مصر بين القاهرة الفاطمية والعاصمة الإدارية.. تعاقب نظم ومراكز الحكم عبر العصور
تغيير مدينة الحكم بعد 1055 عامًا من دخول الفاطميين
“نجيب” أول رئيس.. “والسيسي” يفتتح عهد الجمهورية الجديدة
تقرير- أحمد سالم:
شهد حكم مصر على مر العصور، شخصيات خاضت التحدي في إدارة شؤون البلاد، ومع اختلاف الحكام والرؤساء قد يتغير مركز الحكم من مدينة إلى أخرى، بحسب السياسة التي ينتهجها النظام أو الأسرة الحاكمة.
فبعدما كانت تدار أمور مصر من مقر الحكم في مدينة القاهرة منذ دخول الفاطميين للبلاد عام 969 ميلاديًا، انتقل مركز الحكم إلى العاصمة الإدارية الجديدة في 2024، بعد أن أدى الرئيس السيسي، اليمين الدستورية، الثلاثاء 2 إبريل، أمام مجلس النواب لفترة رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات.
هذه الخطوة كانت حدثًا بارزًا في الشأن المصري، لاسيما وأن الحكم لم يتغير مكانه منذ عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وكذلك لم يغادر مدينة القاهرة إلا بعد 1055 عامًا، وخلال هذه الفترة نسرد لكم مراكز وأنظمة حكم مصر عبر العصور، وذلك في التقرير التالي:
مراكز الحكم عبر العصور
مراكز الحكم في مصر تعددت عبر العصور من مركز إلى آخر، منذ بداية تولي الخليفة عمرو بن العاص في دولة الخلافة، حتى عهد الجمهورية الجديدة في القرن 21، وفيما يلي مقار الحكم في مصر:
بداية الحكم في مصر كانت بالدار الكبرى في الفسطاط، وكانت تقع شرق جامع عمرو بن العاص، وسُميت بداره في عصر الخلافة الراشدة.
في العصر الأموي انتقل مقر الحكم إلى دار الإمارة بالفسطاط، وكانت تقع غرب جامع عمرو بن العاص، وأطلق عليها آنذاك دار الذهب أو دار عبد العزيز بن مروان.

أما دار الإمارة بالعسكر، فكانت مركزًا لحكم مصر في العصر العباسي، وعمل صالح بن علي، على تأسيس هذه الدار لتكون مقارًا تدار منه أمور الدولة العباسية، إضافة إلى تأسيسه مدينة العسكر التي كانت مجاورة لمسجد العسكر.
العصر الطولوني كان من أبرز العصور على مستوى أنظمة الحكم في مصر، ووقتها كان لابد لأحمد بن طولون، إنشاء القصر الطولوني أو قصر الميدان، وجعله مركزًا لحكم مصر، مع تشييده لمدينة القطائع.
جاءت هذه الخطوة، لمّا رأى أحمد بن طولون، أن مدينة العسكر ودار الإمارة، قد ضاقت عليه ويتطلب ذلك إنشاء مقرًا آخر للحكم، ومن ثم جاءت فكرة القصر الطولوني، ومقره اليوم هو ميدان قلعة صلاح الدين.
مركز الحكم انتقل مرة أخرى في العصر الطولوني إلى دار الإمارة بالقطائع، حيث شيدها أحمد بن طولون، واستخدمت هذه الدار في بداية العصر الفاطمي أيام المعز لدين الله.
أما في العصر العباسي والإخشيدي، فكانت الدار العظمى مقرًا لحكم مصر، أسسها سليمان الكاتب بعد إسقاطه للدولة الطولونية، واستمرت دارًا للإمارة حتى دخل الفاطميون مصر.
في العصر الفاطمي كان مقر الحكم في القصر الشرقي أو القصر الغربي، لما رأى الحاكم وقتها، ضرورة في نقل الحكم إلى هذا القصر.
«دار الوزارة الكبرى ودار القباب والدار الأفضلية ودار الملك».. هي في الأصل دار الوزارة في العهد الفاطمي، ولكن بعد سقوط الدولة الفاطمية اتخذها حكام الدولة الأيوبية مقرًا للحكم حتى انتقلوا إلى قلعة الجبل.
«قلعة الروضة – القلعة الصالحية – قلعة المقياس – قلعة الجزيرة – قلعة جزيرة الفسطاط».. شيدها الملك الصالح نجم الدين أيوب أمام نهر النيل، لتكون مقرًا لحكم مصر في العصر الأيوبي.
