تقارير-و-تحقيقات

تجديد أم تجميد؟ رحلة الخطاب الديني داخل المساجد

تقرير- محمود عرفات

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المجتمع، تبرز الحاجة الملحة إلى تطوير الخطاب الديني داخل المساجد، ليكون أكثر ارتباطًا بقضايا الناس اليومية وتحدياتهم المعاصرة. فهل استطاعت منابر المساجد أن تواكب هذه التغيرات، أم ما زالت تدور في فلك القضايا التقليدية بمعزل عن واقع الناس؟

جهود وزارة الأوقاف في تجديد الخطاب الديني

أطلقت وزارة الأوقاف المصرية سلسلة من المبادرات لتحديث الخطاب الديني، شملت إنشاء أكاديمية الأوقاف الدولية لتدريب الأئمة والواعظات، وتطوير البرامج التدريبية لتشمل مهارات التواصل الإعلامي ومعالجة القضايا السكانية وتنظيم الأسرة. كما تم تعميم “الخطبة الموحدة” لضمان توحيد الرسائل الدينية ومواجهة الفوضى على المنابر.

 آراء المصلين حول الخطاب الديني الحالي

يرى بعض المصلين أن خطب الجمعة في عدد من المساجد ما زالت تركز على الوعظ التقليدي دون معالجة قضايا المجتمع مثل البطالة، العلاقات الأسرية، الإدمان، أو الصحة النفسية، مما يضعف ارتباط الناس بالرسالة الدينية. في المقابل، هناك نماذج مشرقة من أئمة طوّعوا الخطبة لمواكبة التحديات، فتحدثوا عن أهمية الوعي الصحي، وحماية البيئة، والتنمر في المدارس، مستخدمين لغة مبسطة ورسائل عملية.

 آراء الخبراء والمتخصصين

وفي تصريحات سابقة أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر على ضرورة تجديد الخطاب الديني للقضاء على دعاوى التحريض والكراهية، مشيرًا إلى أن الإسلام جاء بالسلام والمحبة، وأن تجديد الخطاب الديني يحتاج إلى علماء يتقون الله في رسالاتهم.

وأكد “كريمة” خلال زيارته للكنيسة المعمدانية الكتابية في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا أن الخطاب الديني يفتقر للهيكلة والتنظيم، مما جعله عرضة للتأثيرات السلبية والتيارات المتطرفة، ويؤكد على ضرورة إعداد أشخاص متخصصين يجمعون بين المعرفة الدينية والقدرة على التواصل مع المجتمع.

 دور الواعظات في تعزيز الخطاب الديني

برز دور المرأة في المجال الدعوي من خلال تأهيل نخبة متميزة من الواعظات، حيث بلغ عددهن 201 واعظة، بينهن 200 متطوعة وواحدة معينة. يعملن على أداء الدروس الدينية بالمساجد، وتوعية الأسر بأضرار التطرف، والمشاركة في الندوات والملتقيات الدينية والفكرية.

 التحديات والفرص

رغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات تواجه تجديد الخطاب الديني، منها مقاومة بعض الأئمة للتغيير، وصعوبة الوصول إلى جميع المساجد خاصة في المناطق النائية. ومع ذلك، فإن الدعم المستمر من وزارة الأوقاف والتدريب المستمر للأئمة والواعظات يفتح آفاقًا واسعة لتطوير الخطاب الديني بما يتناسب مع متطلبات العصر.

خاتمة

يبقى المنبر منبرًا للتنوير إن أُحسن استخدامه، والخطاب الديني القوي ليس الذي يصرخ في الناس، بل الذي يصل لعقولهم ويمس قلوبهم. والمطلوب اليوم هو خطاب يُعيد للدين دوره كقوة توازن وإصلاح في المجتمع، لا كوسيلة ترهيب أو انفصال عن الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights