رمضان خلف القضبان .. كيف يقضي السجناء شهر الصيام؟

حينما يحل شهر رمضان، تتغير ملامح المدن، تضيء المساجد بالمصلين، وتمتلئ الشوارع بروائح الطعام، وتجمعات العائلات حول موائد الإفطار .. لكن خلف أسوار السجون العالية، حيث تختفي الأضواء وتضيق المساحات، يعيش السجناء رمضان بنكهة مختلفة، لا يسمعون صوت مدفع الإفطار، ولا يشاركون أطفالهم الدعوات الأولى عند المغرب .. هنا تتجلى المعاناة بأشد صورها، حيث يختلط الجوع بالحرمان، ويصبح الصيام اختبارًا آخر للصبر، وسط زنازين ضيقة ووجوه متعبة تنتظر الغد بأمل ثقيل؛
فكيف يقضي السجناء هذا الشهر؟ وكيف يواجهون لياليه التي تمر بطيئة، محملة بالشوق والندم والرجاء؟
تحديات يومية لأجواء الصيام في السجون:
يبدأ يوم الصائم في السجن قبل الفجر، حيث يوقظ الحراس السجناء لتناول وجبة السحور، والتي غالبًا ما تكون محدودة، وتتألف من الخبز والجبن وبعض التمر إن وجد، ومع أذان الفجر، يخلد البعض إلى النوم لتجاوز ساعات الصيام الطويلة، بينما يقضي آخرون وقتهم في قراءة القرآن والصلاة، محاولين ملء الفراغ الروحي الذي يفرضه المكان..
تعتمد ظروف الصيام على إدارة السجن، فبعض المؤسسات تتيح للصائمين فرصة التجمع للصلاة، بينما تُفرض قيود في أماكن أخرى تمنع أي تجمع ديني كبير، مما يجعل رمضان تجربة متباينة بين السجناء..
الإفطار الجماعي .. مائدة واحدة داخل الزنزانة :
رغم اختلاف الجرائم والتهم بين السجناء، فإن الإفطار الرمضاني يوحد جميع السجناء على مائدة واحدة، فتحاول بعض إدارات السجون توفير وجبات تحتوي على الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، بينما يعتمد العديد من السجناء على “الزيارات” وما يجلبه الأهل من طعام..
وعند اقتراب موعد المغرب، تجتمع مجموعة من السجناء حول مائدة بسيطة صنعوها من أدوات متاحة، ويقتسمون الطعام الذي قد يكون من وجبات السجن المحدودة أو مما جلبته لهم عائلاتهم خلال الزيارات، حيث تتنوع الوجبات بين الأرز والخضروات وقطع من اللحم أو الدجاج، وفي بعض الأحيان، يشارك السجناء بعضهم البعض في تحضير أطعمة بسيطة بأدوات بدائية.
يقول “أحمد .ح”، أحد السجناء السابقين لـ«اليوم»:
“الإفطار داخل السجن مختلف تمامًا، لا يوجد صوت الآذان المعتاد، ولا عائلة تنتظرك، فقط مجموعة من الأشخاص الذين جمعهم المكان والظروف، نحاول أن نخلق جوًا رمضانيًا ولو كان بسيطًا.”
ويقول “عمر .م”، سجين سابق قضى خمس سنوات في أحد السجون المصرية: “رمضان كان له طعم مختلف داخل السجن. كنا نشعر بالحرمان أكثر من أي وقت آخر، لكن في الوقت ذاته، كنا نلجأ إلى الصلاة والعبادة بشكل أكبر، وكأننا نحاول تعويض أنفسنا عن فقدان الأهل والأحباب.”
ويؤكد “خالد.س”، الذي قضى سبع سنوات في أحد السجون: “كنا نجمع الطعام الذي يأتينا من الزيارات ونحاول إعداد إفطار مشترك، بعضنا كان يطبخ داخل الزنازين بأدوات بدائية، كان مشهد الإفطار مؤثرًا جدًا، حيث يجلس الجميع حول صواني الطعام، وكأننا أسرة واحدة.”
وفي بعض السجون، يتم تنظيم مسابقات دينية بين السجناء، إلى جانب صلاة التراويح التي تُقام في الساحات الداخلية، ما يضفي أجواء روحانية على المكان رغم القيود.
وأوضح “ياسر .ع”، سجين سابق، أن شهر رمضان كان أصعب الأوقات داخل السجن: “الصيام لم يكن عن الطعام فقط، بل كان عن كل شيء، عن الحرية، عن العائلة، عن الأجواء التي تعطي لرمضان معناه الحقيقي.”
ويبقى، شهر رمضان المبارك في السجن تجربة مختلفة، حيث يختلط الإيمان بالحرمان، والأمل بالحزن، ورغم القيود والظروف القاسية، يظل الشهر الكريم فرصة للسجناء لمراجعة أنفسهم، والتقرب إلى الله، وانتظار لحظة الإفطار الكبرى، حين تنفتح الأبواب، ويعود كل منهم إلى منزله ليعيش رمضان كما كان يحلم به خلف القضبان.