كنيس في الأقصى… الاحتلال يكشف الستار عن مخططاته للمسجد
حدر وزير الأمن القومي الإسرائيلي المثير للجدل “إيتمار بن جفير” النقاب بصراحة عن نواياه تجاه المسجد الأقصى يوم الإثنين 12 أغسطس، حين قال بصراحة، ودون مواربة أو التفاف: “أنوي إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى”- حسب إذاعة جيش الاحتلال- معللًا ذلك بقوله: “أن القانون يساوي بين حقوق المسلمين و المستوطنين اليهود في إقامة الصلوات في المسجد”.
وكان “بن جفير” قد دأب على اقتحام المسجد الأقصى في أعداد كبيرة من المستوطنين برفقة بعض المقربين منه، في خطوة كان يتعمد أن تآتي استفزازية لكل المسلمين بصفة عامة وللفلسطينيين بصفة خاصة، وقد كثرت تلك الاستفزازات بعد اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، وكان أخر تلك الاستفزازات قبل أسابيع، حين اقتحم الأقصى برفقة “يتسحاق فاسرلاوف”- وزير شؤون النقب والجليل من حزب “عظمة يهودية”، ومعهم 2250 مستوطناً، بحجة إحياء ما يسمى “ذكرى خراب الهيكل”.
1. ليس وحده

السلوك الإجرامي “لبن جفير” في الاعتداء على مسجد له قدسيته الكبيرة شجع آخرين ليحذوا حذوه، مطلقين البشارات باقتراب حلمهم بانتهاك حرمة المسجد الأقصى، وكان “موشيه فيغلين”- عضو الكنيست السابق- أبرز أولئك الطامعين، فخلال اقتحامه للمسجد الأقصى، يوم الثلاثاء الماضي، وقف مغترًا وسط مجموعة كبيرة من المستوطنين يؤدون طقس الانبطاح “السجود الملحمي” ، وألقي خطبة يبشر صراحة فيها باقتراب بناء الهيكل داخل المسجد، ويؤكد أنه الانتصار الحقيقي بوضع اليد على المسجد الأقصى، فقال:
“يا أصدقاء…
منذ 30عامًا وأنا أقتحم المسجد الأقصى…
ولم أشعر قبل اليوم أبدًا بمدى قرب بناء الهيكل، ويجب عليكم فهم ما يحدث هنا، شعب إسرائيل جاء وقال: هذا المكان لنا، الاحتلال الحقيقي حدث هنا بسبب الذين اقتحموا هذا المكان على مدار عشرات السنوات، وتحملوا المصاعب وتحملوا كافة التقييدات، فلم يحدث في السابق أن اقتحمت المكان مجموعة كبيرة كهذه في يوم عادي وليس يوم مناسبة أو عيد، فالأعداد المنفردة التي كانت تقتحم المسجد أصبحت جماعات كبيرة آخذة في الازدياد،
تلك الأعداد أكسبتنا عدة امتيازات، أهمها: أن هذا أضحى احتلالًا حقيقيًا…!”
“ويجب أن نعرف أننا بعد 10 شهور من الحرب غير العادية، التي أطلقوا عليها حرب الأقصى، أن الانتصار الاستراتيجي الهام والحقيقي الأول: أين يكون؟
هنا في المسجد الأقصى…! فهو قلب القضية”.
وقد صدق “فيجلين” فيما قال عن وجود تطور في الحركة الصهيونية تجاه الأقصى يحدث لأول مرة، فحسب “زياد بحيص”- الباحث في شئون القدس: الاقتحامات المستمرة وتأدية الطقوس الدينية بشكل علني، فيما يمنع المصلون والمرابطون وحراس الأقصى وموظفو الأوقاف من دخولها أو حتى من الاقتراب منها بمسافة تسمح بالتصوير خلال الاقتحامات، هو “تطور يحدث في الأقصى لأول مرة منذ احتلاله، ويبني على اعتداءات تدريجية سابقة على طريق طمس هويته الإسلامية وفرض هوية يهودية في مكانها ضمن توظيف للطقوس كأداة استعمار وهيمنة”.
ليأتي دور حكومة الاحتلال بعد ذلك فتتخذ قرارها ببقاء الوضع على ما هو عليه، بعد فرض التغييرات التي يسعون إليها، فيكون “بن جفير” قد حصل بذلك على تصريح مفتوح بتهويد المسجد المبارك.
