عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ورفاقه مجزّرين كالأضاحي على رمال كربلاء

بقلم الكاتب والمفكر الإسلامي
عبدالرحيم أبو هارون الشريف
عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وهو يوم معظم منذ الجاهلية، يصومه المسلمون، وهو أيضا يوم ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي حفيد رسول الله، و يحيي يوم عاشوراء الملايين حول العالم ليتذكروا موقف الإمام الحسين الشجاع من أجل العدالة الاجتماعية، ضد طاغية فاسدة يدعى يزيد، ورغم
أن الإمام الحسين استشهد في المعركة، إلا أنه كان منتصرا من خلال مبادئه حيث أثارت تصرفاته والموقف الذي أدلى به في كربلاء سلسلة من الانتفاضات الصغيرة ضد نظام يزيد المستبد مما أدى إلى انهيار هذا النظام . أخذ جيش يزيد النساء والأطفال من مخيم الحسين كأسرى حرب و سار بهم من الكوفة إلى دمشق، حيث تم احتجازهم وقامت شقيقة الإمام الحسين السيدة زينب وابنه زين العابدين، بالوقوف بوجه يزيد وتحديه في حرمه الخاص في الخطبة الشهيرة الذي وصلت أصداؤها لجميع الموالين والمعارضين. من هناك بدأت عائلة الحسين المتبقية بنشر خبر ما حصل في كربلاء والجرائم التي ارتكبت في يوم عاشوراء.
هو : الحسين بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمه: السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك يُعرف بـ “سبط رسول الله”
كنيته : أبو عبد الله .
ألقابه : لُقّب بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، والشهيد ، وسيد الشهداء، وبألقاب آخرى مثل: الزكيّ، والطّيب، والوفي، والسّيد، والمُبارك.
إخوته : للحسين بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهم: الحسن والمحسن (مات جنينا في بطن أمه)وزينب وأم كلثوم ، والإمام الحسين هو الابن الثاني للإمام علي والسيدة فاطمة بعد الإمام الحسن رضي الله عنهما وارضاهما.
زوجاته :شهربانو، ليلى بنت أبي مرة الثقفي، الرباب بنت امرئ القيس، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، السلافة امرأة من بلي بن عمرو
أولاده : علي الأكبر، علي السجاد، عبدالله، فاطمة، سكينة زينب الصغرى (حورية) ، رقية .
ولد في شهر شعبان سنة 4 هـ، وأُتِيَ به إلى النبي سيدنا محمد عليه السلام، وأذن في أذنيه جميعًا بالصلاة، وعقّ عنه بكبش كما فعل مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، توفي جده النبي محمد عليه السلام سنة 11 هـ وكذلك توفيت أمه السيدة فاطمة في نفس السنة، شارك الإمام الحسين عليه السلام مع الإمام الحسن في الجهاد في عهد سيدنا عثمان، فشارك في فتح إفريقية تحت إمرة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وشارك في فتح طبرستان وجرجان في جيش سعيد بن العاص، كما شارك في معركة الجمل ومعركة صفين.
كان الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام أشبه الناس بالنبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن كان الإمام الحسن أكثر شبهًا، فعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله ﷺ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.». وقال: «الحسين أشبه برسول الله ﷺ من صدره إلى قدميه». وكان أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، قال عمر بن عطاء: «رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد».
وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، قال أبو سعيد الخدري: «رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر، ثم أتيا الحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول ﷺ، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن.».
بويع أخوه بالخلافة، واستمر خليفة للمسلمين نحو ثمانية أشهر ويقال أيضاً 6 شهور ، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور. وانتقل الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام من الكوفة إلى المدينة المنورة، وبعد وفاة الإمام الحسن استمر الإمام الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية، وبعد موت معاوية رفض الإمام الحسين بيعة يزيد بن معاوية وخرج إلى مكة ومكث فيها أشهرًا، فأرسل له أنصاره بالكوفة رسائل تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ولكن وإلى الكوفة الجديد عبيد الله بن زياد استطاع الإيقاع بمسلم وقتله، وتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.
خرج الإمام الحسين إلى الكوفة، وفي طريقه إليها مرّ على منطقة زباله فوصل إليه حينئذٍ خبر مقتل سيدنا مسلم بن عقيل وخذلان أهل الكوفة، وتوجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلى كربلاء لقى جيش عمر بن سعد المكون من أربعة آلاف مقاتل، عارضًا على الإمام الحسين النزول على حكم ابن زياد، وبعد فشل المفاوضات دارت معركة كربلاء، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر، وطعنه سنان بن أنس واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء. وبحسب مرويَّات الشيعة، فإن رأسه قد دُفِن في كربلاء مع جسده عند عودة نساء أهل البيت من الشام، وكان مقتله يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق 10 أكتوبر سنة 680م . ويسمى بعاشوراء
نستعرض في البداية مكانة الإمام الحسين عليه السلام:
للحسين بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته ، وسيد شباب أهل الجنة، وخصَّه النبي بقوله أنه منه، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بها الأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:
وصفه أنه من النبي والنبي منه، عن يعلى بن مرة قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ».
عن أبي هريرة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي».
عن عبد الله بن مسعود قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ:أَنْ دَعُوهُمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ. فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجل عبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله ﷺ، وقال النبي ﷺ: هما ريحانتاي من الدنيا».
ووصفه بسيد شباب أهل الجنة، عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله ﷺ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما».
أما أحداث عن يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، يوم عاشوراء
خرج ابن زياد إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، وبدأ بعض أهل الكوفة يتسللون لنصرة الحسين. وفي صباح يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، عزم الحسين وأصحابه على القتال ، وكان معه 32 فارسًا و40 راجلًا، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر الأسدي على الميسرة، وأعطى الراية للعباس بن علي. وجعل البيوت وراء ظهورهم وأتى بحطب وقصب وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوا وراء ظهورهم. وأما عمر بن سعد فجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجال شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويدًا مولاه.
وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول الله ﷺ ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضم الحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.
وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الإمام الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الإمام الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكوني – وكان على الرماة – صبر أصحاب الإمام الحسين تقدم إلى أصحابه – وكانوا خمسمائة نابل – أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الإمام الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنه علي الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.
فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الإمام الحسين عليه السلام خشية أن يبوء بقتله، فقام شمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الإمام الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي.
وأرسل عمر بن سعد برأس الإمام الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.
روي عن النبي عدة مرويات أنه أخبر بأن الإمام الحُسين سيُقتل، منها أن جبريل أو ملك المطر أخبره بذلك، ومنها أنه رأى رؤيا بذلك،
فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك قال: «اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِي ﷺ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لأم سلمة رضي الله عنه: «احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ» فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، فقال النبي ﷺ «نَعَمْ» قال: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فأخذت أم سلمة ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قال: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ.».
وروى البيهقي في سننه عن أم سلمة أنها قالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فقلت: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «أَخْبَرَنِي جبريل أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ – لِلْحُسَيْنِ -»، قال: قلت له: يَا جِبْرِيلُ، أرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا.». وكذلك قوله: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ»، وأخرج ابن السكن والبغوي عن أنس بن الحارث الكاهلي عن النبي محمد أنه قال: «إن إبني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره». وغير ذلك من الروايات.
ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ»
يمكن القول بإنَّ إعلان سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) ثورته على الأمويين، كانت من أجل الحفاظ على الشريعة الإسلامية وتعاليمها وعلى الأمّة ومصالحها، تجاه كلّ الإنحرافات التي ظهرت فيها، وهذا ما تُحمّله المسؤولية الدينية عليه، باعتباره إمام الأمّة وفقاً لقول الرسول(صلى الله عليه واله): «الحسن والحسين إماما أمّتي ، بعد أبيهما ، وسيّدا شباب أهل الجنّة»
فضحّى بنفسه وولده وإخوته وأبنائهم وأبناء عمومته وعدد من أنصاره من غير الهاشميين في سبيل ذلك، وقد أحدثت هذه الواقعة الشجيّة ـ ولازالت ـ جروحا في النفوس النقية لا تندمل، وكلّما تجدّد سقف الزمن تزداد مساحة هذه المأساة أسى ولوعة، وآفاقها سمواً وفخراً…
وكانت تجربة الطفّ الرائدة تحمل حرارة صدق الجهاد، ووضوح رؤيته النضالية، فكان لهذه التجربة صداها الواسع على امتداد مراحل التاريخ، وفي كلّ صفحة من صفحاتها، ومن بين تلك الصفحات المؤثّرة في ضمير التاريخ هو سبي آل البيت(عليهم السلام) من الطفّ إلى بلاد الشام، ولم تنتهِ تلك الصفحات وإلى يومنا هذا.
عندما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته في المباركة كان شعاره الذي دوّى في الأوساط والذي نصَّ عليه: «إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خيرالحاكمين»
أما يزيد لعنه الله كان الهمُّ والشاغل لهم هو بقاء سلطتهم ، فلم يعيروا لأبناء الرسول وذريته أيَّ اعتبار وأهمية، إذ إنّ بقاء الحكم في يدهم وبقاء السلطة تحت قبضتهم كان شغلهم الشاغل، للأسف هناك في زماننا الحالي من يدافع عن الطائفة الثانية بتعبيرات ركيكة واهيه، من قبيل : أن الحسين خرج عن حده فقُتِل بسيف جده ، متغافلين عن أحاديث النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حقه وحقّ أخيه (عليهما السلام)، متناسين لأهداف خروجه ولمقولاته وأحاديثه ونداءاته.
يزيد الفاسق الفاجر أطباعه منافية للإسلام ، فقد نقل التاريخ أنّ يزيد الذي استولى على الحكم لمدة ثلاث سنوات، في كل سنة لم تخلو من انتهاك لأحد الرموز الإسلامية، ففي أول سنة قتل سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وفي السنة الثانية انتهك حرمة المدينة وأباحها لجنده لمدة ثلاثة في حادثة معروفة باسم (وقعة الحرّة) وفي السنة الأخيرة رمى الكعبة الشريفة بالمنجنيق.
الشاهد الثالث على الفرق بين الإمام الحسين وطائفته ويزيد وطائفته : شرب الماء إذ أن طائفة الإمام الحسين (عليه السلام) : عندما التقى الإمام (عليه السلام) بالحر بن يزيد الرياحي في الطريق للكوفة، وكان الحرّ ومن معه عُطاشى، أمر الإمام (عليه السلام) أتباعه بأن يسقوا الحرَّ ومن معه بل وحتى الخيل، فقال الإمام (عليه السلام): «اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا».
الطائفة الأخرى طائفه يزيد لعنه الله: عندما اشتدّ الجوع والعطش بالامام الحسين وأصحابه وأهل بيته، لم تكترث هذه الطائفة بعطش الإمام (عليه السلام) ومن معه، بل منعوا حتى الرضّع من الماء، فكلُّ مَن كان ينتمي لمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام) كان محروماً من الماء. التعليق: لا ريب في أنّ الماء هو أساس الحياة، ولولاه لما استمرت هذه المعيشة للمخلوقات، ومنع الكائنات الحيّة منه إعدامٌ لها، وتصرّف الإمام الحسين (عليه السلام) لا ينافي هذه الحقيقة بل هو مصداق لها، ولا عجب في تصرُّف الإمام هذا، لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل هذا الفعل سابقا،
إذ ذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة) أنَّ (معاوية) لما غلب على ماء الفرات لم يسمح لجيش عليّ (عليه السلام) بالشرب من الفرات، وبعد أن اقتحم مالك الأشتر الشريعة وأرجع جيش (معاوية) عن الماء، بعث إلى عليّ قائلاً له : هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء. فلما غلب أهل العراق على الماء لم يمنع عليّ بن أبي طالب الماء عن أعدائه، وهذا من خلق السماء، ولذا قال (معاوية): إنَّ علياً لا يستحل منك ما استحللت منه، وإنَّ الذي جاء له غير الماء . ومما يضحك الثكلى أنّ الأمير (عليه السلام) قام بهذا الفعل مع معاوية بن سفيان الذي منع الأمير (عليه السلام) عندما استولى معاوية على الماء في الحرب المعروفة بينهما بإسم -صفين-. وتعود نفس الكرّة بين ابنيهما، فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يمنع جند يزيد بل حتى الخيل قد سقاها لهم، ولكن يزيد سار على نهج أبيه في منع ذرية النبي (صلَّى الله عليه وآله) من لذيذ الماء.
الشاهد الرابع : صلة الرحم طائفة الإمام الحسين (عليه السلام):
عندما جاء الشمر (عليه لعائن الله) بكتاب أمان إلى العباس وإخوته، ذلك لأن الشمر كان يقرب إلى العباس وإخوته عن طريق أمّه، أمر الإمام الحسين (عليه السلام) العباس بأن يتحدّث معه وإن كان عاصياً، ذلك لأنّ لصلة الرحم عُلقة لابدّ من أن تُصان أما الطائفة الأخرى: كان عمر بن سعد قريباً للإمام الحسين (عليه السلام) ولكنه لم يراع حرمة هذه القرابة، بل إنّه فضّل الوعد الذي وعدوه به وهو ملك الريّ على أن يحفظ سلالة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى أن يحفظ صلة القرابة التي تربطه مع الإمام (عليه السلام).
على الرغم من التوصية العظيمة من الإسلام بحفظ القرابات وصلات الرحم وأنّها من الأمور التي تثير حميّة الإنسان إذا تعرض متعرّضٌ لرَحِمه، ولكن نرى النماذج الساقطة التي رخص الرحم في عقليتها وعرفها بسبب المال والمناصب، فلكنهم خسروا الدنيا والآخرة، فهم لم ينالوا ما وعدهم الطغاة في ذاك الزمان ولم يفوزوا في الآخرة ذلك لأنّهم قتلوا سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
يزيد الذي حكم لمدة ثلاث سنوات فقط، ارتبط اسمه بمجموعة من الأحداث الدموية، شديدة الوطأة في تاريخ المسلمين، ومن أهمها المذبحة التي تعرّض لها حفيد الرسول، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رضي الله عنهما وارضاهما، مع مجموعة من أهله، في كربلاء سنة 61هـ.
وعام 60هـ/ 679م ، ومع وفاة معاوية بن أبي سفيان ، تفجرت تلك الخلافات، وظهرت على الساحة السياسية، بعدما طلب يزيد مبايعة المعارضين له بشكل واضح. رفض الإمام الحسين وابن الزبير، وتركا المدينة، ورحلا إلى مكة بعيداً عن قبضة الأمويين القوية.
ومع نهايات العام الستين للهجرة، قرر الإمام الحسين بن علي السفر إلى الكوفة، بعدما وصلته آلاف الكتب من أهلها ووعدوه بالنصرة وتأييده
الأحداث المتسارعة وصلت إلى ذروتها في العاشر من محرم من عام 61هـ، في منطقة كربلاء في العراق، عندما اعترض جيش الأمويين طريق سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ومَن معه من أهل بيته ورفاقه، لتقع معركة غير متكافئة بين الطرفين، سقط فيها حفيد الرسول مضرجاً بدمائه بعدما تخلى الكوفيون عن نصرته .
وبعد منتصف النهار أمر بحمل الركب الحسينيّ من بنات النبوّة على إبِلٍ بلا وطاءٍ ولا غطاء، ثمّ مَرّ الركب الكئيب على حومة الطفّ الرهيبة، ووقعت الأنظار على تلك المشاهد المأساويّة المؤلمة، حيث الإمام الحسين سيّد الشهداء(عليه السلام) وحوله كوكبة الشهداء، مجزّرين كالأضاحي على رمال كربلاء!.
وكان ابنُ سعد قد سيّر رؤوس الشهداء إلى الكوفة، فإذا حلّ الزوال ارتحل ومعه لفيفٌ من أسرى آل بيت المصطفى(صلوات الله عليه) من نساء الإمام الحسين وصبيته، وعيالات أصحابه.
وقد وقفت العقيلةُ المكرّمة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين(عليهما السلام) على بدن أخيها الإمام الحسين عليه السلام وصاحت : (وامحمّداه! صلّى عليك مَليكُ السَّماء، هذا حسينٌ بالعراء، مُرمّلٌ بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتُك سبايا وذرّيتُك مُقتَّلة!!).
ثمّ سارت جبلُ الصبر.. والبكاء والعويل يغزو مسامعها من كلّ حدبٍ وصوب، فيفترش الألمُ أضلعَها ليزيدَ قلبَها الموجوعَ مرارةً وحرقة، فقد غابت الأقمارُ وذُبحت الشموسُ وسُلبت أجسادُ الأطهار وسُبيت الدُرر والجواهر ، سارت وفي قلبها المألوم لوعة.. فالأجسادُ خلفها والرؤوسُ أمامها، واليتامى والأرامل حولها تسير على أقتاب الجمال بغير وِطاء.. وهي ابنةُ مَنْ كانت منزلتهُ من الرسول كمنزلة هارون من موسى، وأمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين..
وبهذه المحطّة ابتدأ فصلٌ آخر من فصول عاشوراء الدامية، الذي كانت السيدة زينب(عليها السلام) هي قطبُ الرحى فيه.
نساء أهل البيت(عليهم السلام)، اللواتي تمّ سبيهنّ من الطفّ إلى بلاد الشام، فعلى الرغم من كونهنّ سيّدات بيت النبوّة قد غُيّبت عن التاريخ حقائق كثيرة فيما يتعلّق بهنَّ، وعن مدى ما تعرضنَ إليه من ظلم وعدوان فادح خلال فترة السبي.
