الرئيسيةعرب-وعالم

نزيف غزة… كيف دمر الاحتلال القطاع الصحي؟

تقرير: مروة محي الدين

تفاقم الوضع الإنساني السيء الذي تعيشه غزة وسكانها، في ظل حرب مستمرة لما يربو على 20 شهرًا، فأضحى السكان محض أرقام متداولة يوميا، وزادت وتيرتها بشكل قلبي في أيام عيد الأضحى، في أبشع مشهد إبادة جماعية في العصر الحديث، يشهده العالم في صمت مطبق، وما ضاعف الكارثة انهيار المنظومة الصحية في غزة بشكل شبه كامل.

وفي سعينا لتحري واقع الكارثة، حصلنا في “اليوم” على تقرير خاص، من الدكتور “أحمد الفرا”- رئيس قسم الأطفال والولادة بمجمع ناصر الطبي في خانيونس، يظهر بالأرقام واقع المشهد الصحي والإنساني في قطاع غزة، تحت وطأة حرب الإبادة الجماعية المستمرة حتى الأن.

الاستنزاف البشري

أظهر التقرير ارتفاع أعداد الشهداء إلى 54,772 شخصًا منذ 7 أكتوبر 2023، بمتوسط 93 شخصًا في اليوم، فيقتل شخص واحد كل  15 دقيقة؛ بينهم  16630 طفلًا بنسبة 31% منهم، حيث يقتل الاحتلال طفلًا كل  40 دقيقة، أي ما يعادل 28 طفلًا في اليوم الواحد؛ و 8880 امرأة بنسبة 16.55%، فيقتل الاحتلال 15 امرأة كل يوم بمعدل امرأة كل 70 دقيقة؛ وكذلك 4050 مسن/ مسنة ما بلغت نسبته بنسبة 7.57%، و 24000 رجل بنسبة 44.7%.

أما أعداد الجرحى فتمثل معضلة جديدة، حيث بلغت 125,834 شخصًا، وجميع يحتاج رعاية سريرية في المستشفيات، وبينما تحتاج 14 ألف حالة منهم لتلقي العلاج بالخارج، لم تتمكن سوى 1600 حالة فقط من مغادرة القطاع، وقد سجلت وزارة الصحة استشهاد 477 حالة وفاة أثناء انتظار السفر للعلاج.

استنزاف الكوادر الطبية

وكانت الكوادر الطبية من أهم أهداف الاحتلال في تلك الحرب، فقتل 1580 كادر صحي، 400 يعملون بوزارة الصحة في غزة، ما زاد الضغط على الكوادر الصحية المتبقية، حيث جعلتهم ظروف الحرب يعملون دون راحة مع الحالات الطارئة والحرجة، بشكل وصل حد استنزافهم، كما أنهم يفقدون الأمان في التنقل بسبب استهداف طيران الاحتلال وطائراته المسيرة، ما يصعب وصولهم للمستشفيات ومراكز تقديم الرعاية الصحية.

وذلك بخلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية غير مسبوقة التي يعملون فيها، وكان أشدها وطأة استقبالهم لذويهم بين ضحايا المجازر الإسرائيلية، وكان آخر تلك المشاهد استقبال الدكتورة “آلاء النجار” 9 من أبنائها شهداء لهجوم الاحتلال على أحد المدارس التي تؤوي النازحين، بينما يعاني نجلها المتبقي، من حروق وجروح بالغة في دماغه وجسده، وينشد إخراجه من القطاع لإكماله العلاج.

استنزاف المؤسسات الطبية: 

منذ بداية عدوانه على غزة، يركز الاحتلال استهدافه على القطاع الصحفي، في تعمد واضح لهدم كل مقومات الحياة فيها، وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من انهيار القطاع الصحي مع دنو احتمالات توقف مستشفى الأمل ومجمع ناصر الطبي، داعية لتوفير الحماية لهما لضمان استمرار عملها.

وقد نبهت وزارة الصحة في غزة: إلى أن الاحتلال يمنع وصول المنظمات الدولية لأماكن تخزين الوقود المخصص للمستشفيات، بما يهدد بتوقفها عن العمل، حيث ما تبقى من الوقود في المستشفيات لا يكفي إلا لمدة لا تزيد عن 3 أيام.

ومن واقع التقرير الذي حصلنا عليه كان عدد المستشفيات في غزة قبل الحرب 38 مستشفى، تمكن الاحتلال من إخراج 22 مستشفى منها عن الخدمة، يعمل منها جزئيًا 16 مستشفى: 6 مستشفيات حكومية، و 10 مستشفيات أهلية.

وعن مراكز الرعاية الأولية: كان عددها قبل الحرب 105 مركزًا، لم يبق فيها الاحتلال سوى 30 مركزًا 11 منها حكومي و 6 تابعين لوكالة الأونروا، بعد أن دمر منها 67 مركزًا كليًا أو جزئيًا.

