هجوم القسام في خانيونس: الميدان يسبق المفاوضات.. أسر واستشهاديون بمواجهة هنيبال
تقرير: سمر صفي الدين
شهدت مدينة خانيونس فجر اليوم تطورًا ميدانيًا لافتًا بعدما نفذت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة “حماس”،عملية هجومية واسعة ضد موقع عسكري إسرائيلي مستحدث جنوب شرق المدينة.
في حدث اعتبرته وسائل الإعلام العبرية “دراماتيكيًا” وفشلًا استخباراتيًا وأمنيًا مدويًا للجيش الإسرائيلي.
وبين ضغط الميدان وتعقيدات التفاوض، تعود القسام إلى الإعلان عن استخدام “الاستشهاديين” ضمن فرق الاقتحام في عمليات خانيونس.
تفاصيل العملية
أعلنت كتائب القسام أن مجموعة من مقاتليها، قوامها فصيل مشاة، اقتحمت الموقع العسكري واشتبكت مع القوات الإسرائيلية من مسافة صفر. المهاجمون استهدفوا دبابات ميركافاه 4 بعدة عبوات “الشواظ” وقذائف “الياسين 105”.
كما قصفوا منازل كان يتحصن بداخلها الجنود بست قذائف مضادة للتحصينات، ثم اقتحموا تلك المنازل وأوقعوا قتلى وجرحى بداخلها باستخدام الأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية.
كما تمكن قناصة القسام من إصابة قائد إحدى الدبابات إصابة قاتلة، بينما جرى قصف الموقع ومحيطه بعدد من قذائف الهاون لمنع وصول التعزيزات.
وخلال عملية إخلاء الجرحى الإسرائيليين، فجر أحد الاستشهاديين نفسه وسط قوة إنقاذ، ما أدى إلى سقوط مزيد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش.
بين ضغط الميدان وتعقيدات التفاوض، تعود كتائب القسام إلى الإعلان عن استخدام “الاستشهاديين” ضمن فرق الاقتحام في عمليات خانيونس.

مفزاكي راعام: نشطاء إسرائيليون غاضبون من تداول فيديو يظهر شجاعة وتحدي مسلح فلسطيني لدبابة إسرائيلية في خانيونس
شهادات من الميدان
مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي كشف أن نحو 18 مقاتلًا من حماس شاركوا في الهجوم. وخرجوا في توقيت متزامن من عدة فتحات أنفاق قريبة من الموقع، قبل أن يخوضوا اشتباكات مباشرة مع الجنود الإسرائيليين داخل الموقع.
موقع “والا” العبري نقل عن مسؤولين في المنطقة الجنوبية أن حماس درست سلوك القوات الإسرائيلية بدقة قبل الهجوم. وأن هذه الجرأة في محاولة أسر جنود ظهرت أيضًا قبل يومين في بيت حانون. حيث نفذت مجموعة أخرى عملية مشابهة لم يعلن عنها رسميًا.

“الاستشهاديون” كسلاح نفسي وميداني
اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري ومستشار الأمن القومي، يقدم قراءة شاملة لدلالات هذا التحول ورسائله المتعددة للجيش الإسرائيلي، وتقاطعاته مع مسار المفاوضات الجارية بوساطة مصرية.
ويرى اللواء عبد الواحد أن الإعلان عن “الاستشهاديين” يضرب في عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومعنويات الجيش: “هذه العمليات مرعبة لإسرائيل؛ أثبتت فاعليتها في التسعينات والانتفاضة الثانية، وتأثيرها النفسي كبير لأنها غير قابلة للتنبؤ والتعامل السريع.
ويوضح، في تصريحات خاصة لـ”اليوم”، أن اللجوء إلى هذا الخيار يحمل أيضًا رسالة يأس من جدية إسرائيل في التفاوض: “الإعلان هو رسالة بأن البديل عن مفاوضاتٍ كاذبة هو تصعيد عملياتيّ يزرع الرعب في صفوف الجيش”.
تنسيق الميدان والسياسة
يعتبر الخبير الأمني أن توقيت الإعلان يعكس تنسيقًا واضحًا بين المستوى العسكري والسياسي للمقاومة: “لا أفق حقيقيًا للمفاوضات في ظل القوة المفرطة لإسرائيل، لذا يأتي التصعيد كأداة ضغط لإجبارها على العودة إلى طاولة التفاوض بجدية”.
وبحسب تقديره، تستخدم ورقة “الاستشهاديين” لإيصال رسالة مزدوجة:
- ردع ميداني.
- إسناد سياسي لمسار هدنة مشروطة بتبدل موقف تل أبيب.
“التخلص الفوري” لوحدة الظل
عن بروتوكول “التخلص الفوري” الذي أعلنت عنه القسام لوحدة الظل، وهي الوحدة التي أنشئت عام 2006 لحماية الأسرى وإخفائهم.
يقول اللواء عبد الواحد: “التهديد بقتل الأسرى يخلق أقصى ضغط على الداخل الإسرائيلي، ويحرج الحكومة التي تزعم تحريرهم.”
كما يرى أن التهديد “المتدرج” وتنفيذه-إن وقع- يمكن أن يوقف الحرب بفعل صدمة الشارع الإسرائيلي، لكنه يحذر من أثمانه: “له آثار سلبية حتمية، بما فيها إدانات دولية. حماس تجنبت سابقًا توظيف هذه الورقة بهذا الشكل حفاظًا على صورة سياسية، لكن انسداد الأفق قد يدفعها للتدرج في التهديد والتنفيذ”.

