مسجد قباء.. أول بيت بُني لله في الإسلام وأجرُ الصلاة فيه كعمرة

تقرير:مصطفى على
عندما دخل النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة مهاجرًا من مكة، كانت أولى خطواته في التأسيس للمجتمع الإسلامي أن وضع حجر الأساس لأول مسجد في الإسلام، وهو مسجد قباء.
لم يكن هذا المسجد مجرد مكان للصلاة، بل كان رمزًا لبداية مرحلة جديدة في تاريخ الأمة، مرحلة التمكين بعد الابتلاء، والاجتماع بعد التفرّق، وبناء العقيدة على أرض جديدة مباركة.

فقد خطَّ النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء بيده الكريمة، وشارك بنفسه في وضع أحجاره الأولى، ثم شاركه الصحابة رضوان الله عليهم في إكمال بنائه فكان مسجد قباء أول مؤسسة دينية أقيمت في الدولة الإسلامية الناشئة، وأول رمز ملموس يؤسس لمكانة المسجد في الإسلام باعتباره مركزًا للحياة الروحية والاجتماعية والسياسية.
وقد وصفه الله تعالى في كتابه الكريم وصفًا عظيمًا، بقوله:
“لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”
[التوبة: 108]
زيارة مباركة وأجر عظيم
لم يكن تأسيس المسجد نهاية ارتباط النبي صلى الله عليه وسلم به، بل كان عليه الصلاة والسلام يواظب على زيارته والصلاة فيه. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا، وكان عبد الله يفعله”
[رواه البخاري].

إنها سنة نبوية عظيمة، جسّد فيها النبي صلى الله عليه وسلم محبته لهذا المسجد، وربط الأمة به من خلال التكرار والمواظبة.
بل إن فضل الصلاة في مسجد قباء ليس عاديًا، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من يزوره متطهرًا بصلاة تعدل أجر العمرة، فقال:
“من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة”
[رواه أحمد والحاكم، وصححه].
وفي رواية أخرى:
“من خرج حتى يأتي هذا المسجد – يعني مسجد قباء – فصلى فيه، كان كعدل عمرة”
وهذا الفضل العظيم جعله وجهة محببة لكل من يزور المدينة المنورة، يتسابق إليها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، طلبًا لهذا الأجر واتباعًا للسنة.

منبر التاريخ: قباء في عهد الخلفاء
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يغب مسجد قباء عن اهتمام الخلفاء الراشدين والمسلمين على مر العصور فقد جدده الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم جاء الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز فاهتم به اهتمامًا بالغًا، فوسّعه وزيّنه، وبنى له رحبة (فناءً خارجيًا)، وأضاف إليه أروقة (ممرات مسقوفة)، وكانت تلك أول مرة يُضاف فيها مئذنة إلى المسجد، لتكون منارة للنداء إلى الصلاة، ومعلَمًا حضاريًا يرمز لعظمة المسجد وعلو رسالته.
لم يكن تجديد المسجد تجميلاً ماديًا فحسب، بل هو تجديدٌ للصلة بالمكان، وتعبيرٌ عن تعظيم شعائر الله، وتأكيد على استمرار ارتباط الأمة بالمكان الذي بدأ منه أول لبنة في بناء المجتمع الإسلامي.
مكانة روحية عميقة في قلوب المسلمين
لم يقتصر دور مسجد قباء على الجانب التاريخي أو المعماري، بل بقي يحمل دلالات روحية عظيمة. فهو المسجد الذي أسس على التقوى، وجعل الله فيه رجالًا يحبون الطهارة، وأحبهم الله بسببها وهذه الإشارة القرآنية تؤكد أن مسجد قباء لا يقتصر على كونه معلمًا تاريخيًا، بل هو رمز للطهارة الظاهرة والباطنة، ومحطة لتجديد العهد مع الله.
وقد أصبح المسجد مقصدًا للمصلين والزائرين وطلبة العلم، ولا تزال الروح النبوية تعبق في أرجائه، حيث تتردد أصداء السيرة، وتنبعث منه معاني الصفاء والبدايات الصادقة.
قباء اليوم: معلم حضاري وروحاني
في عصرنا الحالي، لا يزال مسجد قباء يحتفظ بمكانته الرفيعة بين مساجد العالم الإسلامي، وتشرف عليه الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية بالعناية والصيانة والتوسعة الدائمة. وتم تزويده بالخدمات الحديثة والتجهيزات التقنية التي تليق بمكانته، دون أن تفقده أصالته وروحه التاريخية.
ويعد المسجد اليوم من أبرز معالم المدينة المنورة، ويقصده الحجاج والمعتمرون من كل فجّ، إما مباشرة بعد وصولهم أو ضمن برنامج الزيارة النبوية، ويشعرون عند دخوله وكأنهم يلامسون زمن النبوة، ويستشعرون عظمة البدايات وقوة الرسالة.
قباء.. أول النور وبيت الطهارة
لم يكن مسجد قباء مجرد مبنى، بل هو أول قبلة للقلوب في دولة الإسلام الناشئة، وأول شعاع نور خرج من أرض المدينة وقد جمع بين شرف التأسيس النبوي وفضل الصلاة فيه، وقيمة الطهارة التي تغمره روحًا وجسدًا.
 
				 
					 
					 
					

