إخلاء غزة… من يوقف نزعة السيطرة الترامبية؟

“سنسيطر على غزة”… هكذا كانت آخر تصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، عقب مواجهة موجة من الرفض الحاسم على مقترحه بتفريغ غزة من أهلها، ليعاود إقرار تصريحه باعتباره أمرًا واقعًا، سيتم تنفيذه على الرغم من الرفض الجمعي من حوله، وأكد على ذلك المنهج في نفس المؤتمر، حين سُئِلَ عن أي سلطة تمنحه حق السيطرة على غزة، فكانت إجابته: “بموجب السلطة الأمريكية”.
ليصدق بشكل عملي على تحليل خطته لتهجير أهل القطاع، الذي صرح به الأستاذ “سلمان بشير”- الصحفي الفلسطيني ابن دير البلح الذي عايش الحرب في غزة لفترة طويلة- لموقع لليوم، ، فقال: “خطة التهجير التي طرحها ترامب، تنبع من عقلية رجل الأعمال صاحب الصفقات الرابحة، وكذلك عقلية المصارع الذي يربح بالضربات القاضية، كما أنه شخص مصاب بجنون العظمة، يرغب أن تكون الكاميرات دائما موجهة نحوه وهو بالبيت الأبيض، حتى أنه أطلق تهديدات بعواقب جحيمية تلزم الجميع بتوقف القتال بغزة قبل تنصيبه، حتى لا ينشغل أحد بالعالم عن تنصيبه”.
وعلى الرغم من غرور العظمة الواضح في تصريح الرئيس الأمريكي، الذي قد يقف سببًا وراء ذلك الطرح، لكنه أيضا لم يبتعد عن رؤية صحيفة “الجارديان” البريطانية له باعتباره تاجر، حيث قالت عن خطته: إنه يتحدث بلغة “مطور عقاري فاسد” يجعل من حياة الملايين لعبة في يده، و “يحركها بأخلاقيات وتقنيات زعماء المافيا”.
وفي مؤتمره الصحفي اليوم، نفى “ترامب” أنه سينفذ بنفسه مشروعات تنمية غزة، ليؤكد من جديد على تناوله غزة – في تصريحات سابقة- باعتبارها مطمعًا خاصًا به، حين قال: “أنا ملتزم بشراء غزة وامتلاكها”، ومنح أجزاء منها لدول في المنطقة العربية لتضطلع بعملية إعادة البناء، حيث أن “غزة موقع عقاري مميز لا يمكن أن نتركه”- حسب تصريحاته. وأكد على ضرورة ضمان عدم عودة حماس للقطاع، كما اعتبر السماح بعودة الفلسطينيين للقطاع بعد إعماره خطأ كبيرًا.
وفي أحد نقاط التلاقي الكثيرة بين “ترامب” ورئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، أشاد عقب اجتماع الكابينت اليوم بفكرة تهجير الفلسطينيين، واستيلاء الولايات المتحدة على غزة، واصفًا إياها “بالفكرة الثورية“.
وقد أشار “بشير”- في تصريحاته لليوم- لنقاط التلاقي بينهما، فقال: خلال مفاوضات المرحلة الأولى “انصاع نتنياهو لرغبة ترامب، وأراد أن يمنحه ورقة التنازل ليكون هو من أوقف القتال، ويكافئه الأخير خلال زيارته له بأن يعطيه أكثر مما كان يتوقع، حتى إن تحليلات الخبراء للغة الجسد قالت إن رئيس وزراء الاحتلال كان متفاجئًا، مما طرحه الرئيس الأمريكي من حلول للصراع في المنطقة العربية، لاسيما حينما تحدث عن تهجير السكان وامتلاك غزة، لينشأ فيها ما يشاء سواء كان قاعدة عسكرية، أو احتلال كامل، أو حتى تسليمها لإسرائيل”.
