أو التقصير: للرجل يُفضل الحلق، وللمرأة التقصير بقدر أنملة. ثم يتحلل المتمتع وتُرفع عنه محظورات الإحرام حتى يوم التروية.
رابعاً: يوم التروية – الاستعداد للصعود
في اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية)، يُحرم الحاج المتمتع من مكانه بمكة ثم يتوجه الجميع المفرد والقارن والمتمتع – إلى منى:
يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر (قصرًا بدون جمع).
يبيت فيها استعدادًا ليوم عرفة.
سُمّي “يوم التروية” لأن الحجاج قديما كانوا يتزودون بالماء من مكة إلى عرفة.
خامساً: يوم عرفة – الركن الأعظم من الحج
التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم الأعظم الذي قال فيه النبي:
“الحج عرفة” فمن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج.
يتجه الحاج بعد الشروق إلى نَمِرة، ويستمع للخطبة، ثم يصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا.
بعد الصلاة، ينتقل إلى عرفة للوقوف حتى غروب الشمس.
يُكثر من الدعاء والذكر والتضرع، فالدعاء في هذا اليوم لا يُرد.
بعد الغروب، ينفر الحاج إلى مزدلفة بهدوء وسكينة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم يبيت هناك حتى الفجر.
سادساً: يوم النحر ذروة الشعائر
العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر وعيد الأضحى:
بعد صلاة الفجر في مزدلفة، يقف الحاج قليلاً بالمشعر الحرام، ثم يتجه إلى منى.
رمي جمرة العقبة الكبرى: بسبع حصيات.
ذبح الهدي: واجب على القارن والمتمتع، وسنة للمفرد.
الحلق أو التقصير: الحلق أفضل للرجال.
التحلل الأول (الأصغر): يباح له كل شيء إلا النساء.
طواف الإفاضة: يعود إلى مكة لطواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج.
سعي الحج: إن لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم (للقارن والمفرد) أو سعى المتمتع بعد طواف الإفاضة.
بعد هذه الأعمال يتحلل الحاج التحلل الأكبر.
سابعاً: أيام التشريق – الاستمرار في الذكر والرمي
أيام التشريق هي 11 و12 و13 من ذي الحجة، ويُقيم الحاج في منى:
كل يوم بعد الزوال يرمي الجمرات الثلاث (الصغرى الوسطى الكبرى) بسبع حصيات لكل جمرة.
يبيت في منى ليلتين على الأقل.
من تعجل بعد اليوم الثاني من التشريق جاز له المغادرة.
من تأخر حتى اليوم الثالث فله ذلك أيضًا وهو الأفضل.
ثامناً: طواف الوداع ختام الرحلة الإيمانية
عند الانتهاء من أعمال الحج، وأثناء مغادرة مكة يُختتم الحج بـ طواف الوداع وهو واجب على غير أهل مكة.
يُطاف سبعة أشواط حول الكعبة بلا سعي ويُغادر بعدها الحاج مكة، وقد تطهرت نفسه وعاد كما ولدته أمه مغفورًا له بإذن الله.
عبادة العمر وتزكية النفس
الحج ليس مجرد طواف وسعي ورمي بل هو عبادة روحية وجسدية ومالية تُطهر النفس من شوائبها وتُعيد الإنسان إلى الفطرة النقية.
في الحج يتساوى الجميع في لباسهم وشعائرهم فالغني والفقير، الوزير والمزارع يقفون على صعيد واحد يرجون رحمة الله.
ولمن عزم النية لأداء هذه الشعيرة العظيمة فإن الاستعداد الفقهي والروحي المسبق ضرورة ملحة، لتكون الرحلة خالصة لله، قائمة على علم وبصيرة واتباع تام لهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة حديث نبوي شريف.
 
				 
					 
					