وتأتي خطوة “بن جفير” و”فيجلين” تعبيرًا واضحًا عن الهدف الكلي الذي تعمل من أجله الجماعة الصهيونية واليمين الصهيوني، الذي يتطلع إلى إزالة المسجد الأقصى من الوجود لبناء الهيكل المزعوم مكانه وعلى كامل مساحته، أو على الأقل الإحلال الديني التام لليهود في المسجد الأقصى المبارك، وحسب محللين تبنت تلك الجماعات خطة على ثلاث مراحل هي: التقسيم الزماني والتقسيم المكاني- عبر اقتطاع مساحةً من المسجد وتحويلها إلى مساحة خاصة للصلاة والطقوس التلمودية- والمرحلة الثالثة: التأسيس المعنوي للهيكل من خلال فرض الطقوس التوراتية في المسجد الأقصى المبارك، وهذا ما يفعله “فيجلين” وأمثاله كل يوم بالمسجد.
2. حلم يدمرون لأجله كل شيء

وحلم اقتطاع جزء من المسجد الأقصى لبناء كنيس داخله تمهيدًا لإزالته لبناء الهيكل، حلم قديم شرع الاحتلال في تنفيذه منذ احتلال القدس عام 1967، حيث دمر حارة المغاربة عن بكرة أبيها، بما فيها من بيوت ومساجد وعقارات وتاريخ بعد ساعات من احتلال القدس، ثم استولت سلطاته بعد أسابيع على مفتاح باب المغاربة بقوة السلاح، وهو نفسه الباب الذي دخل منه “دنيس مايكل” الذي أحرق المصلى القبلي عام 1969، باستخدام مواد حارقة لإشعال السقف الخشبي للمسجد- حسب “تحسين يقين”- مجلة العربي.
وكانت أبرز محاولات التهويد هي تأسيس الحاخام “شلوموغورين”- حاخام جيش الاحتلال- مدرسة دينية بجوار باب المغاربة، ونقل عائلات يهودية إلى مساكن جديدة، وأقام الصلاة بشكل منتظم في المدرسة، كما عُين 10 ضباط من جيش الاحتلال لإدارة المكان الذي لم يستمر أكثر من 40 يوماً عام 1967، لكن بعد ذلك أمر وزير دفاع الاحتلال في تلك الفترة، موشيه دايان، بإخلاء المدرسة وتسليم السيطرة على الحرم القدسي للأوقاف الإسلامية.
وقديمًا ساد اعتقاد لدى محللين سياسيين: أن أحد الأهداف غير المعلنة للاحتلال هو توسيع ساحة “البراق” المغتصبة، التي لم يكن اليهود يومًا يصلون فيها حتى سمح لهم العثمانيون بالصلاة في تلك المنطقة في القرن السادس عشر.
وعقب الاستيلاء على باب المغاربة ثم إحراق المصلى القبلي، “حاول بعض الصهاينة بناء سور بالطوب داخل المسجد الأقصى، ليتقاسموه مع المسلمين، مثلما فعلوا بالحرم الإبراهيمي في الخليل، ولولا خشيتهم من تبعات هذا العمل حينئذ لأكملوه، لاسيما أنهم كانوا وقتها في أوج انتصاراتهم يغنون: محمد مات خلف بنات”.
كذلك كان الاحتلال يعتزم الاحتلال يعتزم بناء ممر علوي يربط بين الحيين اليهودي والإسلامي، ويشق البلدة القديمة من شمالها لجنوبها، “وذلك بهدف تقاسم السيادةعلى الحرم القدسي”- حسب د. نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ الفلسطيني لمجلة العربي.
ووفقًا “ليقين”، يطمح اليهود للكشف عن بوابة باركلي التي يعتقدون في وجودها تحت التلة المؤدية لباب المغاربة، وتؤدي إلى مسجد البراق داخل الحرم المقدسي، ويدعون في تراثهم أنها بوابة الهيكل التي تعود إلى فترة “هيرودوس”.
كما ارتكب الاحتلال العديد من المجازر في ساحات الأقصى مثل: مجزرة الأقصى الأولى عام 1990، والمجزرة التي أشعلت فتيل الانتفاضة الثانية عام 2000، حين أقدم “إريل شارون” على اقتحام المسجد الأقصى في قوة من رجاله، وأعقبها مهاجمة مصلي الجمعة في المسجد وقتل وإصابة العشرات منهم في ساحة المسجد عقب الاقتحام بيوم واحد.
- مجلة العربي، تحسين يقين، القدس المحتلة عبير الروح، وزارة الإعلام الكويتية، العدد 582، مايو 2007.