ثم إنّ سبي آل البيت(عليهم السلام) بنقلهم من الطفّ إلى الكوفة ومن ثمّ إلى الشام ورجوعهم إلى المدينة المنوّرة، كان له آثار سياسية وفكرية واجتماعية قد انعكست على أهل الكوفة والشام، وعلى كلّ مدينة وقرية مرّوا بها خلال مدّة سبيهم، كما كان له صداه الإعلامي في نشر مظلومية آل البيت(عليهم السلام)، وما تعرّض له هذا البيت من جريمة لا تُغتفر أثارت الرأي العام على الأمويين، وخاصّة في عاصمتهم دمشق، تلك الفضيحة الشنيعة التي أثارت أهالي دمشق أولاً ومن ثمّ مدن وأقاليم دولتهم الأخرى.
ولمّا كان جلّ السبايا من النساء والأطفال فإنّه يتعارض مع المبادئ الإسلامية التي رفع راياتها الأمويون كما زعموا، بل يتعارض مع أبسط خلق إنساني عربي عرفه العرب قبل الإسلام.
إنّ موضوع السبي لم تُسلّط عليه الأضواء من قبل المؤرِّخين المعاصرين للحدث، بالقدر الذي سلّط على الفاجعة الكبرى، وهي قتل سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) وآل بيته(عليهم السلام) وأبناء عمومته وأنصاره، والتي كانت صدمة للعالم الإسلامي، عاشها لسنين طويلة بعد يوم عاشوراء إلى يومنا هذا.
وقد خطبت جبل الصبر السيّدة زينب عليها السلام في الكوفة بعد استشهاد الإمام الحسين ورفاقه، وهي خطبة ألقتها السيدة زينب بنت الإمام علي أبي طالب رضي عنهما وارضاهما في أهل الكوفة بعد معركة كربلاء وبعدما نقل أهل بيت الحسين إلى الكوفة حيث مقر عبيد الله بن زياد وواليها من قبل بني أمية، وقد خرج الناس للنظر إليهم. ورأى الإمام علي بن الحسين (علي زين العابدين عليه السلام) الذي كان من ضمن الأسرى، أهل الكوفة يضجّون ويبكون، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه، فخاطبهم قائلًا: «أتنوحون وتبكون من أجلنا!؟ فمن قتلنا!؟»» وقد أومأت السيدة زينب بنت الإمام علي رضي عنهما وارضاهما إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الاجراس ثم خطبتهم . تشتمل هذه الخطبة على الحمد والثناء لله والصلاة على النبي محمد وآله وإدانة أهل الكوفة على تخاذلهم وغدرهم ونقضهم العهود والمواثيق والبيعة وذكر مناقب الحسين بن علي الذي ينتمي إلی آل البيت وبعض مصائبه.
وتُعد هذه الخطبة أول خطاب يصدر عن سبايا الإمام الحسين بن علي رضي عنهما وارضاهما بعد واقعة كربلاء ألقتها عند وصولهم إلى مدينة الكوفة في اليوم الثاني عشر من شهر محرم سنة 61هـ، وذلك في الجماهير المحتشدة لتفرج عليهم بعد أن أعلن عمر بن سعد القائد الأموي لجيش الكوفة النصر العسكري على جيش سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، فبدأ جنوده اقتحام الخيم القليلة المنصوبة للنساء والاطفال وحرقها، وساقوا النساء والصبيان والمرضى سبايا إلى الكوفة حيث مقر عبيدالله بن زياد، وواليها من قبل بني أمية، فلما قاربوا الكوفة إجتمع أهلها للنظر إليهن. فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال علي بن الحسين : تنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن ذا الذي قتلنا؟ وقد أومأت زينب بنت علي إلى الناس أن اسكتوا وألقَت خطبة بليغة عليهم.، فقام بإلقاء خطبته المعروفة في أهل الكوفة.
قال بشير بن خزيم الأسدي :
ونظرت إلى السيدة زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم أر خفرةً ـ والله ـ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا.
فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت :
« الحمد لله والصلاة على أبي : محمّد وآله الطيّبين الأخيار.
أمّا بعد : يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر !!
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة.
إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ؟ والصدر الشنف ؟ وملق الإماء ؟ وغمز الأعداء ؟
أو كمرعى على دمنة ؟ أو كفضة على ملحودة ؟
عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وكوكبة من الشهداء مجزّرين كالأضاحي على رمال كربلاء
هو : الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وأمه: السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك يُعرف بـ “سبط رسول الله”،
كنيته : أبو عبد الله .
ألقابه : لُقّب بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، والشهيد، وسيد الشهداء، وبألقاب آخرى مثل: الزكيّ، والطّيب، والوفي، والسّيد، والمُبارك.
إخوته : للحسين بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهم: الحسن والمحسن (مات جنينا في بطن أمه)وزينب وأم كلثوم، والإمام الحسين هو الابن الثاني للإمام علي والسيدة فاطمة بعد الإمام الحسن رضي الله عنهما وارضاهما.
زوجاته :شهربانو، ليلى بنت أبي مرة الثقفي، الرباب بنت امرئ القيس ، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله ، السلافة امرأة من بلي بن عمرو
أولاده : علي الأكبر، علي السجاد، عبدالله، فاطمة، سكينة زينب الصغرى (حورية)، رقية .
ولد في شهر شعبان سنة 4 هـ، وأُتِيَ به إلى النبي سيدنا محمد عليه السلام، وأذن في أذنيه جميعًا بالصلاة، وعقّ عنه بكبش كما فعل مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة ، فيصلي بالناس، وكان يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، توفي جده النبي محمد عليه السلام سنة 11 هـ وكذلك توفيت أمه السيدة فاطمة في نفس السنة، شارك الإمام الحسين عليه السلام مع الإمام الحسن في الجهاد في عهد سيدنا عثمان، فشارك في فتح إفريقية تحت إمرة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وشارك في فتح طبرستان وجرجان في جيش سعيد بن العاص، كما شارك في معركة الجمل ومعركة صفين.
كان الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام أشبه الناس بالنبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن كان الإمام الحسن أكثر شبهًا، فعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله ﷺ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.». وقال: «الحسين أشبه برسول الله ﷺ من صدره إلى قدميه». وكان أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، قال عمر بن عطاء: «رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد».
وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، قال أبو سعيد الخدري: «رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر، ثم أتيا الحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول ﷺ، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن.».