أولوية أسر الجنود
توقف اللواء عبد الواحد عند دلالات العثور على تجهيزات ميدانية مثل النقالات ضمن عتاد المقاتلين: “وجود تجهيزات إخلاء يشير إلى تخطيط محكم لاحتمالات الاشتباك الطويل ومحاولة الانسحاب المنظم مع أسرى أحياء. أسر الجنود صار هدفًا عملياتيًا مركزيًا لأنه يبدل المعادلة السياسية”.
وبهذا المعنى، تتحول كل مواجهة تكتيكية إلى فرصة استراتيجية لتصنيع ورقة تفاوضية تربك الحكومة الإسرائيلية وتضغط على ائتلافها.
عودة “هنيبال”
إعادة الجيش الإسرائيلي تفعيل بروتوكول “هنيبال”-القصف لمنع وقوع جندي في الأسر- يقرؤها اللواء عبد الواحد كرسالة قاسية: “سياسيًا، تقول الحكومة لخصمها ولجمهورها إنها لا تبالي بأسر جنودها إذا كان الثمن منع ورقة ضغط لدى المقاومة.”
لكن هذه المقاربة، برأيه، تنطوي على مفارقة خطرة: “هي اعتراف ضمني بصعوبة التعامل مع سيناريوهات الأسر ميدانيًا، وقد تزيد الخسائر البشرية وتحدث شرخًا معنويًا داخل الجيش وأُسر الجنود.”
سياسيًا، يضيف أن “عدم اكتراث حكومة نتنياهو بمصير الأسرى يفاقم الغضب الشعبي ويضعف خطاب تحريرهم الذي ترفعه السلطة الإسرائيلية”.
ارتباك في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية
صحيفة “معاريف” العبرية وصفت العملية بأنها “فشل دراماتيكي” للشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية.
وأشارت إلى أن مقاتلي القسام في خانيونس يديرون حرب عصابات متقنة. مع متابعة دقيقة لتحركات الجيش، واستخدام أنفاق لم يكتشفها الجيش رغم إعلان تطهير المنطقة سابقًا.
وأضافت الصحيفة أن هذه العملية يجب أن تقلق قيادة الجيش بشأن خططه لاحتلال مدينة غزة. إذ أظهرت حماس قدرة على تنفيذ هجمات منسقة قد تتضمن محاولات أسر جنود.
تحديات إضافية أمام الجيش الإسرائيلي
إلى جانب الخسائر المباشرة، كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن معاناة الجنود داخل المصفحات العسكرية.
وأدت أعطال متكررة في أنظمة التكييف إلى وصول درجات الحرارة إلى 60 درجة مئوية. ما يضع الجنود أمام خيارات قاتلة بين الانسحاب أو القتال في ظروف مميتة.
كما اعترفت الصحيفة بأن استخدام المركبات المدرعة في هذه الظروف يتعارض مع التعليمات العسكرية. لكن القوات تجبر على القتال بهذا الشكل في غزة.
موقف المقاومة الفلسطينية
في موازاة العملية، شددت حركة الجهاد الإسلامي على أن مصادقة وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس على خطة احتلال مدينة غزة. دليل على أن إسرائيل هي التي تعرقل جهود وقف إطلاق النار.
وحذرت من أن مصير الحملة العسكرية الجديدة لن يختلف عن حملة “عربات جدعون 1” التي تكبد فيها الجيش خسائر فادحة.
