نزاع سياسي واقتصادي بمنطقة القرن الإفريقي
نزاع سياسي واقتصادي يثير المخاوف من تصعيد إقليمي جديد يهدد أمن الملاحة في منطقة البحر الأحمر، تلك المنطقة التي تمر بالأساس فوق صفيح ساخن، فمع بداية الصراع الدامي منذ سنوات بين دولتين مجاورتين يتشاركان في العديد من الأمور، كالثقافة واللغة والدين، نشأ بينهم نزاعا إقليميا واصبح مستمراً ، وكانت البداية لهذا الصراع بضم منطقة أوغادين إلى إثيوبيا من قبل البريطانيين، وتصاعد الصراع اليوم، بسبب رغبة إثيوبيا في إنشاء منفذاً بحريا على أرض الصومال.

اشتباكات عسكرية على طول الحدود.. تاريخ التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال
تداعيات الحرب الأهلية الصومالية، وعدم وجود حكومة مركزية في الصومال، جعل إثيوبيا تشن أول عملية اشتباك عسكري بينها وبين الصومال 1996م، حيث داهمت القوات الإثيوبية بلدة “بلانبال” الحدودية الصومالية، وبررت إثيوبيا هجومها لملاحقة أعضاء جماعة الاتحاد الإسلامي، الذين كانوا يقاتلون من أجل توحيد منطقة ” أوغادين” شرقي إثيوبيا مع الصومال.
وفي مايو 1999م، احتل جنود إثيوبيون، بمساعدة فصيل صومالي موال لإثيوبيا، بلدة “لوق” في جنوب غرب الصومال بالقرب من الحدود مع إثيوبيا وكينيا، بينما في أواخر يونيو 1999م، شن جنود إثيوبيون، مدعومين بعربات مدرعة، هجومًا أدى إلى أسر إقليم “غاربهاي” الإداري في منطقة جدو، الذي كان تحت سيطرة الجبهة الوطنية الصومالية بقيادة حسين عيديد في السابق، وقالت إثيوبيا حينها بأن الهجوم كان يهدف إلى طرد المتمردين الإثيوبيين المتمركزين في الصومال.
وقد خيم التوتر على العلاقات بين الصومال وإثيوبيا عقب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، وبموجب هذا الاتفاق تسعى إثيوبيا إلى استخدام أحد موانئ البلاد، وأدى التوتر إلى استدعاء أديس أبابا لسفيرها لدى الصومال.
هل أرض الصومال معترف بها دوليا؟
توصلت « اليوم الإخباري» في هذا التقرير إلى كون أرض الصومال منطقة شبه صحراوية تقع على ساحل خليج عدن، حيث كانت تقع تحت الحماية البريطانية، ثم حصلت على استقلالها في عام 1960، واندمجت مع الصومال، التي كانت تحتلها إيطاليا لتكونا معا جمهورية الصومال، وانفصلت أرض الصومال وأعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال في عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري، وبالرغم من أن أرض الصومال غير معترف بها دوليا، فإنها تتمتع بنظام سياسي ولديها مؤسسات حكومية وقوة شرطة وعملة خاصة بها.
حقائق عن أرض الصومال
وتقدر مساحة أرض الصومال بحوالي177,000 كيلو متر مربع، وعاصمتها « هرغيسا»، ويبلغ عدد سكان أرض الصومال 5.7 مليون نسمة، وتعتبر اللغة الصومالية والعربية الإنجليزية من اللغات السائدة بأرض الصومال.
وفي عام 1960 استقلت أرض الصومال البريطانية وأرض الصومال الإيطالية واندمجا لتكوين جمهورية الصومال، بينما في عام 2016 احتفلت أرض الصومال بمرور 25 عاما على إعلان استقلالها، لكنها لا تزال غير معترف بها دولياً.