وأضاف: “وعلى جانب آخر استفاد نتنياهو من ذلك العرض ليعود لليمين بأكثر مما يحلمون، فيقول: لم نكن يوما قادرين على تهجير الفلسطينيين، لكن اليوم يطرح الفكرة الرجل الأول والأقوى في العالم، وهو قادر على تنفيذه، على الرغم من رفض الدول التي طرحت لاستقبال المهجرين، على المستويين العربي والعالمي، حيث أجمعوا على الرفض”.
وتابع حديثه عن أثر الرفض الجماعي، الذي وصفه بقول: “هناك رفض عربي عميق لتلك الخطة، حيث تجمع الرؤى العربية على أن تهجير الفلسطينيين يعني إنهاء القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني”، واستطرد: “لعل ذلك الرفض هو ما جعل ترامب يتراجع دبلوماسيا بعض الشيء، فقال إنه غير متعجل لتنفيذ الخطة”.
وفصل طرحه حول الرفض العربي، فقال: إن هناك جهود عربية حثيثه لدعم أهالي القطاع، وعلى رأسها مصر باعتبارها دولة حدودية مع القطاع، تبذل الجهود لإنفاذ المساعدات للقطاع بشكل أكبر لتعزيز صمود سكان القطاع في أرضهم، وهم الذين عادوا لمناطقهم في الشمال ما إن وضعت الحرب أوزارها، في مشهد أبهر العالم، على الرغم من الدمار لبيوتهم وأماكنهم، حتى نصبوا خياما على أنقاض منازلهم المدمرة، في رسالة ضمنية للعالم والاحتلال، مفادها أن الفلسطينيين لن يكرروا نكبتي 1948 و 1967، حتى إن كان ذلك قرار أقوى رجل بالعالم- كما يتصور ترامب نفسه”.
أين الفلسطينيون؟
يعيش الفلسطينيون ظروفا معيشية شديدة الصعوبة، وسط القطاع الذي أتى الاحتلال فيه على مقومات الحياة، حتى إن تقييم المنظمات العالمية والخبراء يقول: إن نسبة الدمار في القطاع بلغت 80%، وأن إعادة إعماره تحتاج إلى 15 عامًا على الأقل، حال تم توفير المعدات والأدوات اللازمة لإزالة الركام وبقايا المعارك من المعدات العسكرية والأدوات التي لم تنفجر، وما يتبع ذلك…!
كذلك تستغيث المنظمات الحقوقية بالمجتمع الدولي بسبب عرقلة الاحتلال دخول المساعدات، وحرصه ألا تدخل بشكل كافي، كما يعرقل دخول خيام الإيواء والمنازل المؤقتة في أكثر أوقات العام برودة، بما يفاقم معاناة الأهالي الذين دمرت بيوتهم في الحياة داخل الخيام، واكتملت معادلة الدمار والانهيار بالقطاع الطبي الذي تعجز وحداته من المستشفيات إلى المراكز الطبية الصغير عن تلبية احتياجات السكان، كما أن تعنت الاحتلال في إدخال المساعدات منع دخول الأدوات والمستلزمات الطبية التي يحتاجها إعادة التشغيل.
ومن هنا انبنت خطة “ترامب” للتهجير على وعودا كبيرة بوضع براق لا ينطوي على معاناة كتلك الموجودة في القطاع، فقال: إن الفلسطينيين سيعيشون بسعادة وأمان وحرية، حيث سيحصلون على منازل جديدة وحديثة، ما سيوفر لهم حياة مستقرة وآمنة.
وهذا ما طرح السؤال حول احتمالات أن تجد تلك الوعود استجابة لدى أهل غزة، بالنظر للوضع المعيشي الصعب فيها.
إجابة على هذا السؤال، أتى “بشير” على سرد التجربة الغزاوية طوال حرب الإبادة الجماعية والظروف البشعة التي عاشها أهل القطاع، فقال: “هذه التجربة مارسها الاحتلال في غزة على مدار 15 شهرا، فضيقت على السكان لاسيما في الشمال، حتى كان يصعب عليهم الحصول على طعام أو الشراب أو أدنى مقومات الحياة، وكان الحصار مطبقًا على تلك المناطق من أجل تهجير أهلها، فما كان من الفلسطينيين سوى التحرك داخل الحدود الجغرافية لقطاع غزة وليس خارجه، من المناطق الشمالية إلى الوسطى ثم الجنوبية بحثا عن الأمان لهم ولعائلاتهم، لكن جزءًا كبيرًا منهم رفض الانتقال من مكانه، وبقي في الشمال على الرغم من الجوع والمعاناة، وسط دوران رحى الحرب والقتل الذي كان يرتكبه الاحتلال على مدار الساعة”.