بويع أخوه بالخلافة، واستمر خليفة للمسلمين نحو ثمانية أشهر ويقال أيضاً 6 شهور، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور. وانتقل الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام من الكوفة إلى المدينة المنورة، وبعد وفاة الإمام الحسن استمر الإمام الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية، وبعد موت معاوية رفض الإمام الحسين بيعة يزيد بن معاوية وخرج إلى مكة ومكث فيها أشهرًا، فأرسل له أنصاره بالكوفة رسائل تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ولكن والي الكوفة الجديد عبيد الله بن زياد استطاع الإيقاع بمسلم وقتله، وتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.
خرج الإمام الحسين إلى الكوفة، وفي طريقه إليها مرّ على منطقة زباله فوصل إليه حينئذٍ خبر مقتل سيدنا مسلم بن عقيل وخذلان أهل الكوفة ، وتوجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلى كربلاء لقى جيش عمر بن سعد المكون من أربعة آلاف مقاتل، عارضًا على الإمام الحسين النزول على حكم ابن زياد، وبعد فشل المفاوضات دارت معركة كربلاء، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر، وطعنه سنان بن أنس واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء. وبحسب مرويَّات الشيعة، فإن رأسه قد دُفِن في كربلاء مع جسده عند عودة نساء أهل البيت من الشام، وكان مقتله يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق 10 أكتوبر سنة 680م . ويسمى بعاشوراء
نستعرض في البداية مكانة الإمام الحسين عليه السلام:
للحسين بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وخصَّه النبي بقوله أنه منه، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بها الأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:
وصفه أنه من النبي والنبي منه، عن يعلى بن مرة قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ».
عن أبي هريرة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي».
عن عبد الله بن مسعود قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ:أَنْ دَعُوهُمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ. فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجل عبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله ﷺ، وقال النبي ﷺ: هما ريحانتاي من الدنيا».
ووصفه بسيد شباب أهل الجنة، عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله ﷺ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما».
أما أحداث عن يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، يوم عاشوراء
خرج ابن زياد إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، وبدأ بعض أهل الكوفة يتسللون لنصرة الحسين. وفي صباح يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، عزم الحسين وأصحابه على القتال، وكان معه 32 فارسًا و40 راجلًا، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر الأسدي على الميسرة، وأعطى الراية للعباس بن علي. وجعل البيوت وراء ظهورهم وأتى بحطب وقصب وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوا وراء ظهورهم. وأما عمر بن سعد فجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجال شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويدًا مولاه.
وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول الله ﷺ ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضم الحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.
وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال ، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الإمام الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الإمام الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكوني – وكان على الرماة – صبر أصحاب الإمام الحسين تقدم إلى أصحابه – وكانوا خمسمائة نابل – أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الإمام الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنه علي الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.
فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الإمام الحسين عليه السلام خشية أن يبوء بقتله، فقام شمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الإمام الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي.
وأرسل عمر بن سعد برأس الإمام الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.
روي عن النبي عدة مرويات أنه أخبر بأن الإمام الحُسين سيُقتل، منها أن جبريل أو ملك المطر أخبره بذلك، ومنها أنه رأى رؤيا بذلك،
فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك قال: «اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِي ﷺ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لأم سلمة رضي الله عنه: «احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ» فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، فقال النبي ﷺ «نَعَمْ» قال: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فأخذت أم سلمة ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قال: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ.».
وروى البيهقي في سننه عن أم سلمة أنها قالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فقلت: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «أَخْبَرَنِي جبريل أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ – لِلْحُسَيْنِ -»، قال: قلت له: يَا جِبْرِيلُ، أرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا.». وكذلك قوله: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ»، وأخرج ابن السكن والبغوي عن أنس بن الحارث الكاهلي عن النبي محمد أنه قال: «إن إبني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره». وغير ذلك من الروايات.
ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ»
يمكن القول بإنَّ إعلان سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) ثورته على الأمويين، كانت من أجل الحفاظ على الشريعة الإسلامية وتعاليمها وعلى الأمّة ومصالحها ، تجاه كلّ الإنحرافات التي ظهرت فيها، وهذا ما تُحمّله المسؤولية الدينية عليه، باعتباره إمام الأمّة وفقاً لقول الرسول(صلى الله عليه واله): «الحسن والحسين إماما أمّتي ، بعد أبيهما ، وسيّدا شباب أهل الجنّة»
فضحّى بنفسه وولده وإخوته وأبنائهم وأبناء عمومته وعدد من أنصاره من غير الهاشميين في سبيل ذلك، وقد أحدثت هذه الواقعة الشجيّة ـ ولازالت ـ جروحا في النفوس النقية لا تندمل، وكلّما تجدّد سقف الزمن تزداد مساحة هذه المأساة أسى ولوعة، وآفاقها سمواً وفخراً…
وكانت تجربة الطفّ الرائدة تحمل حرارة صدق الجهاد ، ووضوح رؤيته النضالية، فكان لهذه التجربة صداها الواسع على امتداد مراحل التاريخ، وفي كلّ صفحة من صفحاتها، ومن بين تلك الصفحات المؤثّرة في ضمير التاريخ هو سبي آل البيت(عليهم السلام) من الطفّ إلى بلاد الشام، ولم تنتهِ تلك الصفحات وإلى يومنا هذا.
عندما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته في المباركة كان شعاره الذي دوّى في الأوساط والذي نصَّ عليه: «إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خيرالحاكمين»
أما يزيد لعنه الله كان الهمُّ والشاغل لهم هو بقاء سلطتهم، فلم يعيروا لأبناء الرسول وذريته أيَّ اعتبار وأهمية، إذ إنّ بقاء الحكم في يدهم وبقاء السلطة تحت قبضتهم كان شغلهم الشاغل، للأسف هناك في زماننا الحالي من يدافع عن الطائفة الثانية بتعبيرات ركيكة واهيه، من قبيل : أن الحسين خرج عن حده فقُتِل بسيف جده ، متغافلين عن أحاديث النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حقه وحقّ أخيه (عليهما السلام)، متناسين لأهداف خروجه ولمقولاته وأحاديثه ونداءاته.