2024 وقعت إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة تفاهم تستخدم إثيوبيا بمقتضاها أحد موانئ أرض الصومال
تعد مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال بيان نوايا، وليست اتفاقا ملزما قانونيا، بحسب تصريحات خبراء عسكريين، لكن ما يبدو واضحا من المذكرة هو أن أرض الصومال مستعدة لمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر من أجل حركة مرور سفنها التجارية عبر أحد الموانئ في بلاد أرض الصومال وإثيوبيا.
وتسمح مذكرة التفاهم لإثيوبيا غير الساحلية باستئجار 20 كيلومترا حول ميناء بربرة على خليج عدن، تتيح لها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، لمدة 50 عاما لأغراضها البحرية والتجارية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، بجانب وجود جانب عسكري في الاتفاق، حيث قالت أرض الصومال إنها قد تؤجر جزءا من الساحل للبحرية الإثيوبية، وأكدت هذا أديس أبابا.
ويمنح الاتفاق، الذي وقع في أديس أبابا، إثيوبيا عقد إيجار لمدة 50 عاما لقاعدة بحرية مع إمكانية الوصول إلى ميناء بربرة في أرض الصومال للعمليات البحرية التجارية وذلك بحسب تصريحات الحكومة الصومالية.
ماذا قالت الصومال وإثيوبيا؟
رفضت الصومال هذه الاتفاقية، وسارع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بصدور قرار يلغي بمقتضاه مذكرة التفاهم، كما قام البرلمان الصومالي بالموافقة على صدور قرار بإلغاء الصفقة وبطلانها، لكن القرار لم يوقف المشروع القائم على أرض الواقع.
ومن جانبه قال رئيس الوزراء، آبي أحمد، في أكتوبر 2024 : ” وجود إثيوبيا مرتبط بالبحر الأحمر”، مضيفا أنه إذا كانت دول القرن الأفريقي “تخطط للعيش معا في سلام، فعلينا .. أن نجد طريقة للتقاسم المتبادل بطريقة متوازنة”، حيث وصف الوصول إلى البحر الأحمر بأنه قضية وجودية.
وتعتبر إثيوبيا من الدول غير الساحلية، والأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، حيث فقدت موانئها عقب انفصال إريتريا في أوائل التسعينيات، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا بشكل أساسي على جيبوتي الدولة الأصغر في عمليات موانئها.
موقف الدول العربية والأجنبية من رغبة إثيوبيا بإنشاء منفذا بحريا على أرض الصومال
تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي سلامة أراضي الصومال، وحثتا جميع الأطراف على تهدئة الأوضاع، حيث دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “موسى فقي محمد” إلى الهدوء والاحترام المتبادل “لتهدئة التوتر المتصاعد” بين إثيوبيا والصومال.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، إن بلاده تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن إثيوبيا ستعترف باستقلال أرض الصومال.
وأعلنت تركيا، التي تؤدي دورا مهما في الصومال، “التزامها بوحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه”.
وتعهدت مصر بدعم الصومال، وأبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الصومالي أن مصر تقف إلى جانب الصومال وتدعم “أمنه واستقراره”.

الصراع المتصاعد ودخول مصر لمساندة الصومال بعد رغبة إثيوبيا بتنفيذ قناة بحرية على أرض الصومال
مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال أو أمنه، وأي اتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال غير مقبول لأي أحد، بهذه الكلمات عبرت القيادة السياسية في مصر عن موقفها تجاه النزاع المتصاعد بين كلا الدولتين، وذلك بسبب رغبة إثيوبيا في حفر قناة بحرية في أرض الصومال.
ووقعت مصر مع الصومال، بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، إضافة لخطوات دبلوماسية وتجارية من بينها افتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر بين البلدين، حيث لم يتضح المزيد من التفاصيل عن طبيعة هذا الاتفاق العسكري بين الجانب المصري والصومالي.
وأكد الرئيس السيسي لنظيره الصومالي، موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية، ومواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.

ويقول الخبير العسكري اللواء سمير فرج، إن البروتوكول العسكري الذي جرى توقيعه بين مصر والصومال، يستهدف بشكل أساسي دعم القاهرة لمقديشو، ما يعني تحقيق هدفين مباشرين: الأول القضاء على الإرهاب ممثلا في منظمة الشباب التي خرجت من عنق الجماعات المتطرفة، والثاني وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية، بعد الاتفاق “غير القانوني” بين أديس أبابا وصومالي لاند، كما أوضح فرج، بأنه لا يوجد تعارض بين الاتفاقيتين العسكريتين لمصر وتركيا مع الصومال.

وتدرك القاهرة أهمية تعزيز دورها بمنطقة القرن الإفريقي، الذي يعد امتدادا للأمن القومي المصري”، حيث وصف الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لمصر يوم الأربعاء الماضي، ووصفه مباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي بكونها شديدة الأهمية، مشيراً بأن لها تداعيات إيجابية ليس فقط لصالح البلدين، بل للمصالح العربية عموما، وذلك لوقف عبث قوى خارجية إقليمية ودولية في منطقة القرن الإفريقي، وكذلك في منطقة البحر الأحمر خصوصاً في مضيق باب المندب، مشيراً إلى إن القاهرة تمد يدها للصومال حتى يعود مستقرا وموحدا وقويا، لكن إثيوبيا تريده مهتزا ومقسما وضعيفا.