تقارير-و-تحقيقات

دار الإفتاء تحسم الجدل حول تربية الكلاب

 

تقرير: مصطفى على

تربية الكلاب بين الاتهام والبراءة الشرعية، جدل دائم في الأوساط الدينية والاجتماعية، خاصة مع انتشار المفاهيم المغلوطة وغياب الفهم الدقيق لمقاصد الشريعة. وفي تصريح حاسم، أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الموقف الشرعي المفصل من تربية الكلاب، مبينًا أن الأمر لا يتعلق بالتحريم المطلق كما يعتقد البعض، بل إن الغرض والمقصد هما مفتاح الحكم الشرعي.

الأصل في تربية الكلاب: الجواز المشروط بالغرض المباح

في حديثه التليفزيوني، شدد الشيخ أحمد وسام على أن الشرع الإسلامي لم يحرّم تربية الكلاب على إطلاقها، بل ترك الباب مفتوحًا أمام الاستخدامات المشروعة التي تعود بالنفع على الإنسان والمجتمع، كاستخدام الكلب في الحراسة والأمن الشخصي أو حتى للتسلية البريئة، خاصة في البيئات التي تفرض ظروفها نوعًا من الحماية الذاتية، كالمناطق النائية أو غير الآمنة.

وأكد أن التحريم ليس قاعدة مطلقة، مستنكرًا ما يتداوله البعض من أحاديث أو فتاوى دون وعي بالسياق أو المقصد الشرعي، قائلاً: “الشرع لا يحرم الشيء لمجرد أنه كلب، بل ينظر إلى نية صاحبه وغرضه من اقتنائه، فإن كان الغرض مباحًا، فلا حرج في ذلك، بل قد يكون فيه برّ ونفع للناس.”

أدلة من السنة: لعب الأطفال بالكلاب لا يعارض الشريعة

ولقطع الشك باليقين، استشهد أمين الفتوى بما ورد في مسند الإمام أحمد من أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان له جرو صغير يلعب به، وهو ما يعد دليلاً شرعيًا على جواز تربية الكلاب للأطفال لغرض اللهو البريء، ما دام هذا لا يتجاوز حدود المباح.

هذا الحديث يكشف بوضوح أن وجود الكلاب في حياة بعض الصحابة أو أبنائهم لم يكن موضع نهيٍ أو ذمٍ، بل كان مقبولًا في إطار استخدام مشروع ومحدود، بعيدًا عن الأذية أو العبث أو الرياء، مما يُفنّد آراء التشدد التي تحرم حتى وجود الكلب للترفيه أو الصحبة.

حماية الأرواح والممتلكات: مقصد شرعي معتبر

ولم يغفل الشيخ أحمد وسام أحد أبرز الاستخدامات الشائعة للكلاب، وهو استخدامها في الحراسة الشخصية أو حماية المنازل والمزارع والممتلكات، مؤكدًا أن هذا الغرض من الأغراض التي يُقرها الشرع بل قد يُثاب عليها الإنسان، لما فيها من حفظ النفس والمال، وهما من الضروريات الخمس في مقاصد الشريعة الإسلامية.

وأضاف أن كثيرًا من المناطق السكنية تعاني من مشكلات أمنية أو مخاوف ليلية تدفع الناس لاقتناء الكلاب، وهذا لا يعد مخالفة شرعية طالما لم يكن مصحوبًا بإيذاء الناس أو إرهابهم، أو استخدام الكلب لإفزاع الأطفال أو المارة أو التفاخر غير المبرر.

الخلاف الفقهي حول الطهارة وسعة المذهب المالكي

وفي جانب فقهي دقيق، أشار أمين الفتوى إلى الخلاف بين العلماء حول طهارة الكلب، وهو خلاف معتبر قديم في المذاهب الأربعة، موضحًا أن المذهب المالكي يرى أن الكلب طاهر، سواء في بدنه أو لعابه، وأن ملامسته لا تُوجب تطهير الثياب أو البدن، على خلاف ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من اعتباره نجسًا.

واعتبر الشيخ وسام أن هذا الرأي المالكي يُعد مخرجًا رحيمًا وموسعًا، لا سيما لأولئك الذين يعانون من وسواس الطهارة أو يضطرون للتعامل اليومي مع الكلاب، كما هو الحال مع العاملين في الشرطة أو أصحاب المزارع أو ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستعينون بكلاب التدريب.

نقصان الأجر ربط شرعي بين الغرض والمقصد

فيما يتعلق بالروايات التي تتحدث عن نقصان أجر من يربي الكلب في بيته، أوضح أمين الفتوى أن هذه العقوبة الروحية مرتبطة بسوء نية صاحب الكلب، لا بوجود الكلب في ذاته، مشيرًا إلى أن نقصان الأجر يقع إذا كان اقتناء الكلب لغير غرض مشروع، كالتفاخر أو ترويع الناس أو إيذاء الحيوان نفسه.

وقال الشيخ: “من يحتفظ بالكلب ليُظهر مكانته أو يُخيف جيرانه، أو يربطه ويحرم عليه الطعام والماء، هذا يُؤثم ويُحاسب، ويكون اقتناؤه للكلب حرامًا، لأنه استُخدم في معصية.”

أما من اقتنى كلبًا لغرض شرعي، كالحراسة أو اللعب البريء أو الحاجة الطبية، فـلا ينقص أجره ولا يأثم، بل قد يُثاب على حسن معاملته للكلب إن وفّر له المأوى والطعام والرعاية، تطبيقًا لمبدأ الرفق بالحيوان.

الكلب بين الفقه والرحمة: إعادة ضبط للبوصلة الفقهية

في ختام التصريح، دعا الشيخ أحمد وسام إلى التمييز بين النصوص وبين التطبيقات الواقعية، مؤكدًا أن الإسلام دين رحمة وواقعية، لا يضع الحواجز دون المباحات، ولا يصنع تعقيدات في حياة الناس دون داع.

وأوضح أن كثيرًا من المفاهيم المغلوطة المنتشرة في أذهان البعض حول نجاسة الكلاب أو تحريمها المطلق أو فساد الصلاة بمجرد رؤيتها هي أمور تحتاج إلى تصحيح علمي وفقهي دقيق، داعيًا المسلمين إلى العودة للمصادر الموثوقة، وعدم تتبع فتاوى التشدد أو الإفتاء دون علم.

رسالة إلى المجتمع: لا تجادلوا في المباح ورفقًا بالحيوان

تُعد تصريحات دار الإفتاء المصرية بمثابة ضبط للبوصلة الفقهية والاجتماعية، ورفض لكل محاولات التشدد أو الاستسهال في إطلاق الأحكام، وخاصة تلك المتعلقة بسلوكيات يومية يختلط فيها العرف بالدين كما أنها تحمل رسالة واضحة: تربية الكلاب ليست محرمة بإطلاق، بل تتبع مقاصد الشريعة وتخضع لنوايا أصحابها.

إن رفق الإنسان بالحيوان مبدأ إسلامي أصيل، والكلب ـ رغم ما يُقال فيه ـ يظل كائنًا خلقه الله لحكمة، وجعل له منافع لا تُنكر، سواء في الأمن أو الرعاية أو حتى الصحبة. وعلى المسلم أن يحكّم الشرع والرحمة معًا، دون غلو أو تفريط.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights