المرأة التي أزعجت إسرائيل وأمريكا.. تعرفوا على فرانشيسكا ألبانيز

تقرير: سمر صفي الدين
“أقف بثبات إلى جانب العدالة، أنتمي إلى بلد عريق في القانون، حيث ضحى المحامون والقضاة بحياتهم من أجل العدالة”.. بهذه الكلمات ردت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضدها، على خلفية تقاريرها المنتقدة للعدوان الإسرائيلي على غزة، ودعواتها المتكررة لمحاسبة المسؤولين عن ما وصفته بـ”الإبادة الجماعية”.
العقوبات الأمريكية، التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، طالت ألبانيز بسبب ما وصفه بـ”محاولاتها غير الشرعية والخطيرة للتأثير على المحكمة الجنائية الدولية”. عبر المطالبة بإجراء تحقيقات ومحاكمات تطال مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، وشركات متعددة الجنسيات متورطة في دعم الحرب على الفلسطينيين.
وروبيو قال إن ألبانيز “غير صالحة” لمنصبها، واتهمها بمعاداة السامية ودعم الإرهاب وازدراء الولايات المتحدة والغرب.
فرانشيسكا ألبانيز: “كيف يمكننا أن نغض الطرف عن تدمير المستشفيات، وقتل الأطفال، وتهجير أكثر من مليون إنسان؟ إنني أصف الواقع كما هو، ومن ينزعج من الحقيقة عليه أن يراجع أفعاله، لا أن يعاقب من يفضحها”.
تقرير “تشريح الإبادة الجماعية”
خلف التصعيد الأمريكي يقف تقرير بالغ الأثر قدمته ألبانيز لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس 2024، بعنوان “تشريح الإبادة الجماعية”. استعرض الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، التجويع المتعمد، والحصار، والتدمير الممنهج للبنية التحتية في غزة.
واستند إلى تعريف الإبادة الجماعية في القانون الدولي، ليخلص إلى وجود “أسس منطقية تدفع للاعتقاد بأن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية”.
وطالبت ألبانيز، في التقرير ذاته، بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف العدوان على المدنيين.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الضغوط ضدها، وتعرضت لحملات تشويه وتحريض من جهات سياسية وإعلامية إسرائيلية وأمريكية.
قائمة التواطؤ.. بداية اللعنة
في يوليو 2025، أصدرت ألبانيز تقريرًا جديدًا وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بـ”المدمر”، حمل قائمة تضم 48 شركة ومؤسسة غربية، بينها عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل، أمازون، مايكروسوفت، بالإضافة إلى شركات أسلحة كـ”لوكهيد مارتن”. ومؤسسات أكاديمية مثل معهد MIT، وجهت إليهم اتهامات واضحة بـ”التواطؤ في جرائم حرب، وفصل عنصري، وإبادة جماعية” ضد الفلسطينيين.
وأوضحت أن هذه الكيانات حققت مليارات الدولارات من الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية مع منظومة الاحتلال. مطالبة المجتمع الدولي بفرض قيود قانونية ومحاسبة جميع المتورطين، سواء كانوا حكومات أو شركات أو أفرادًا.
كما تساءلت علنًا عن أسباب سماح ثلاث دول أوروبية للطائرة الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعبور أجوائها، رغم صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.
ألبانيز: ترهيب مافياوي
تعتبر ألبانيز من أبرز الشخصيات الحقوقية المطالبة بعزل الاحتلال الإسرائيلي سياسيًا واقتصاديًا، ودعت مرارًا إلى حظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، وقطع العلاقات المالية والتجارية معها. مؤكدة أن هذه الخطوات ليست مواقف سياسية، بل التزامات قانونية نابعة من اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
في تصريحاتها الأخيرة، وصفت العقوبات الأمريكية بأنها “ترهيب مافياوي”، مضيفة: “القرار الأمريكي قد يقيد تحركاتي ويؤثر على عملي، لكنه لن يسكت صوت الحقيقة. من يدافع عن الضحايا لا يجب أن يعاقب، بل يحمى”.
من هي فرانشيسكا ألبانيز؟
ولدت ألبانيز عام 1977 في مدينة أريانو إيربينو بجنوب إيطاليا، وسط عائلة سياسية وحقوقية.
وهي محامية دولية وباحثة في القانون الدولي، اختيرت في مارس 2022 لتكون المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
عرفت بدفاعها الصريح عن القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وشاركت عام 2020 في تأسيس الشبكة العالمية لقضية فلسطين، التي تهدف إلى دعم وكالة الأونروا وتحليل أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من منظور قانوني.
العدوان على القانون الدولي
رد الفعل الأممي على القرار الأمريكي لم يتأخر. إذ اعتبر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن العقوبات تمثل “سابقة خطيرة”، مؤكدا أن المقررين الأمميين يتمتعون بالاستقلال، ولا ينبغي إخضاعهم لعقوبات بسبب آرائهم أو تقاريرهم الحقوقية.
في السياق ذاته، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار إن “المقررين لا يعينون لإرضاء الحكومات، بل لأداء ولايتهم القانونية”، داعية الولايات المتحدة إلى التراجع عن ما وصفته بـ”العدوان على القانون الدولي”.