يزيد الفاسق الفاجر أطباعه منافية للإسلام ، فقد نقل التاريخ أنّ يزيد الذي استولى على الحكم لمدة ثلاث سنوات ، في كل سنة لم تخلو من انتهاك لأحد الرموز الإسلامية، ففي أول سنة قتل سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وفي السنة الثانية انتهك حرمة المدينة وأباحها لجنده لمدة ثلاثة في حادثة معروفة باسم (وقعة الحرّة) وفي السنة الأخيرة رمى الكعبة الشريفة بالمنجنيق.
الشاهد الثالث على الفرق بين الإمام الحسين وطائفته ويزيد وطائفته : شرب الماء إذ أن طائفة الإمام الحسين (عليه السلام) : عندما التقى الإمام (عليه السلام) بالحر بن يزيد الرياحي في الطريق للكوفة، وكان الحرّ ومن معه عُطاشى، أمر الإمام (عليه السلام) أتباعه بأن يسقوا الحرَّ ومن معه بل وحتى الخيل، فقال الإمام (عليه السلام): «اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا».
الطائفة الأخرى طائفه يزيد لعنه الله: عندما اشتدّ الجوع والعطش بالامام الحسين وأصحابه وأهل بيته، لم تكترث هذه الطائفة بعطش الإمام (عليه السلام) ومن معه، بل منعوا حتى الرضّع من الماء، فكلُّ مَن كان ينتمي لمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام) كان محروماً من الماء. التعليق: لا ريب في أنّ الماء هو أساس الحياة، ولولاه لما استمرت هذه المعيشة للمخلوقات، ومنع الكائنات الحيّة منه إعدامٌ لها، وتصرّف الإمام الحسين (عليه السلام) لا ينافي هذه الحقيقة بل هو مصداق لها، ولا عجب في تصرُّف الإمام هذا، لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل هذا الفعل سابقا،
إذ ذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة) أنَّ (معاوية) لما غلب على ماء الفرات لم يسمح لجيش عليّ (عليه السلام) بالشرب من الفرات، وبعد أن اقتحم مالك الأشتر الشريعة وأرجع جيش (معاوية) عن الماء، بعث إلى عليّ قائلاً له : هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء. فلما غلب أهل العراق على الماء لم يمنع عليّ بن أبي طالب الماء عن أعدائه، وهذا من خلق السماء، ولذا قال (معاوية): إنَّ علياً لا يستحل منك ما استحللت منه، وإنَّ الذي جاء له غير الماء . ومما يضحك الثكلى أنّ الأمير (عليه السلام) قام بهذا الفعل مع معاوية بن سفيان الذي منع الأمير (عليه السلام) عندما استولى معاوية على الماء في الحرب المعروفة بينهما بإسم -صفين-. وتعود نفس الكرّة بين ابنيهما، فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يمنع جند يزيد بل حتى الخيل قد سقاها لهم، ولكن يزيد سار على نهج أبيه في منع ذرية النبي (صلَّى الله عليه وآله) من لذيذ الماء.
الشاهد الرابع : صلة الرحم طائفة الإمام الحسين (عليه السلام):
عندما جاء الشمر (عليه لعائن الله) بكتاب أمان إلى العباس وإخوته، ذلك لأن الشمر كان يقرب إلى العباس وإخوته عن طريق أمّه، أمر الإمام الحسين (عليه السلام) العباس بأن يتحدّث معه وإن كان عاصياً، ذلك لأنّ لصلة الرحم عُلقة لابدّ من أن تُصان أما الطائفة الأخرى: كان عمر بن سعد قريباً للإمام الحسين (عليه السلام) ولكنه لم يراع حرمة هذه القرابة، بل إنّه فضّل الوعد الذي وعدوه به وهو ملك الريّ على أن يحفظ سلالة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى أن يحفظ صلة القرابة التي تربطه مع الإمام (عليه السلام).
على الرغم من التوصية العظيمة من الإسلام بحفظ القرابات وصلات الرحم وأنّها من الأمور التي تثير حميّة الإنسان إذا تعرض متعرّضٌ لرَحِمه، ولكن نرى النماذج الساقطة التي رخص الرحم في عقليتها وعرفها بسبب المال والمناصب، فلكنهم خسروا الدنيا والآخرة، فهم لم ينالوا ما وعدهم الطغاة في ذاك الزمان ولم يفوزوا في الآخرة ذلك لأنّهم قتلوا سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
يزيد الذي حكم لمدة ثلاث سنوات فقط، ارتبط اسمه بمجموعة من الأحداث الدموية، شديدة الوطأة في تاريخ المسلمين، ومن أهمها المذبحة التي تعرّض لها حفيد الرسول، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رضي الله عنهما وارضاهما، مع مجموعة من أهله، في كربلاء سنة 61هـ.
وعام 60هـ/ 679م ، ومع وفاة معاوية بن أبي سفيان ، تفجرت تلك الخلافات، وظهرت على الساحة السياسية، بعدما طلب يزيد مبايعة المعارضين له بشكل واضح. رفض الإمام الحسين وابن الزبير، وتركا المدينة، ورحلا إلى مكة بعيداً عن قبضة الأمويين القوية.
ومع نهايات العام الستين للهجرة، قرر الإمام الحسين بن علي السفر إلى الكوفة، بعدما وصلته آلاف الكتب من أهلها ووعدوه بالنصرة وتأييده
الأحداث المتسارعة وصلت إلى ذروتها في العاشر من محرم من عام 61هـ ، في منطقة كربلاء في العراق، عندما اعترض جيش الأمويين طريق سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ومَن معه من أهل بيته ورفاقه، لتقع معركة غير متكافئة بين الطرفين، سقط فيها حفيد الرسول مضرجاً بدمائه بعدما تخلى الكوفيون عن نصرته .