قلعة الجبل شهدت على حكم مصر فترة طويلة وأنظمة عديدة من الأسر الحاكمة، بداية من العصر الأيوبي، مرورًا بعصر المماليك، والحكم العثماني الذي قضى عليهم بقيادة أسرة محمد علي.
أما في عهد الخديوي إسماعيل، رأي أن اتخاذ قصر عابدين مقرًا للحكم في مصر، مكانًا مناسبًا لذلك، وباتت تدار ذمام الأمور من ذلك القصر طيلة حكم الخديوي.
قصر القبة، اتخذه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مركزًا لإدارة حكم مصر، في فترة كانت من أهم الفترات الحربية التي مرت على البلاد، لما شهدته مصر من حرب الاستنزاف التي خاضتها ضد إسرائيل، قبل حرب أكتوبر.
قصر الاتحادية كان مقر الحكم في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، إلى أن تأسست العاصمة الإدارية الجديدة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأصبحت مقرًا لإدارة حكم البلاد.
تعاقب النظم على حكم مصر
على صعيد النظام الحاكم، فإن النظم السياسية اختلفت من حقبة لأخرى على مر العصور في الأرض السوداء، كما أطلق الفراعنة على مصر، كناية عن أرض وادي النيل.
الرواية السياسية بدأت من الملك مينا موحد القطرين قبل أكثر من خمسة آلاف عام، أخذت بعدها الأسر الفرعونية في التعاقب على الحكم ما بين روم وفرس، مرورًا بغزاة أجانب، وعرب وصليبيين ومماليك وأتراك، وصولاً إلى محمد علي باشا.
عُرف الحاكم العثماني بمؤسس الدولة الحديثة، تحت حكم الأسرة العلوية التي بدأت منذ القرن الـ19، وحتى الإطاحة بها على يد ثورة الضباط الأحرار في 1952، خلال عهد الملك فاروق.
ورغم تعاقب كل هذه النظم لم تُعلَن مصر جمهورية، إلا في 18 يونيو 1953، حينما تولى اللواء أركان حرب محمد نجيب، ذمام الأمور كأول رئيس في تاريخ جمهورية مصر، حتى نوفمبر 1954، الذي شهد إعفائه من منصبه.
الرئيس الثاني لمصر كان الراحل جمال عبدالناصر، الذي جعل من قناة السويس، شركة مساهمة مصرية منذ عام 1956 إلى الآن، ما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر في العام ذاته.
هذه الفترة عُرفت بأثقل الفترات الحرجة على مصر، نظرًا لكثرة أعدائها الخارج، لاسيما عقب نكسة عام 1967 أمام إسرائيل، ليتوفى بعدها بنحو 3 سنوات، الرئيس جمال عبدالناصر إثر نوبة قلبية في سبتمبر عام 1970.

تصحيح المسار كان في عهد نائبه محمد أنور السادات، كرئيس ثالث لجمهورية مصر العربية، فقاد البلاد إلى انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، التي استرد فيها سيناء.
ومن أبرز المواقف التي خُلدت في تاريخه، أنه نوى زيارة القدس قبل توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979، بعد سنوات من التفاوض، ولكن في عام 1981، تم اغتياله في عرض عسكري بمناسبة ذكرى نصر 6 أكتوبر، من قبل جماعات متشددة.
الرئيس محمد حسني مبارك، كان رابع رؤساء مصر، خلفًا للسادات، فتولى ذمام الحكم في مصر لمدة 30 عامًا، حتى ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وأدت إلى تنحيه في الحادي عشر من الشهر التالي.
خطاب التنحي نص على أن: يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، شؤون البلاد خلال فترة انتقالية، لحين إجراء انتخابات جديدة.
الرئيس الراحل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، كان خامس حكام مصر بعد أدائه اليمين الدستورية في 30 يونيو من عام 2012، كأول رئيس مدني منتخب.
واستمر في الحكم حتى تم عزله في ثورة 30 يونيو 2013، نتيجة تظاهرات مليونية في اليوم نفسه، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وكثرة الأزمات خلال فترة حكمه.
الجيش المصري تحرك عقب هذه المليونيات في الثالث من يوليو، دعمًا لمطالب المتظاهرين، وإعلانًا لنهاية حكم محمد مرسي، وأعقب ذلك تعيين عدلي منصور، رئيسا مؤقتاً للبلاد باعتباره رئيس المحكمة الدستورية.
الانتخابات التالية شهدت ترشح: عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي، على منصب رئيس الجمهورية، لتسفر عن أن الرئيس السيسي، سادس رئيس في جمهورية مصر العربية.