وأضاف: “وحين يتحدث ترامب عن التهجير، فإنه يهدف لتطبيق نفس السياسة الخانقة عبر التضييق على الفلسطينيين وتشديد الحصار، والعمل على جعل المناطق بالقطاع غير صالحة للحياة وليس فيها مقدرات، وسط معادلة الإعمار الذي يتطلب تقريبًا عقدين من الزمان، إذ أن هناك 2 مليون طن من الركام في غزة، كما أن البدء في الإعمار يحتاج إلى تكاتف التمويل والرعاية وجهود الشركات والدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، وعليه هو يضغط بهذا الاتجاه لإخراج الفلسطينيين، بحيث يتركونها طوعا لا قسرا”.
وتابع: “لكن التجربة تقول إن الشعب الذي عاد لمناطق لا حياة فيها وتصنف منكوبة، لن يغادر تلك الأماكن، ومن ثم لن يكون ترامب قادرا على إخراجهم، وإن تم الضغط عليهم سيصمدوا ولن يغادروا إلى شتات العالم، حيث يفضلون الموت في غزة على أن يتبعثروا بلا هوية، وأن يتم تذويبهم في شتات العالم، بحيث يفقد الفلسطيني هويته ويتحول إلى هوية أخرى غير الهوية الفلسطينية، حيث أثبت الفلسطيني للاحتلال والعالم وترامب وغيرهم أنه لن يغادر غزة ولا فلسطين مهما كلف الثمن”.
لا يريد استقبال لاجئين في أراضيه
ويريد من مصر والأردن استقبال من يريد تهجيرَهم من أراضيهم في غزّة!
انتقلنا من صهيوني دموي داعم إبادة
إلى تاجر بلطجي داعم تهجير!— Ghada Oueiss غادة عويس (@ghadaoueiss) February 3, 2025
وما أثار السخرية على مواقع التوصل الاجتماعي، أنه بينما يصر “ترامب” على تهجير الشعب الفلسطيني لدول أخرى، يرفض استقبال أي لاجئين لديه في الولايات المتحدة، بل ويطرد بعضهم كما فعل بالمكسيكيين فور توليه الحكم، ومن بينهم اللاجئين الفلسطينيين، ووضع الاستثناء الوحيد لذلك في تصريحات سابقة له، فتحدث عن حالات فردية من بينهم، فقال: سأنظر في السماح لهم بدخول أمريكا.
التدخل العسكري الأمريكي
مع الإصرار الواضح لأهل غزة على التمسك بأراضيهم، مقترنا بالرفض العربي والدولي الواسع لتهجير أهل غزة، لما رآه في تلك الفكرة من محاولة لتفريغ القضية الفلسطينية، أضحت الخطة غير قابلة للتنفيذ- حسب تقديرات صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.
وكونه أحد سكان القطاع النازحين اللذين ينتظرون فرصة العودة له، قيم “بشير” ذلك الطرح فقال: “حكومة نتنياهو بعضوية ركني اليمين المتطرف بن جفير وسموتريتش هي الحكومة الأكثر تطرفًا على مستوى جميع حكومات الاحتلال السابقة، حيث وصلوا لأقصى درجات التطرف ضد الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية والقدس أوغزة، وقد أتت بكل الأطماع اليمينية لتنفذها، فقد أتى ثلاثتهم بهذا الحلم الإسرائيلي بالقضاء على الفلسطينيين وتهجيرهم والقضاء على فكرة حل الدولتين وصولا إلى دولة يهودية خالصة، إذ أن سموتريتش هو الأكثر تأييدا لتلك الفكرة العنصرية ضد الفلسطينيين، ومن ثم يتوافق ما أتى به ترامب مع تلك الأفكار، لكن على الأرض تطبيق تلك ليس سهلًا كما يرونها”.
