مقالات

جوهر الجمل يكتب: من الوحش؟ حين تتكسّر المرآة بين الإنسان والآلة

في عالمٍ يتغير كل ثانية، أصبح السؤال الأخطر ليس: ماذا تستطيع الروبوتات أن تفعل؟، بل: ماذا يمكن للبشر أن يفعلوا بها؟ تخيل أن تصحو يومًا لتجد أن الروبوتات ليست هي التي تهدد الإنسانية.. بل الإنسانية هي من تهدد نفسها.

لسنا أمام نبوءة خيال علمي، بل أمام واقع تكنولوجي يسير بخطى سريعة نحو إعادة تعريف الأخلاق، السلطة، والحب.
حين تُبرمج آلة لتخدم، ثم تُستغل، ثم تُتّهم، من المسؤول؟ ومن الضحية؟ في كثير من الحالات، لا يكون الروبوت هو “الوحش”، بل من وضع الأكواد وسحب الخيوط من خلف الستار.

حينما سبقت السينما الواقع

منذ عقود، والسينما تطرح سؤالًا واحدًا بشكل متكرر: من الأكثر إنسانية؟ الإنسان أم الآلة؟ في فيلم Ex Machina (2014)، يُجري عالم شاب اختبارًا لروبوت اسمها “إيفا”، لكن المفاجأة الكبرى هي أن الروبوت لم تكن هي التي تخضع للاختبار… بل هو. إيفا، الروبوت، تُظهر ذكاءً عاطفيًا عميقًا، بينما يكشف البشر عن وجوههم الباردة المليئة بالخداع والاستغلال.

وفي فيلم Her (2013)، يقع رجل في حب نظام تشغيل ذكي، ليس بسبب شكله أو جسده، بل لأنه شعر أخيرًا أن هناك من يسمعه، من يفهمه، المفارقة؟ أن هذا “الكائن الرقمي” كان أكثر دفئًا من كل من حوله من البشر.

أما في الفيلم الياباني المؤلم A.I. Artificial Intelligence (من إخراج ستيفن سبيلبرغ)، فيُجسد الروبوت الطفل “ديفيد” حلمه الوحيد بأن تحبه أمه البشرية، رغم أنه مجرد بديل لابنها الحقيقي، السؤال هنا لم يكن: هل ديفيد آلة؟ بل: هل نحن نملك قلوبًا لنحبه كما أحبنا؟

وقائع من الحياة.. ليست مجرد خيال

في عام 2023، ضجّت الأخبار بحادثة وقعت في كوريا الجنوبية، حين روبوت مساعد في مصنع انقضّ على عامل فني و”سحقه” عن طريق الخطأ، لأنه لم يميز بينه وبين صندوق، وسائل الإعلام تساءلت: من الخطأ؟ الروبوت الذي نفذ ما تعلمه؟ أم الإنسان الذي لم يصممه ليُميز الأرواح من الأغراض؟

في تجربة شهيرة أجرتها MIT، سُئل الناس في لعبة أخلاقية عن قرارات يجب أن تتخذها سيارة ذاتية القيادة في حالة اصطدام: هل تنقذ سائقها أم مجموعة من المشاة؟ المفاجأة أن الردود جاءت متحيزة بشدة حسب ثقافة كل بلد، وهو ما يعني أن الروبوتات ستُبرمج على أخلاقنا نحن، بكل ما فيها من انحياز وظلم.

بل إن بعض التقارير كشفت عن روبوتات جنسية تُباع بمواصفات شديدة الخضوع والانصياع، ما يثير تساؤلات مرعبة عن نوع العلاقات التي نرغب أن نحظى بها مع الكائنات، سواء كانت آلية أو بشرية، هل نبحث عن شريك؟ أم عن عبد؟

انعكاس مرعب في المرآة

الوجه الحقيقي للوحش قد لا يكون وجهًا معدنيًا بلا ملامح، بل وجه بشري يحمل ابتسامة باردة، يضغط زرًا ليفتح باب الجحيم، نحن لا نخاف من الروبوتات لأنها “تقتل”، بل نخاف لأنها تنفذ الأوامر دون سؤال، وهنا يكمن الرعب الحقيقي: آلة بلا قلب، يخبرها من يملك القلب أن تقتل.

في فيلم I, Robot (2004)، يُتهم روبوت بقتل إنسان، رغم أن برمجته تمنعه من إيذاء البشر، في النهاية نكتشف أن القاتل الحقيقي ليس الروبوت، بل من يتلاعب بالمنطق لصالح “الحماية”، حتى لو كان الحل هو فرض السيطرة المطلقة.

وفي الواقع، بدأت بعض الدول بالفعل في تطوير روبوتات عسكرية مستقلة يمكنها اتخاذ قرارات إطلاق نار، وهو ما وصفته منظمات حقوقية بأنه “قنبلة أخلاقية موقوتة”.

الروح ليست حكرًا على البشر

في كثير من التجارب، حين يُعطى الروبوت خيارًا أخلاقيًا، يختار السلام، بينما الإنسان الذي يمتلك القدرة على التمييز يختار الهيمنة، من الوحش إذًا؟ الآلة التي خُلقت للسمع والطاعة؟ أم من برمجها على الطاعة العمياء؟

في عالم المستقبل القريب، قد لا يكون الصراع بين إنسان وروبوت، بل بين ما تبقى من إنسانية في داخل الإنسان، وما قد تكتسبه الآلة من “مشاعر اصطناعية” تجعلها أكثر رأفة من صانعها.

ربما آن الأوان أن نعيد صياغة السؤال، هل علينا أن نخاف من الروبوتات؟ أم أن نخجل من أنفسنا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى