محمود أبو الحسن يكتب: نُطارد الحقيقة.. ويُطاردنا الصمت

العمل الصحفي ليس مجرد نقل للأخبار أو سرد للوقائع، بل هو مطاردة يومية للحقيقة، والصحفي، في كل مرة يرفع فيها هاتفه للاتصال بمصدر، لا يبحث عن مجاملة، ولا يسعى لامتياز خاص، بل يؤدي واجبه المهني تجاه الناس، ومع ذلك، يواجه في كثير من الأحيان جداراً من التجاهل، يُحيله من ناقل للخبر إلى متسول لكلمة… كلمة قد لا تأتي.
في الواقع اليومي للصحفيين، يتحول الهاتف إلى وسيلة للقلق أكثر مما هو أداة للتواصل، خاصة بأن هناك مصادر لا ترد أبداً، وأخرى ترد بعد أسابيع، وإن ردت، جاء الرد مقتضباً، غامضاً، وكأن الصحفي يطلب سراً سيادياً، لا مجرد توضيح أو تصريح يُسهم في بناء وعي عام.
هذه الحالة لا تعكس فقط عدم تعاون، بل تتجاوزها إلى انتقاص من قيمة الصحافة ودورها، إذ أن تجاهل الاستفسارات، وعدم الرد أو حتى الاعتذار، لا يضر الصحفي فحسب، بل يضر الحق العام في الوصول إلى المعلومة، ويزيد الفجوة بين المواطن والحقيقة.
المعلومة ليست ترفًا، والصحفي لا يؤدي دورًا شخصياً أو دعائياً؛ هو يعمل لصالح المجتمع، ويُسائل بالنيابة عن الرأي العام، تجاهله، أو التكبر عليه، يعني عملياً أن بعض المسؤولين أو الشخصيات العامة لا يرون أن الناس تستحق المعرفة.
لكن وسط هذا المشهد المرهق، هناك ومضات نور لا يمكن إنكارها، فهناك من يقدر دور الصحافة، ويرى في الصحفي شريكًا لا عبئًا، فبعض المصادر تتعامل باحترام، ترد بلغة واضحة، وتفهم أن وظيفتها تكمل دور الإعلام في خدمة الناس.
هؤلاء هم من يمنحون الصحافة بعض الأمل، ويجعلون المهنة أقل قسوة، ويعيدون الثقة بأن المنصب لا يجب أن يعزل صاحبه عن الناس، بل يقربه منهم عبر قناة الصحافة.
إن احترام الصحفي ليس ترفًا ولا مِنة، بل واجب على كل من يتولى مسؤولية عامة، والتجاوب مع الأسئلة، والرد على الاتصالات، هو جزء من الشفافية والمحاسبة التي تُبنى بها المجتمعات، ولكل من يرد، ويوضح، ويفهم أن الصحفي لا يسأل لذاته، بل لمجتمع كامل… نقول له شكراً لأنكم تثبتون أن بين الضوضاء، لا تزال هناك أصوات تحترم الحقيقة، وتعلم أن الكلمة أمانة، وأن المعلومة حق لا يجوز حجبه.