وأوضح ملابسات عدم سهولة الفكرة: “وحينما نجد في الشارع الإسرائيلي من يقول بعدم إمكانية تنفيذ تلك الخطة بسهولة، يتضح أن تشبث اليمين بتطبيقها ما هو إلا لأنها نجاة له من المحاسبة بعد ما حدث في 7 أكتوبر 2023، حيث أن انتهاء الحرب يعني بدء محاسبة قادة الاحتلال على التقصير في ذلك اليوم، وكذلك المحاسبة على ما حدث خلال 15 شهرًا من القتل والإبادة الجماعية، دون تحقيق لما أعلنوه من أهداف نظرية وضعت في بداية الحرب: القضاء على حماس، وتحرير الأسرى، ومنع التهديد من غزة؛ وهي عمليا أهداف لم يتم تحقيقها، ولم تصل دولة الاحتلال للنصر المطلق كما أرادت، ليقف اليمين المتطرف عاجزا عن تفسير ما حدث لجمهوره، لذا لم يكن أمامه إلا دعم خطط ترامب، ليقول أن التهجير هو النصر المطلق الذي أعلن عنه، حيث أن القضاء على الفلسطينيين ليس فقط بالقضاء على المقاومة، وإنما بتهجيرهم وإعادة السيطرة على غزة واحتلالها، بما يعني حصولهم على صورة النصر المطلق، وتلك رؤية اليمين إنما المعارضة ستحاسبهم بانتهاء الحرب”.
مع إعلان الخطة، ظهر ركن في اليمين المتطرف من بين عائلات الأسرى يؤيد أفكار اليمين بتهجير الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية خالصة، ومن ثم يؤيد خطة “ترامب”، لكنهم تحفظوا على طرحها قبل استعادة آخر أسير لدى المقاومة، حتى لا يؤثر تنفيذها على حياتهم.
وفي هذا الصدد، فند “بشير” حقيقة تلك الدعاوى، فقال: “في واقع تقوم دولة الاحتلال على القتال وتعيش عليه، لتظهر أمام الاحتلال بدور الدولة الضحية المعتدى عليها دائمًا، وأنها في حالة دفاع مستمر عن النفس، ومع ذلك لم تستطع الوصول لأسراها لتسكت أهاليهم بالحرب طوال عام وأكثر من 3 شهور، بل حصلت على من أفرج عنهم بالمفاوضات، وهو طريق تضطر للمضى فيه لاستعادة من تبقى منهم، ظنا منهم أن الأسرى هم ورقة الضغط الوحيدة التي تمتلكها المقاومة، وبحصولها على آخر أسير في القطاع، لن يكون أمامها عائق لاستئناف القتال والتدمير والعمل على تنفيذ خطة ترامب للتهجير، عبر تحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للحياة فيترك الأهالي القطاع طوعا لا قسرا، بحثا عن الاستمرار في الحياة على الأقل”.
واستطرد موضحًا تلك: “وفي الحقيقة، تبدو الأمور مقلقة حتى الآن فيما يتعلق بالعودة للقتال، نعم كثير من الإسرائيليين لا يرغبون في العودة للقتال لاسيما المعارضة، لكن يطمح اليمين الذي يعيش على القتل الدموي للعرب لاستمرار العمليات العسكرية، إذ يعتقدون أنهم في أزهى أوقات دولة الاحتلال، من حيث القوة التي وصلوا إليها بهذا التطرف اليميني، وبالدعم الأمريكي غير المحدود لهم، وبالتالي ماذا يعيق مواصلتهم للقتال؟ لاسيما في ظل عدم وجود ضمانات في المفاوضات لوقف إطلاق النار كامل، حيث يحتاج ذلك لضمانات ورعايات دولية تمنع الاحتلال من العودة للقتال”.
