ثورة 30 يونيو.. الفن وثيقة للأجيال تحكي بطولات من «رأفت الهجان» إلى «الاختيار»

كتبت- مرثا مرجان
لم تكن الدراما المصرية مجرد وسيلة للترفيه فقط، بل كانت دائمًا مرآة تعكس الواقع، وأحيانًا كثيرة وثيقة تسجل التاريخ وتحكى بطولات، لعبت المسلسلات الوطنية دورًا محوريًا فى توثيق صفحات من تاريخ مصر الحديث، لأجيال قادمة، ترصد بطولات أبطالها حقيقيون خاضوا حروبا وصعوبات من أجل الوطن، مثل مسلسل «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة»، وهي أعمال لا تزال حيّة فى وجدان الجمهور حتى اليوم.
وفى مشهد شديد الأهمية، وواحدة من محطاتالتاريخ الحديث لعبت الدراما
المصرية دورًا فاعلًا في توثيق وتحليل ثورة 30 يونيو 2013، التي مثلت لحظة فارقة فى الوعي الجمعي للمصريين، وجاءت الدراما لتكون مرآةً تعكس هذا التحول، وتؤرخ له للأجيال القادمة، عبر قصص شخصيات ومواقف غلبت عليها الوطنية والتضحية.
الفن وثيقة وطنية
فالفن وسيلة لتشكيل الوعي، وعندما يقدم قصص البطولة والتضحية، يصبح وثيقة تحفظ التاريخ بلمسة إنسانية، وقد أدرك صنّاع الدراما هذا الدور مبكرًا،فخرجت أعمال خالدة حفرت أسماء الأبطال فى الذاكرة الشعبية.
«رأفت الهجان».. عندما تنبض الشاشة
فى واحد من أهم المسلسلات التى تحكى قصة حقيقية عن البطل المصرى رفعت على سليمان الجمال، الذى زرعته المخابرات العامة المصرية داخل إسرائيل تحت اسم «ديفيد شارل سمحون»، وتمكّن من اختراق أعلى دوائر القرار الإسرائيلى لمدة 17 عامًا، وعرض المسلسل لأول مرة عام 1988 أى منذ 37 عاما إلا أنه ما زال محل إعجاب الجمهور ويحظى بالمشاهدات المسلسل من بطولة محمود عبدالعزيز، يسرا، يوسف شعبان ومن تأليف صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي.
جمعة الشوان مقاتل يخوض حربًا صامتة
مسلسل «دموع فى عيون وقحة» تدور أحداث المسلسل عن القصة الحقيقية للبطل جمعة الشوان(أحمد الهوان)، الذى خدع الموساد الإسرائيلى وعمل لحساب المخابرات المصرية، ركّز العمل على البطل الشعبى، وهو رجل بسيط من السويس، حوّله حبه لوطنه إلى مقاتل يخوض حربًا صامتة.
قدّم عادل إمام دورًا بعيد عن الكوميديا لأول مرة، وجعل من جمعة الشوان أيقونة وطنية يعرفها كل مصرى.
شهادات يحيى العلمي وصالح مرسي
صالح مرسى كاتب المسلسلين فى أحد حوارته النادرة قال «أردت أن أقدّم للأجيال قصصًا حقيقية عن أبطال لم يعرفهم أحد، كى يعرفوا أن مصر لاتنام، وأن رجالها لا يُهزمون».
أما المخرج يحيى العلمى تحدث عن العملين قائلا«تعاملت مع العمل وكأننى أخرج وثيقة، لا مجرد مسلسل.. كنت أشعر بالمسؤولية التاريخية».
الدراما بين الماضي والحاضر
ستظل مسلسلات مثل «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة» وثائق حية فى الوجدان المصرى، لاتُنسى ولا تفقد بريقها، لأنها تحمل الحقيقة، وتُجسد الوطنية في أسمى معانيها، فى زمن تتسارع فيه الأحداث، تبقى هذه الأعمال دليلًا على البطولات ليدرك الجيل الجديد، أن للوطن رجالًا، وأن الفن كان وسيبقى شاهدًا على بطولات لا تُقدّر بثمن.
عادت الدراما المصرية بقوة إلى مجال التوثيق الوطنى، فى السنوات الأخيرة، من خلال أعمال مثل «الاختيار» و«هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول» تستند فى بنائها الفنى إلى إرث هذه المسلسلات،التى أرست معايير البطولة والصدق فى السرد الوطني.
لم تعد الدراما مجرد وسيلة للترفيه، بعد أن استمر ذلك لسنوات، وعادت إلى دورها فى التنوير لتصبح وثيقة فنية تساهم فى حفظ ذاكرة الأمة، خاصة حين تتناول أحداثًا كبرى بحجم ثورة 30 يونيو، فقد سعت العديد من الأعمال إلى تقديم سرد وطنى صادق، يستعرض خلفيات الثورة، ودوافعها، وتفاصيل ما قبلها وبعدها، فى محاولة لشرح الواقع وتقديمه بعيون الفن.
«الاختيار» الواقع يتحول إلى ملحمة
يُعد مسلسل «الاختيار» فى أجزائه المختلفة أبرز الأعمال التى أرّخت لمراحل ما بعد ثورة 30 يونيو، من خلال توثيق بطولات رجال القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب، والتصدى لمحاولات زعزعة الدولة المصرية، استطاع المسلسل أن يقدم معلومات دقيقة، وشهادات حية، وصورًا واقعية، مما جعله أشبه بوثيقة تاريخية درامية.
الشعب هو البطل
لم تغفل الدراما تجسيد الشعب المصرى كفاعل رئيسي وبطل المشهد، فقد حرصت العديد من الأعمال على إبراز المشاركة الشعبية الضخمة في الثورة، والاحتجاجات التى خرجت من كل المدن والميادين، سواء عبر مشاهد حقيقية أرشيفية، وإعادة تمثيلها دراميًا.
«هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول».. صراع العقول
قدّمت هذه المسلسلات قراءة للأحداث، من خلال الغوص فى الصراع الاستخباراتي والفكري الذي رافق ما بعد الثورة، إذ ألقى «هجمة مرتدة» الضوء على معارك الخفاء التى خاضتها الأجهزة الأمنية المصرية ضد محاولات التشويه والفوضى، فيما استعرض «القاهرة كابول» جذور الفكر المتطرف وأظهار حقيقته ومحاولة تفكيك بنية الإرهاب إعلاميًا وفكريًا.
رسائل للأجيال القادمة
أحد أبرز أدوار هذه الأعمال يكمن في نقل التجربة للأجيال الجديدة التى لم تعايش الحدث، من خلال سرد بصرى مؤثر، يوضح لهم طبيعة التحديات التى واجهتها الدولة، ويعزز الانتماء والفخر بالوطن، وهنا يتأكد دور الفن كأداة تربوية وقوة ناعمة تعيد تشكيل الوعي والذاكرة.
التأريخ والدراما
ساهمت الدراما الوطنية فى بناء وعي جماهيرى عريض، وواجهت محاولات تزييف الحقائق، مستندة إلى معلومات حقيقية، وأحداث موثقة، ومشاعر صادقة عبرت عنها فى سياق درامى جذاب.
فالشاشة لا تنسى، ولأن الفن هو دليل الأجيال، فقد كانت الدراما المصرية
مقدمة القوى التى أرخت لثورة 30 يونيو، ليس فقط بوصف الحدث، وإنما بتحليل أبعاده وتجسيد أبطاله، وهو ما يجعل من كل عمل درامى وثيقة حية تحفظها الذاكرة تتناقلها الأجيال.