وبعد منتصف النهار أمر بحمل الركب الحسينيّ من بنات النبوّة على إبِلٍ بلا وطاءٍ ولا غطاء، ثمّ مَرّ الركب الكئيب على حومة الطفّ الرهيبة، ووقعت الأنظار على تلك المشاهد المأساويّة المؤلمة، حيث الإمام الحسين سيّد الشهداء(عليه السلام) وحوله كوكبة الشهداء، مجزّرين كالأضاحي على رمال كربلاء!.
وكان ابنُ سعد قد سيّر رؤوس الشهداء إلى الكوفة، فإذا حلّ الزوال ارتحل ومعه لفيفٌ من أسرى آل بيت المصطفى(صلوات الله عليه) من نساء الإمام الحسين وصبيته، وعيالات أصحابه.
وقد وقفت العقيلةُ المكرّمة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين(عليهما السلام) على بدن أخيها الإمام الحسين عليه السلام وصاحت : (وامحمّداه! صلّى عليك مَليكُ السَّماء، هذا حسينٌ بالعراء، مُرمّلٌ بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتُك سبايا وذرّيتُك مُقتَّلة!!).
ثمّ سارت جبلُ الصبر.. والبكاء والعويل يغزو مسامعها من كلّ حدبٍ وصوب، فيفترش الألمُ أضلعَها ليزيدَ قلبَها الموجوعَ مرارةً وحرقة، فقد غابت الأقمارُ وذُبحت الشموسُ وسُلبت أجسادُ الأطهار وسُبيت الدُرر والجواهر ، سارت وفي قلبها المألوم لوعة.. فالأجسادُ خلفها والرؤوسُ أمامها، واليتامى والأرامل حولها تسير على أقتاب الجمال بغير وِطاء.. وهي ابنةُ مَنْ كانت منزلتهُ من الرسول كمنزلة هارون من موسى، وأمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين..
وبهذه المحطّة ابتدأ فصلٌ آخر من فصول عاشوراء الدامية، الذي كانت السيدة زينب(عليها السلام) هي قطبُ الرحى فيه.
نساء أهل البيت(عليهم السلام) ، اللواتي تمّ سبيهنّ من الطفّ إلى بلاد الشام، فعلى الرغم من كونهنّ سيّدات بيت النبوّة قد غُيّبت عن التاريخ حقائق كثيرة فيما يتعلّق بهنَّ، وعن مدى ما تعرضنَ إليه من ظلم وعدوان فادح خلال فترة السبي.
ثم إنّ سبي آل البيت(عليهم السلام) بنقلهم من الطفّ إلى الكوفة ومن ثمّ إلى الشام ورجوعهم إلى المدينة المنوّرة، كان له آثار سياسية وفكرية واجتماعية قد انعكست على أهل الكوفة والشام، وعلى كلّ مدينة وقرية مرّوا بها خلال مدّة سبيهم، كما كان له صداه الإعلامي في نشر مظلومية آل البيت(عليهم السلام)، وما تعرّض له هذا البيت من جريمة لا تُغتفر أثارت الرأي العام على الأمويين، وخاصّة في عاصمتهم دمشق، تلك الفضيحة الشنيعة التي أثارت أهالي دمشق أولاً ومن ثمّ مدن وأقاليم دولتهم الأخرى.
ولمّا كان جلّ السبايا من النساء والأطفال فإنّه يتعارض مع المبادئ الإسلامية التي رفع راياتها الأمويون كما زعموا، بل يتعارض مع أبسط خلق إنساني عربي عرفه العرب قبل الإسلام.
إنّ موضوع السبي لم تُسلّط عليه الأضواء من قبل المؤرِّخين المعاصرين للحدث، بالقدر الذي سلّط على الفاجعة الكبرى، وهي قتل سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) وآل بيته(عليهم السلام) وأبناء عمومته وأنصاره، والتي كانت صدمة للعالم الإسلامي، عاشها لسنين طويلة بعد يوم عاشوراء إلى يومنا هذا.
وقد خطبت جبل الصبر السيّدة زينب عليها السلام في الكوفة بعد استشهاد الإمام الحسين ورفاقه، وهي خطبة ألقتها السيدة زينب بنت الإمام علي أبي طالب رضي عنهما وارضاهما في أهل الكوفة بعد معركة كربلاء وبعدما نقل أهل بيت الحسين إلى الكوفة حيث مقر عبيد الله بن زياد وواليها من قبل بني أمية، وقد خرج الناس للنظر إليهم. ورأى الإمام علي بن الحسين (علي زين العابدين عليه السلام) الذي كان من ضمن الأسرى، أهل الكوفة يضجّون ويبكون ، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه، فخاطبهم قائلًا: «أتنوحون وتبكون من أجلنا!؟ فمن قتلنا!؟»» وقد أومأت السيدة زينب بنت الإمام علي رضي عنهما وارضاهما إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الاجراس ثم خطبتهم . تشتمل هذه الخطبة على الحمد والثناء لله والصلاة على النبي محمد وآله وإدانة أهل الكوفة على تخاذلهم وغدرهم ونقضهم العهود والمواثيق والبيعة وذكر مناقب الحسين بن علي الذي ينتمي إلی آل البيت وبعض مصائبه.
وتُعد هذه الخطبة أول خطاب يصدر عن سبايا الإمام الحسين بن علي رضي عنهما وارضاهما بعد واقعة كربلاء ألقتها عند وصولهم إلى مدينة الكوفة في اليوم الثاني عشر من شهر محرم سنة 61هـ، وذلك في الجماهير المحتشدة لتفرج عليهم بعد أن أعلن عمر بن سعد القائد الأموي لجيش الكوفة النصر العسكري على جيش سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، فبدأ جنوده اقتحام الخيم القليلة المنصوبة للنساء والاطفال وحرقها، وساقوا النساء والصبيان والمرضى سبايا إلى الكوفة حيث مقر عبيدالله بن زياد، وواليها من قبل بني أمية ، فلما قاربوا الكوفة إجتمع أهلها للنظر إليهن. فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال علي بن الحسين : تنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن ذا الذي قتلنا؟ وقد أومأت زينب بنت علي إلى الناس أن اسكتوا وألقَت خطبة بليغة عليهم.، فقام بإلقاء خطبته المعروفة في أهل الكوفة.