وتابع: “ولعل ذلك ما سيتم الحديث عنه خلال مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار، التي ستكون صعبة للغاية وبالمثل مفاوضات المرحلة الثالثة، ما قد يطور الأمر لعودة القتال في غزة، خاصة أن العدد الأكبر من الدفعات القادمة من الأسرى من القتلى، وحينما نتحدث عن أسير قتيل ليس مثلما نتحدث عن أسير على قيد الحياة، ما ييسر على نتنياهو العودة للقتال كون الأسرى الذين يتم التفاوض عليهم في عداد الموتى”.
ولأن الإصرار الشديد على تنفيذ الخطة يبدو جليا من واقع تصريحات “ترامب”- المصارع السابق، مهما كلّف الأمر، لاحت في الأفق احتمالات دخوله طرفًا في الحرب، على الرغم من نفيه ذلك، وتأكيده أن خطة التهجير “لن تتطلب وجودًا عسكريًا أمريكيًا” في غزة.
كما نقل رجال إدارته نفس المضمون، حيث صرح السيناتور الجمهوري “جوش هاولي” لصحيفة “نيويورك تايمز”: بأنه التقى “ستيف ويتكوف”- مبعوث “ترامب” للشرق الأوسط، وأكد له عدم وجود نية لدى الرئيس الأمريكي لإرسال أي قوات أمريكية إلى غزة، كذلك نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين بوزارة الدفاع: أن “هيئة الأركان الأمريكية لم تتلق حتى الآن أي طلبات لصياغة خطة لإرسال القوات إلى غزة، وأقرت ذلك القيادة الوسطى بالجيش.
لكن الصحفي الفلسطيني ابن قطاع غزة نظر للصورة من زاوية أخرى، فقال في تصريحاته لليوم: “الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في قطاع غزة بجيشها وجنودها وقنابلها وصواريخها وكامل عتادها العسكري الممنوح للاحتلال، ومن ثم لا يحتاج ترامب لمثل ذلك القرار لنجد الجيش الأمريكي يقاتل في فلسطين وتحديدا غزة”.
وتابع: “لكن الاحتلال هو الدولة الوظيفية التي تقاتل نيابة عن الولايات المتحدة، ومن ثم حيث يقاتل الجيش الإسرائيلي فإن ضمنيا الجيش الأمريكي هو من يقاتل، وحينما بدأت تلك الحرب مولتها الولايات المتحدة بجسر جوي من العتاد العسكري من الولايات المتحدة، وعليه فإنها هي من تقاتل، ولا يحتاج ترامب لإرسال قواته التي تحمل العلم الأمريكي ليقاتل بالقطاع، حيث لا يرغب أن يقال الجيش الأمريكي يقاتل في بقعة صغيرة إسنادا للاحتلال، وإن كان كلاهما فوق القانون الدولي؛ وإنما سيفرط في دعم الجيش الإسرائيلي ليستعيد هيبته التي كُسِرَت في 7 أكتوبر، بأنه الجيش الذي لا يقهر، وقد بدا ذلك واضحا في إفراجه عن عدد من الشحنات العسكرية من بينهما القنابل شديدة الفتك، التي أوقفت حكومة بايدن إرسالها في الفترة الأخيرة، ما يوضح أنه سيدعم الاحتلال بكل ما يتاح لتنفيذ مخططاته في الشرق الأوسط، فأمريكا تدعم إسرائيل دون حياد في ذلك، ومن هنا القادم في المنطقة سيكون أسوأ في ظل وجود ترامب على رأس الإدارة الأمريكية، والدعم غير المحدود الذي يقدمه للاحتلال”.
