📢 أعلن على موقع اليوم الإخباري الآن – واجهتك المثالية للوصول إلى آلاف الزوار يوميًا 🔥 تواصل عبر واتساب +20 100 244 0441   |   أعلن الآن
تقارير-و-تحقيقات

الأضحية في الإسلام: شعيرة إيمانية تجمع بين العبادة والتكافل

 

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تتجدد الأسئلة في أذهان كثير من المسلمين حول شعيرة الأضحية: لماذا شُرعت؟ وما حكمها؟ وهل يمكن شراؤها بالتقسيط؟ وما المعاني الكامنة وراء هذه الشعيرة التي تتكرر كل عام؟
تحقيقنا التالي يتناول هذه الأسئلة في ضوء ما صدر عن المؤسسات الدينية المعنية في مصر، وعلى رأسها مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ودار الإفتاء المصرية، لنكتشف كيف تمثل الأضحية مزيجًا فريدًا بين العبادة الفردية والمسؤولية الاجتماعية.

الأضحية.. طاعة لله وإحياء لقصة إيمانية خالدة

تؤكد المصادر الشرعية أن الأضحية شُرعت في الإسلام كشكر لله تعالى على نعمه التي لا تُعد، وتقربًا إليه، وإحياء لسنة النبي إبراهيم عليه السلام، الذي امتحنه الله بذبح ابنه، فاستجاب لأمره دون تردد، فجاء الفداء من الله بذبح عظيم.

وفي بيان لمركز الأزهر العالمي للفتوى، تم توضيح أن الأضحية ليست فقط تعبيرًا عن الامتثال، بل هي كذلك وسيلة لإدخال السرور على النفس والأهل والمساكين، وتعزيز للروابط الاجتماعية، بدءًا من صلة الرحم، ووصولًا إلى إكرام الضيف والجار، وانتهاءً بإطعام الفقير والمحتاج.

ويضيف المركز: “في الأضحية إعلان عن نعمة الله على عبده، وحديث صامت عن الامتنان، وبذل طيب يقترن بأعظم أيام الدنيا؛ يوم النحر”.

خلاف فقهي.. سنة أم واجبة؟

من حيث الحكم الشرعي، يذهب جمهور الفقهاء ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الأضحية سنة مؤكدة أي أن مَن أداها نال أجرًا عظيمًا ومن تركها لا إثم عليه لكنها من السُّنن التي حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته بعد الهجرة.

ويستدل هؤلاء بحديث النبي: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يُضحّي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا» وهو ما يدل على أن الأضحية ليست فرضًا بل مرتبطة بالإرادة مما ينفي صفة الوجوب عنها.

في المقابل يرى الإمام أبو حنيفة أن الأضحية واجبة على المقيم الموسر مستدلًا بأحاديث أخرى وبفهم خاص لقصد الشريعة في تعظيم هذه الشعيرة.

أما في حالة النذر فقد أجمع الفقهاء بحسب الأزهر على وجوب الوفاء به سواء عُيّنت الأضحية في النذر أم لم تُعيّن، مما يُدخلها في باب الالتزام الديني الملزم.

تقسيط الأضحية.. حل عملي تُجيزه الشريعة

من التساؤلات المتكررة في العصر الحديث لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية مسألة شراء الأضحية بالتقسيط.
وقد أجابت دار الإفتاء المصرية عن هذا الإشكال بوضوح
حيث أكدت جواز شراء الأضحية بالتقسيط سواء من تاجر مباشر أو عبر نظام الصكوك التي تصدرها مؤسسات خيرية معتمدة.

وأوضحت الإفتاء أن الجواز مشروط بأن يكون ثمن الأضحية معلومًا وكذلك مدة الأقساط وتاريخ السداد بما يضمن الشفافية ويمنع أي غموض أو غرر في التعاقد.

أما الشرط الأبرز فهو تحقق الملكية أي أن تصبح الأضحية في حيازة المشتري قبل ذبحها وهو ما يتحقق عند استلامها من التاجر أو من الجهة المصدّرة للصك.
وبهذا لا يشترط أن يكون آخر قسط قد سُدد قبل تنفيذ الذبح، طالما توفرت شروط البيع الشرعي.

شعيرة دينية تتجاوز الحدود الفردية

في حديثها عن ماهية الأضحية، بيّنت دار الإفتاء أنها تشمل كل ما يُذبح من بهيمة الأنعام سواء الإبل أو البقر أو الغنم في الأيام المشروعة من العيد، تقربًا إلى الله. وهي عمل يتكرر كل عام لكنه محمل بمعانٍ روحية واجتماعية لا تنضب.

وساقت دار الإفتاء ما رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما» في إشارة إلى أن النبي نفسه كان يواظب على هذه السنة، بل كان يباشرها بنفسه، تكريمًا للشعيرة.

كما استشهدت بما رواه الترمذي وغيره عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا»، وهو حديث يلقي الضوء على القيمة العظيمة لهذا العمل في ميزان الإسلام.

الأضحية في النص القرآني: عبادة في قلب الطقوس

ولم تغفل النصوص القرآنية هذه الشعيرة، بل أوردتها في صيغة تعظيم. ففي سورة الكوثر، يقول الله تعالى: ﴿إنا أعطيناك الكوثر ۝ فصلّ لربك وانحر﴾، في دلالة واضحة على أن الصلاة والذبح هما من أوجه الشكر لله على العطاء ويُفسر العلماء لفظ “انحر” هنا على أنه أمر بالأضحية بما يجعلها مقرونة بأسمى عبادات المسلم.

البعد الاجتماعي للأضحية: عدالة توزيع وبركة جماعية

ما يجعل الأضحية متميزة بين العبادات هو أنها لا تقتصر على الشخص المضحي فقط بل تشمل أسرته وجيرانه وأقاربه وتمتد لتصل إلى الفقراء والمساكين وهو ما يضفي عليها بُعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا بارزًا.

في مجتمعات يُعاني فيها البعض من الجوع أو الفقر أو الشعور بالتهميش تأتي الأضحية لتذكّر الجميع بأهمية التراحم، وبأن الإسلام لا يترك فردًا في المجتمع دون أن يشمله في أعياده.

واللافت أن الإسلام وضع قواعد واضحة لتقسيم الأضحية حيث يُستحب أن تُقسم إلى ثلاثة أثلاث: ثلث للمضحي وأهله، وثلث للأقارب والأصدقاء، وثلث للفقراء. وهو تقسيم يحقق العدالة والتكافل دون إفراط أو تفريط.

الأضحية… عبادة جامعة لمعاني العطاء والطاعة

من خلال ما طرحه الأزهر ودار الإفتاء يتضح أن الأضحية ليست مجرد ذبح لحيوان بل هي طقس رمزي يعيد تشكيل علاقة المسلم بالله وبالناس من حوله فهي تعبير عن طاعة عميقة وشكر عملي على النعم وتأكيد على روح الجماعة والمشاركة.

وفي زمن باتت فيه القيم الأخلاقية عرضة للتآكل، تأتي الأضحية لتعيد للناس وعيهم الاجتماعي، وتذكّرهم بأن التضحية ليست فقدًا بل مكسبًا في الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights