رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: التنمية الذهنية ضرورة لصناعة عقلية مفكرة وصانعة للقرار

كتب: مصطفى على
أكد فضيلة الشيخ أيمن عبد الغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، أن بناء الأجيال الصاعدة على أسس من التفكير المنهجي وصناعة القرار السليم لم يعد ترفًا تربويًا، بل هو ضرورة تمليها التحديات المعاصرة وسوق العمل المتغير. جاء ذلك خلال كلمته الختامية في فعالية اختتام برنامج “إعداد مدربي التنمية الذهنية للنشء”، الذي نظمه قطاع المعاهد الأزهرية بالتعاون مع الاتحاد المصري للتنمية الذهنية للنشء، بمركز الأزهر للمؤتمرات.
وشدد الشيخ عبد الغني على أن التنمية الذهنية ليست مجرد نشاط داعم في العملية التعليمية، بل هي أحد أعمدتها الرئيسية، لما لها من دور محوري في بناء ملكات التفكير، وصقل مهارات التحليل، والتخطيط، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، بما يتماشى مع القيم الإسلامية التي حضّت على التفكر والتدبر في كتاب الله وسنة نبيه.
ثمار التعاون في بناء عقل أزهري مبدع
برنامج تدريبي غير تقليدي بمشاركة 270 معلمًا من أنحاء الجمهورية
أشار رئيس القطاع إلى أن البرنامج يمثل ثمرة تعاون بنّاء بين الأزهر والاتحاد المصري للتنمية الذهنية للنشء، وقد شارك فيه 270 معلمًا ومعلمة من مختلف المناطق الأزهرية، خضعوا لتدريب مكثف يجمع بين النظرية والتطبيق.
وأوضح أن البرنامج تضمن ثماني محاضرات تم تقديمها عن بُعد، بالإضافة إلى أربع ساعات من ورش العمل التطبيقية المركّزة، تناولت تقنيات رياضات ذهنية متخصصة مثل “العداد” و”الأيروبيك العقلي”، بإشراف خبراء دوليين من ذوي الاختصاص، ما جعل من التجربة نقلة نوعية في مفهوم إعداد المعلم الأزهري ليصبح مدربًا وموجهًا للعقل قبل المحتوى.
الرياضة الذهنية.. سلاح الطالب العصري
“العداد” و”الأيروبيك العقلي” لتحفيز الذاكرة والتركيز ومهارات التحليل
لفت فضيلة الشيخ أيمن عبد الغني إلى أن إدراج رياضات ذهنية في البرامج التدريبية لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى دراسات علمية أكدت فعاليتها في تطوير مهارات معرفية حيوية مثل الذاكرة، والتركيز، والتحليل السريع، وهي القدرات التي أصبحت مطلبًا أساسيًا لطالب العلم في العصر الحديث لمواجهة التحديات ومواكبة المستجدات في ساحات العلم والعمل على الصعيدين المحلي والعالمي.
وقد استعان الشيخ عبد الغني بالقرآن الكريم والحديث الشريف لتوضيح أن العقل والقلب ليسا في صراع، بل في تكامل، قائلاً: “قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…﴾ [آل عمران: 190]، وقال النبي ﷺ: «ألا إن في الجسد مضغة ألا وهي القلب»، مبيّنًا أن العلماء فسّروا القلب بأنه مركز التفكير والإدراك، وصلاحه لا يتم إلا بصقل الذهن وتربية الروح معًا.
من التنظير إلى التطبيق: الرؤية الواقعية للبرنامج
المعلمون سفراء التنمية الذهنية في المعاهد.. وتحول حقيقي في البيئة التعليمية
وفي طرحه لأهداف البرنامج، أكد رئيس القطاع أن الغاية الكبرى من هذا التدريب ليست فقط إكساب المعلمين معرفة نظرية أو مهارات محفوظة، بل تمكينهم من تحويل هذه المعارف إلى ممارسات واقعية تُحدث فرقًا في سلوك الطلاب ونمط تفكيرهم.
وبيّن أن المعلمين الذين اجتازوا هذا البرنامج هم بمثابة “سفراء” للتنمية الذهنية في معاهدهم، تقع على عاتقهم مسؤولية كبرى في نقل ما تعلموه إلى الزملاء والطلاب، وقيادة عملية تحول في البيئة التعليمية، تقوم على الإبداع، والتحفيز، والمنافسة الإيجابية، بعيدًا عن الأساليب التقليدية التي تعتمد على الحفظ والتلقين.
نحو النموذج الأزهري الأمثل
تنمية الذكاء العاطفي والمعرفي لخلق طالب مفكر ومتزن ومبدع
تحدث الشيخ عبد الغني بإسهاب عن الأثر الذي يمكن أن يتركه التدريب الذهني على شخصية الطالب الأزهري، مشيرًا إلى أن الطالب الذي يمارس بانتظام هذه الرياضات الذهنية يكتسب تركيزًا أعلى، وثقة بالنفس، وتقديرًا أكبر للعلم، وارتباطًا أعمق بهويته الدينية والوطنية.
وأوضح أن ذلك يقربه من النموذج المثالي للطالب الأزهري، الذي يُرجى أن يكون مفكرًا، متزنًا، مبدعًا، يعيش واقعه بفهم، ويستشرف مستقبله بعلم، وينتمي إلى دينه ووطنه انتماءً حقيقيًا يترجم إلى سلوك ومبادرة وعطاء.
رسالة شكر ودعاء للتوفيق
تحية تقدير للمحاضرين والشركاء ودعاء لأداء الرسالة التعليمية على أكمل وجه
واختتم رئيس قطاع المعاهد الأزهرية كلمته بتقديم الشكر والعرفان للاتحاد المصري للتنمية الذهنية للنشء، لما بذلوه من جهد مخلص وتعاون مثمر، كما توجه بالشكر للمحاضرين الدوليين الذين أسهموا بخبراتهم المتخصصة في نجاح البرنامج.
ودعا الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود، وأن يعين المعلمين والمعلمات على أداء رسالتهم النبيلة في إعداد جيل أزهري واعٍ ومستنير، يجمع بين العلم والعمل، والعقل والقلب، والدين والدنيا، ليكون خير سفير للأزهر في العالم.
التنمية الذهنية ليست خيارًا بل حتمية
تحول الفكر التربوي في الأزهر من التلقين إلى تنمية القدرات الشاملة
ما بين التأصيل الإسلامي العميق لأهمية التفكير، والتوجه العلمي الحديث نحو تنمية المهارات الذهنية، يشق الأزهر طريقًا جديدًا لتأهيل أجياله على نحو مختلف، يرى في التنمية الذهنية بوابةً لبناء عقل أزهري عصري، يفكر ويبدع، ويقود، لا يحفظ فقط.