وأضاف عن “ترامب” الذي كان صريحًا بشأن التحرك وفقا للسلطة الأمريكية: “نحن نراه يتحدث ويقسم جغرافيا العالم كأنها قطع زراعية، يمكنه شرائها ثم إعادة ترتيبها مرة أخرى، حتى أنه في أفكاره حول أمريكا الشمالية تحدث عن ضم كندا ذات المساحة الجغرافية الهائلة إلى الولايات المتحدة، وبالمثل يتحدث عن قطاع غزة بنفس الشكل، فلا يرى قوة في العالم تقف في وجهه، ومن هنا لن يكون هذا الجنون الترامبي مقبولا في العالم، وقد شاهدنا ذلك في الرفض العربي المطلق لتلك الأفكار، وكذلك الرفض الأوروبي، بل وفي الداخل الأمريكي نفسه الذي اتهمه باختلاق الأفكار دون عرضها على الكونجرس للخروج بقرار دستوري”.
من يوقف ترامب؟
بمجرد إعلان “ترامب” عن خطته لتهجير الفلسطينيين، انبرت الدول العربية والأجنبية في إعلان الرفض القاطع لتلك الخطط، وكانت مصر في مقدمة تلك الدول الرافضة، حيث أعلنت الرفض ثم أصرت عليه في كل مرة تم الحديث فيها في هذا الأمر، حيث أبلغ الدكتور “بدر عبد العاطي”- وزير الخارجية- نظيره الأمريكي في اتصال هاتفي إصرار مصر على تعجيل إزالة الركام في غزة، وإعادة إعمار، مع بقاء أهل القطاع على أرضه، حيث يتمسكون بالبقاء فيه ويرفضون التهجير، مدعومين بمواقف الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي.
كذلك تحدثت مؤسسات أممية عن اعتبار تلك الخطة جريمة تطهير عرقي، وفقًا لنصوص القانون الدولي. ما يطرح التساؤل عمن يستطيع الوقوف أمام مخططات “ترامب” فيوقفها؟
أجاب “بشير على ذلك التساؤل، فقال: “بحكم التجارب مع ترامب فهو يمضي فيما يشاء، وقد شاهدنا ذلك حين أعلن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وكذلك حين أعلن الجولان السوري العربي أرضًا تابعة لإسرائيل، لم نجد من القانون الدولي سوى إدانة التصريح، لكن على أرض الواقع ظل هذا الاعتراف أمريكيا فقط، ونقل سفارته إليها ولم يتبعه سوى بعض الدول التي تحوم في فلكه، إذ يظل القانون قانون، وإن تجاوزته الولايات المتحدة يسجل عليها انتهاكا للقانون، وهذا الإجراء الذي أتى به بالقوة لن ينال الشرعية القانونية، وسيظل احتلالًا ولن ينال الاعتراف الشرعي من دول العالم، ومن ثم ما سيقدم عليه ترامب حال أقدم عليه لن يكون إلا احتلالا أمريكيا لقطاع غزة، ولن تسمى الرؤية الترامبية إلا بالتهجير القسري للسكان، وتكون انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وفي نهاية المطاف سيتم عزله بأفكاره العنصرية عن الإجماع الدولي، وستلاقي الكثير من المعارضة، وسيحسب حساب العالم العربي باعتباره قوة إقليمية”.
على الجانب الآخر، كانت السلطة الفلسطينية أحد القوى التي أعلنت رفضًا صريحا لمشروعات “ترامب”، وقالت: “إن فلسطين بأرضها وتاريخها ومقدساتها ليست للبيع”، وهي ليست مشروعا استثماريًا، وجاءت من بين مسوغات الرفض في بيانها رفض تكرار نكبتي 1948 و1967.
كما تحدثت عن نيتها العمل على إفشال أي من تلك المخططات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية باستخدام المشروعات الاستثمارية، التي لن تكون فلسطين أرضًا لها، ما يظهر وضعها لاعب رئيسي في مواجهة مخططات الرئيس الأمريكي، ويطرح التساؤل حول قدرتها على إيقافه.
أجاب “بشير” على ذلك التساؤل، فقال: “السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها تحارب للاعتراف الدولي بفلسطين، حتى أضحت فلسطين أمام دول العالم والأمم المتحدة دولة تحت الاحتلال، وهي خطوة سياسية ودبلوماسية مهمة، كما تقف بكل قوتها لترفض تلك المشروعات الإسرائيلية- الأمريكية، التي لن تفرض على الشعب الفلسطيني، طالما كان هو الموجود على الأرض، فهو كلمة السر في صمود المقاومة والسلطة معا، حيث أن رفضهم مغادرة أراضيهم هو المعضلة التي تقف أمام إسرائيل، لتمرير مخططاتها بإفراغ الأرض من الشعب وصولا لجغرافيا فارغة تستطيع السيطرة عليها”.