ونتيجة لتدمير المستشفيات ومراكز الرعاية، وتدمير مقومات الحياة بالقطاع، تضاعفت معاناة المرضى، فبينما تشهد المراكز الصحية العاملة تكدسًا شديدًا، إذ يتردد على المراكز الحكومية وحدها ما لا يقل عن 11 ألف مريض يوميًا، وبالمثل بالنسبة للمراكز الخاصة، يُحرَم مرضى السرطان من تلقي البرتوكولات العلاجية اللازمة له، وذلك في الوقت الذي قال فيه “الفرا” في تصريحات خاصة “لليوم”: “إن أورام الدماغ والجهاز الهضمي زادت في غزة بنسب مهولة بسبب الحرب”.

كما شكل عدم توفر وسائل المواصلات، واستهداف طيران الاحتلال المباشر لسيارات الإسعاف، معاناة جديدة للمرضى والجرحى، حيث تقف صعوبة التنقل حائلا بينهم وبين الوصول للمستشفيات والمراكز الطبية العاملة.

السعة السريرية للمستشفيات

قبل الحرب، كان عدد أسرة المبيت في مستشفيات القطاع 3560 سرير، تقلصت إلى 877 سرير فاعل فقط الآن، بعد أكثر من 20 شهر من الحرب؛ وأصبح عدد أسرة العناية المركزة 170 سرير فقط، بعد أن كان عددها قبل الحرب 312 سرير، منها 162 عناية لحديثي الولادة، وكذلك تقلص عدد غرف العمليات المتاح في القطاع إلى 50 غرفة، من أصل 103 كانت في القطاع الصحي قبل الحرب.

وكان مرضى الفشل الكبرى الأكثر تأثرًا، بتقلص الطاقة الاستيعابية للمرضى، مع استهداف وتدمير المستشفيات، حيث استشهد 41% منهم، بسبب نقص الرعاية الصحية والافتقار للعلاج اللازم، فكان عددهم قبل الحرب 1100 مريض، أضحى 650 مريض فقط، لا يتاح أمامهم سوى 93 جهاز غسيل كلوي، من أصل 178 جهاز كان بالقطاع قبل الحرب.

عجز الأدوية والمستهلكات

 

بينما يواصل جيش الاحتلال استهداف المستشفيات والمراكز الطبية، ومنع إدخال المساعدات الطبية والدوائية للقطاع، يئن القطاع الصحي مع مستويات كارثية من نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، بلغت نسبته 43% في الأدوية، و64% في المستهلكات- حسب التقرير الذي حصلنا عليه.

وقد تصدر عجز أدوية السرطان والدم نسب النقص إذ بلغ  62%، تبعتها أدوية الرعاية الأولية 48%، وبنسبة  100% تصدر عجز مستهلكات جراحة القلب والقسطرة، ثم مستهلكات جراحات العظام 87%، ومستهلكات جراحات العيون بنسبة 84%.

استنزاف الأجهزة الطبية 

حسب التقرير الذي حصلنا عليه، عمد الاحتلال في تدميره للمستشفيات إلى تدمير أجهزة التصوير الطبي، بما أعاق إتمام التدخلات الجراحية الطارئة للجرحى، فلم يبق إلى سبعة أجهزة أشعة مقطعية، من أصل 19 كانت في القطاع الصحي قبل الحرب.

كذلك قضى الاحتلال على جميع أجهزة الرنين المغناطيسي في القطاع، البالغ عددهم 7 جهاز، كذلك دمر جميع أجهزة التصوير المتنقلة في العمليات والعناية المركزة، ودمر أجهزة التعقيم (الاوتوكليف)، وأجهزة التعقيم بالموجات الدقيقة المخصصة لمعالجة النفايات الطبية.

أدوات المساعدة الطبية 

المعامل وبنوك الدم: تعاني من نقص شديد في المعدات والأجهزة الطبية، ما أدى لتوقف تقديم الفحوصات فيها، لاسيما فحص (PKU-TSH)، كما أن ضعف الإقبال على التبرع بالدم، وسط المجاعة وتوقف دخول المساعدات، صنع احتياجا كبيرًا لوحدات الدم في البنوك.

العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل: يفتقر القطاع الصحي لأدوات المساعد على الحركة، فيحرم 4000 شخص يعانون البتر والإعاقة من خدمات التأهيل المناسبة.

نظم المعلومات والرصد: تحت نار الحرب، توقفت أنظمة الترصد الوبائي وتسجيل الوفيات، ما أعاق عمليات المتابعة والتدخل السريع، وعمد الاحتلال إلى تدمير الخوادم المركزية -السيرفرات-  وأجهزة الحاسوب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights