أحمد كريمة: التعدد حق للرجل بلا مبررات مشروطة

أباح الله تعالى تعدد الزوجات لعباده القادرين، لكنه وضع له حدودًا وشروطًا دقيقة تضمن تحقيق العدل والمساواة بين الزوجات.
فقد حدد الإسلام الحد الأقصى للزوجات بأربع، كما ألزم الزوج بالعدل بينهن في الحقوق المادية والمعنوية، مثل المبيت، والمعاشرة، والنفقة، والمسكن، وسائر الأمور الحياتية.
ولم يستثنِ الشرع من ذلك سوى الميل القلبي، الذي لا يملكه الإنسان بطبيعته، بشرط ألا يؤثر هذا الميل في المعاملة الظاهرة أو الحقوق.
رأي الفقهاء في مشروعية التعدد
الإباحة بشرط العدل
يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن التعدد في الإسلام مباح وليس واجبًا ولا مستحبًا ولا مكروهًا، مشددًا على أنه حق للرجل دون الحاجة إلى تقديم مبررات.
وأكد أن الزوجة ينبغي أن تتفهم هذا الحق، بل وتساعد زوجها عليه بدلاً من أن يدفعه إلى الوقوع في الحرام.
وأوضح أن الأساس في التعدد هو العدل، مستشهدًا بما ورد في السنة النبوية، حيث نهى الرسول ﷺ الإمام علي بن أبي طالب عن التعدد في حياة السيدة فاطمة رضي الله عنها، مما يدل على أن التعدد ليس فرضًا أو سنة مؤكدة، وإنما هو رخصة مشروطة بالقدرة على الإنصاف بين الزوجات.
هل التعدد هو الأصل في الزواج؟
تناول الدكتور مجدي عاشور، المستشار السابق لمفتي الجمهورية، مسألة ما إذا كان التعدد هو الأصل في الزواج، مشيرًا إلى أن الآية الكريمة:
{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً}
تضع شرطًا واضحًا للتعدد، وهو العدل، مما يجعل الزواج بامرأة واحدة هو الخيار الأكثر أمنًا لمن لا يثق في قدرته على تحقيق هذا العدل.
وأشار عاشور إلى أن أئمة المذاهب الشافعية والحنابلة استحبوا الاقتصار على زوجة واحدة، إلا إذا وُجدت حاجة ملحّة، لأن تعدد الزوجات يستتبع مسؤوليات قد يعجز الزوج عن الوفاء بها، مما قد يؤدي إلى ظلم الزوجات والتسبب في المشكلات الأسرية.
واستشهد بحديث النبي ﷺ: “إِذَا كَانَت عِندَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ”، مما يؤكد على خطورة التعدد دون تحقيق العدل.
أما أئمة المذهب الحنفي والمالكي، فقد ذهبوا إلى أن حكم التعدد هو الإباحة بشرط تحقيق العدالة الكاملة بين الزوجات، وإلا فإنه يصبح مدخلًا للظلم والمشكلات الأسرية.
تعدد الزوجات بدون سبب: رأي دار الإفتاء
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن تعدد الزوجات ليس مشروعًا بشكل مطلق، وإنما هو رخصة مشروطة بوجود سبب واضح ومبرر مقبول.
واستدل بقوله تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
مبينًا أن الآية لا تدل على أن التعدد هو الأصل، بل توضح أنه حل لبعض المشكلات الاجتماعية التي قد تواجه بعض الأسر، مثل العقم أو المرض، أو عدم قدرة الزوجة على أداء واجباتها الزوجية.
وأشار علام إلى أن الأصل في الزواج هو الارتباط بامرأة واحدة، وليس التعدد كما يروج البعض، مؤكدًا أن الرجل الذي يعدد دون مبرر مقبول، ويعجز عن تحقيق العدل، سيكون مسؤولًا أمام الله عن أي ظلم يلحق بزوجاته وأسرته.
كما شدد على أن الميل القلبي لا ينبغي أن يكون ذريعة للإجحاف بحق إحدى الزوجات.
الخلاصة: بين الإباحة والتقييد
يظهر من آراء الفقهاء أن الإسلام لم يفرض تعدد الزوجات، وإنما أباحه وفقًا لضوابط صارمة تحمي الأسرة والمجتمع من الظلم والتفكك.
فالزواج بأكثر من امرأة ليس حقًا مطلقًا للرجل، وإنما هو خيار مشروط بتحقيق العدل والمساواة بين الزوجات.
كما أن الفقهاء اختلفوا في مدى استحبابه، حيث رأى بعضهم أن الاقتصار على زوجة واحدة أكثر أمانًا للرجل والأسرة، بينما أقر آخرون بإباحته عند الحاجة.
وعليه، فإن التعدد في الإسلام ليس قاعدة ثابتة، بل هو حل لمشكلات اجتماعية معينة، وليس وسيلة للهوى أو الترف، كما أنه مسؤولية عظيمة لا ينبغي التساهل فيها، لأن العدل فيها شرط أساسي، ومن لا يملك تحقيقه، فعليه الاكتفاء بزوجة واحدة، كما أوصت الشريعة الإسلامية.