أما عن الكيفية التي يمكن بها إيقاف تمرير تلك المخططات، والخطوات العملية التي يجب اتخاذها لتنفيذ ذلك، قال: “يمكن للسلطة الفلسطينية تحويل هذا المخطط الإسرائيلي لمشروع فاشل، بممارسة عملها بثبات على كامل الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس الشرقية، وتمديد تواصلها مع العمق العربي للحصول على الدعم الموحد ضد الإجراءات الأمريكية، وتفعيل الدبلوماسية العربية لأجل ذلك، وتفعل القانون الدولي وتتجه للأمم المتحدة لإدانة تلك المشروعات الأمريكية، فذلك من شأنه أن يجعل هناك قانونًا يوقف القرار الأمريكي- الإسرائيلي، الذي يسعى للقضاء على الوجود الفلسطيني، ما يدحضه في النهاية”.
مستقبل غامض
في تصريحات “ترامب” اليوم أكد نيته ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وسط حديثه عن تهجير الفلسطينيين من غزة، بما يجعل تصريحات تتكاثر بوتيرة توحي بأنه يطلقها لغرض، ربما جس النبض لتحقيق مطامع أكثر، وهو ما أكده “بشير” في تصريحاته، فقال: “بالتأكيد عرض ترامب ذلك المشروع على بعض الدول العربية بغرض جس النبض، ليمضي فيها حال موافقتهم، وحينما واجهوه بالرفض- بدءًا من الموقف المصري الحازم من رئيس البلاد وحكومتها والخارجية، وحتى الشعب الذي تظاهر عند معبر رفح رفضا للمخططات وأن الأمن القومي المصري خط أحمر، ما تطابق مع الرغبة الفلسطينية”.
وتابع: “ويؤكد ذلك تراجعه مطالبا دولا أخرى بقبولهم مثل المملكة العربية السعودية، ومع الرفض بحث عن دول أخرى؛ ما يعني أن الرفض الجمعي لتلك الدول أفشل بالونات الاختبار الترامبية، التي أطلقها جسا للنبض، وليس أدل على إفشالها من تصريحه بأنه غير متعجل لتنفيذ الخطة، فهو لن يستطيع تجاوز القانون الدولي بهذه السرعة والقوة”.
وأمام بالونات الاختبار والغموض الكبير حول مستقبل أهل غزة والقطاع، كان الصمود هو حجر الزاوية في تلك المعادلة، حيث تحدث “بشير” عن مستقبل غزة في ظل الإرهاب والوعيد الأمريكي- الإسرائيلي، فقال: “من منظور الأمر الواقع، أضحت غزة منطقة غير صالحة للحياة، ما يوحي باحتمال أن يتركها أهلها مهاجرين بحثا عن مكان أفضل، ليذوبوا في شتات العالم وتتحول غزة إلى ريفيرا يسيطر عليها ترامب، محولا إياها إلى منتجع سياحي يستثمره لصالحه وصالح دولة الاحتلال، لكن على جانب الحقيقة يعيق وجود الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه في غزة تطبيق سياسة الأمر الواقع تلك”.
وأضاف: “لن يمكن طرد أهل غزة من على أراضيهم، على الرغم من وجود أكثر من 60 ألف شهيد فلسطين ومفقود تحت الأنقاض، وأكثر من 100 ألف مصاب، وكل هذا الدمار الذي طال منازل غزة ومستشفياتها ومدارسها وجوامعها وكنائسها، وكل ما يسمح بوجود حياة فيها، لكن مشروع التهجير ليس واردا في الفكر الفلسطيني، وإلا كان غادر غزة تحت وطأة القتل المستمر لأكثر من 15 شهرًا”.
تعليق واحد