3. رد الفعل الفلسطيني

أثارت تصريحات “بن جفير” الاستفزازية مشاعر المؤسسات الدينية الفلسطينية والمؤسسة الرسمية، مثلما أثارت احتقان حركات المقاومة، وبينما رآه البعض محاولة لتغطية الاحتلال على فشله في الحرب، رآه البعض تأجيجا لحرب إقليمية يذوق ويلاتها الجميع، لما للمسجد الأقصى من قدسية في صدور المسلمين.
فقال الشيخ “عكرمة صبري”- إمام وخطيب المسجد الأقصى: الأقصى مرتبط بقرار رباني وبعقيدة ملياري مسلم، ولا يخضع لأية أحكام وقوانين، وتابع حديثه: لا حجة “لبن جفير” في ما يدعيه من حق لليهود في الأقصى، ونؤكد على إسلامية الأقصى ونحذر من الاقتراب منه، فحين فشلت مخططات “بن جفير” أراد تفجير الوضع ليقول إنه يفعل شيئاً، ونحمل الحكومة التي ينتمي إليها “بن جفير” المسؤولية عما يقول.
وحذّر الشيخ “محمد حسين”- المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى المبارك- من حرب دينية تطال العالم أجمع، في حال تم المس بالمسجد الأقصى المبارك. وقال في بيان: “إن التهديد ببناء كنيس في المسجد الأقصى المبارك، والسماح للمستعمرين المتطرفين بأداء رقصات وغناء والمسّ بحرمة المسجد الأقصى المبارك، يدفع المنطقة إلى الانفجار، الذي سيطال العالم أجمع”.
وبالمثل حذرت الرئاسة الفلسطينية والخارجية من العواقب الوخيمة لتصريحات وزير الأمن القومي لدى الاحتلال، فقال “نبيل أبو ردينة”- الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية: دعوات المتطرف “بن جفير” لإقامة كنيس داخل المسجد الأقصى المبارك خطيرة جداً، والشعب الفلسطيني لن يقبل المساس بالمسجد، الذي يعد خطًا أحمرًا لا يمكن السماح بالمساس به إطلاقا.
وقالت الخارجية الفلسطينية: دعوة “بن جفير” لبناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى تعتبر دعوة صريحة لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
أما عن حركات المقاومة، فقد بدأت حماس التحذير من مغبة تلك التصريحات، وطالب الأمة والشعب الفلسطيني بالانتفاض ضد تلك التحرك الصهيوني: تأكيد بن غفير عزمه بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى إعلان خطير ويجب على الأمتين العربية والإسلامية تحمل مسؤوليتهما، ندعو أبناء شعبنا في الضفة والداخل المحتل للنفير والحشد في الأقصى وساحاته وتصعيد الاشتباك مع قوات الاحتلال والمستوطنين.
وقالت حركة المجاهدين الفلسطينية: إعلان المجرم “بن جفير” نيته إقامة كنيس في الأقصى إعلان خطير يؤكد مضي حكومة العدو في مخططات التهويد، نستهجن الصمت العربي والإسلامي، ونستنفر شعبنا في الضفة والقدس والداخل للانتفاضة الشاملة دفاعاً عن المسجد.
كذلك استهجنت الجبهة الشعبية تلك التصريحات والصمت العربي بشأنها، فقالت: تصريحات المجرم “بن جفير” بشأن إقامة كنيس بالمسجد الأقصى هي جزء من مخطط تهويدي واسع ضد القدس، وحكومة العدو تستثمر الصمت العربي وغياب المرجعيات الإسلامية والمسيحية، وتوسع جرائمها في القدس وتسرّع عدوانها الشامل، كما أن الصمت والتواطؤ العربي تجاه الإبادة في غزة يفتح شهية قادة الاحتلال على تنفيذ كل مخططاتهم ضد شعبنا.
وهكذا يمضي الاحتلال في مخططاته التهويدية للحرم المقدس، لينفذ اقتراحات اليمين المتطرف بنقل ساحة المعركة للمسجد الأقصى، وكأنه لم يكتفِ من دماء آلاف الأبرياء في غزة والمئات منهم في الصفة، إذ يطلب مصاصوا الدماء فيه إراقة المزيد منها كلما زادت ضحاياهم، ومثلما دهسوا حرمة دماء الأطفال والنساء، يدهسون اليوم حرمة المسجد المقدس، في محاولة منهم لتثبيت أقدامهم المرتعشة على الأرض التي سرقوها.