سر اختفاء القطط في عيد الأضحى.. بين رائحة الدم والغريزة الفطرية

تقرير:مصطفى على
مع كل موسم عيد أضحى، تتجدد التساؤلات حول ظاهرة لافتة يلاحظها كثيرون: أين تذهب القطط في أيام العيد؟ لماذا تختفي هذه الحيوانات التي اعتاد الناس رؤيتها يوميًا في الشوارع والأزقة، بمجرد أن تبدأ طقوس الذبح وتسيل الدماء في الطرقات؟ هذا التساؤل تحوّل إلى ظاهرة يتداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى اقتراح تفسيرات بعضها منطقي وبعضها الآخر يقترب من الأسطورة.
فبين من يعتقد أن القطط تختفي بسبب تجمعها حول مخلفات الأضاحي، ومن يرى أنها تهرب رعبًا من مشهد الدماء، تباينت الآراء، بينما لجأ بعض المهتمين بالحيوانات إلى أهل التخصص: الأطباء البيطريون، في محاولة لفهم ما يحدث لهذه الكائنات خلال هذه المناسبة الدينية المهمة.
الرأي البيطري: التوتر والخوف وراء الغياب
الأطباء يؤكدون: القطط كائنات حساسة لا تحتمل مشاهد الذبح
وفقًا لما صرّح به عدد من الأطباء البيطريين، فإن اختفاء القطط في عيد الأضحى ليس محض صدفة، بل يرجع إلى طبيعتها النفسية الحساسة القطط، بحسب الأطباء، كائنات رقيقة وسريعة التأثر، خاصة بما يتعلق بمشاهد الدماء أو حتى شم رائحتها، وهي أمور متكررة بكثافة في الشوارع خلال أيام النحر.
ويشير البيطريون إلى أن وجود الدم في الشوارع، وما يصاحبه من فوضى وصخب، يمثل بيئة غير مريحة للقطط، مما يدفعها إلى الهروب والاختباء في أماكن بعيدة وهادئة حتى انتهاء المراسم. وقد تستمر هذه الحالة لعدة أيام، تعود بعدها القطط تدريجيًا إلى أماكنها المعتادة.
رأي آخر: القطط لا تختفي بل تغير مواقعها
بعض البيطريين: القطط تبحث عن الطعام حول مخلفات الأضاحي
في المقابل، يرفض بعض المختصين نظرية الاختفاء الكامل، معتبرين أن القطط لا تهرب بل تعيد تمركزها، فتتجمع حول أماكن تراكم فضلات الأضاحي وبقايا الطعام، حيث تجد فيها مصدرًا غنيًا للغذاء.
ويرى هؤلاء أن القطط كائنات ذكية، تتبع غريزتها في البحث عن الطعام، وهي تميز جيدًا بين الأماكن التي تكثر فيها الفضلات، فتقصدها لاختلاس ما يمكن أكله. وفي هذا السياق، تصبح سلال القمامة ومحيط المسالخ ومناطق الذبح أماكن مفضلة لها، مما يفسر قلة ظهورها في الأماكن السكنية مؤقتًا.
موقف الإسلام من القطط
النبي ﷺ: “الهر من متاع البيت”… تأصيل شرعي لكرامة الحيوان
لم يكن الإسلام غافلًا عن هذه الكائنات الرقيقة، بل أولى القطط اهتمامًا خاصًا، تجلّى في مواقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليمه التي تدعو إلى الرحمة بالحيوان.
ففي حديث رواه الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «يا أنس، إن الهر من متاع البيت، لن يقذر شيئًا، ولن ينجسه» كما ورد في الصحيح أن أبا قتادة أمال الإناء لهرة لتشرب، فقال للناظرة باستغراب: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات».
هذه النصوص تؤكد طهارة القطط ومكانتها في البيت المسلم، وهو ما يعكس رؤية الإسلام الرقيقة تجاه هذا الكائن، ويضعه في مكانة تشريعية تفرض احترامه وعدم إيذائه.
تربية القطط في الإسلام
الإفتاء المصرية: تربية القطط جائزة شرعًا بشرط الرفق والرحمة
وفي سؤال شائع يتكرر كثيرًا حول مشروعية تربية القطط، أكدت دار الإفتاء المصرية أن الإسلام لا يمانع في ذلك، بل يشجع عليه ضمن إطار من الرحمة والاحترام لحقوق الحيوان.
أوضح الدكتور حسن اليداك، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن من يربي القطط أو غيرها من الحيوانات، عليه أن يلتزم بعدة شروط، في مقدمتها توفير الطعام والماء والرعاية الصحية اللازمة. كما أشار إلى ضرورة مراعاة غريزة الحيوان، كحقه في التزاوج، محذرًا من منع ذلك إلا لضرورة طبية.
وشدد على أن عمليات التعقيم يجب أن تكون لأسباب ضرورية ومُقنعة، لا بدافع الراحة الشخصية أو التخلّص من مسؤوليات الرعاية كما نبّه إلى ضرورة تجنّب أي إزعاج للجيران بسبب الحيوانات، معتبرًا أن تربية القطط لا تعني حرمان الآخرين من راحتهم.
هل تمنع تربية القطط دخول الملائكة إلى البيوت؟
الإفتاء ترد: لا مانع شرعي طالما الحُسن في المعاملة قائم
سؤال آخر يُثار كثيرًا: هل وجود القطط يمنع دخول الملائكة إلى البيت؟
الجواب جاء من الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى، الذي أكد أن تربية القطط لا تمنع دخول الملائكة إلى المنازل، مستشهدًا بأحاديث نبوية متعددة تؤكد طهارتها، واستئناس المسلمين بها في عهد النبي ﷺ، دون أن يُذكر أي نهي عن ذلك أو تحذير شرعي واضح.
بل إن الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو قتادة، يضع القاعدة الشرعية الواضحة بأن القطط ليست بنجسة، وأنها مأذون لها بالتجول داخل البيوت، كونها من «الطوافين عليكم أو الطوافات»، وهو تعبير يحمل من الحنان أكثر مما يحمل من التحذير.
القطط بين الحساسية الفطرية والخصوصية الشرعية
رسالة للمجتمع: الرفق بالحيوان من دلائل الإيمان
في ضوء هذه المعطيات، يمكن فهم ظاهرة اختفاء القطط في عيد الأضحى ضمن إطارين متكاملين: الأول، طبيعتها النفسية التي تجعلها تنفر من مشاهد الدماء والضجيج المصاحب للذبح، والثاني، موقف الإسلام الذي يدعو للرحمة والتراحم مع جميع الكائنات.
ما نحتاجه اليوم هو وعي جماعي بأن هذه الكائنات ليست “زينة” أو “كوميديا” موسمية على وسائل التواصل، بل هي مخلوقات لها حقوقها ومشاعرها، سواء ظهرت في الأعياد أو اختفت إن الرفق بالحيوان في كل زمان ومكان، أحد دلائل رقي المجتمعات، وهو ما يؤكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «في كل كبد رطبة أجر».