قال بشير بن خزيم الأسدي :
ونظرت إلى السيدة زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم أر خفرةً ـ والله ـ أنطق منها ، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا.
فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت :
« الحمد لله والصلاة على أبي : محمّد وآله الطيّبين الأخيار.
أمّا بعد :
يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر !!
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة.
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون ؟ وتنتحبون ؟
إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً.
فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً.
وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ؟ ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم، ومدرة سنّتكم ؟؟
ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
وَيلكم يا أهل الكوفة !
أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم ؟!
وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟!
وأيّ دم له سفكتم ؟!
وأيّ حرمةٍ له هتكتم ؟!
لقد جئتم بها صَلعاء عَنقاء سَوداء فَقماء، خَرقاء شَوهاء، كطِلاع الأرض وملء السماء.
أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تُنصَرون.
فلا يَستَخفّنكم المُهَل، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار، ولا يَخافُ فَوتَ الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد ».
قال الراوي : « فوالله لقد رأيت الناس ـ يومئذ ـ حَيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاًَ واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلت لحيته، وهو يقول : « بأبي أنتم وأمّي !! كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى »
يمكن القول بأنه جيء بالامام علي بن الإمام الحسين عليهما السلام على بعير ضالع، والجامعة في عنقه ، ويداه مغلولتان إلى عنقه، وأوداجه تخشب دماً فكان يقول :
يا اُميّة السّوء لا سقياً لربعكُمُ يا اُمّة لَم تراع جدّنا فينا
لَو أنّنا ورسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا
تسيّرونا على الأقتاب عارية كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا
وخرج إلى الناس وأومأ إليهم أن اسكتوا، فسكتوا وهو قائم، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال في بداية الخطبة: «أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي أبي طالب أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبراً، وكفى بذلك فخراً.»
وتابع بهذه الکلمات : «أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والمواثيق والبيعة، وقاتلتموه فتبّاً لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي … رحم الله امرأً قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وفي أهل بيته، فإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة.»
فصمتوا وهم يستمعون إلى هذا القول ثم قالوا: «نحن يا بن رسول الله، سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فأنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا».
فأجابهم الإمام علي السجاد : «هيهات، هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل، كلا ورب الراقصات، فإن الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته، ولم ينس ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثكل أبي، وبني أبي إن وجده والله بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصص تجري في فراش صدري».
وقد كشفت خطبة الإمام علي بن الحسين السجاد والسيدة زينب عليهما السلام في الكوفة عن أمور، أهمها:
الإدانة الواضحة للذين دعوا الإمام الحسين إلى العراق وتخلوا عنه وحاربوه، ووصمَهم بالخَتل والغدر والمكر والخيانة.
إنّها ساهمت في كشف الحقائق التي حاول بنو أمية سترها وأخطرها التقليل من أهمية العلاقة الرسالية والرحمية لهؤلاء السبايا برسول الله ولذلك كان التأكيد على قول «أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دمٍ له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم …».
شرح الوقائع التي وقعت في العاشر من محرم الحرام، وكان محورها قتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه وهتك حرمة النبي صلى الله عليه وسلم.
السيدة زينب كانت من أجرأ سيدات بيت النبوة، وكان يضرب بها المثل بسبب ما فعلته في حضرة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الذي حرك الجيش الذي قتل أخيها وقره العين سيد الشهداء الإمام الحسين ورجال أهل البيت وكان من بينهم أبنائها.
لما وصلت سبايا آل سيدنا محمد من كربلاء الى الكوفة في الثاني عشر من محرم الحرام، و هم “أسارى” بعد فاجعة عاشوراء وكان ذلك في الثاني عشر من محرم الحرام روى السيد ابن طاووس ان عبيدالله ابن زياد عامل الطاغية يزيد جلس في قصر الامارة، وأمر باحضار رأس الامام الحسين(عليه السلام) بعدما اذن اذناً عاماً فجيء به و وضع بين يديه، و أدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه، وجاءت زينب ابنة علي (عليهما السلام) وجلست متنكرة، فسأل : من هذه المتنكرة ؟ فقيل له : هذه زينب ابنة علي، فأقبل عليها قائلا : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم.
فردت عليه عقيلة بني هاشم (عليها السلام) قائلة : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم و طهرنا من الرجس تطهيرا، و إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله.
فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟!
فقالت : ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يابن مرجانة!!
فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير ، إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك .
فرقّت زينب وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد : هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً .
فقالت : يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وان لي عن السجاعة لشغلاً
ثم التفت ابن زياد إلى الامام علي بن الحسين زين العابدين وقال له : من أنت ؟
فقال : أنا علي بن الحسين.
فقال : أليس الله قد قتل علي بن الحسين؟
فقال علي : قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين، قتله الناس.
فقال ابن زياد : بل الله قتله.
فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها.
فغضب ابن زياد وقال : ولك جرأة على جوابي وفيك بقية للرد علي ؟! إذهبوا به فاضربوا عنقه .
فتعلقت به زينب عمته ، وقالت : يا بن زياد ! حسبك من دمائنا . واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه، فنظر ابن زياد إليها و إليه ساعة، ثم قال : عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به، ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت علي : « لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد مملوكة، فإنهن سبين وقد سبينا.
• ماذا كان دار الإمارة في الكوفة ؟
يشار الى ان دار الإمارة في الكوفة ، كانت ـ قبل حوالي عشرين سنة من فاجعة كربلاء ـ مقراً للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكانت السيدة زينب تعيش في ذلك المكان في ظل والدها أمير المؤمنين، وهي في أوج العزة والعظمة، وفي جو مملوء بالعواطف والإحترام ، فيما بين إخوتها وذويها . والآن ! وبعد عشرين سنة أصبحت دار الإمارة مسكناً للدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد، وتبدلت معنويات دار الإمارة مائة بالمائة، فبعد أن كانت مسكن أولياء الله، صارت مسكن الد أعداء الله ، وألأم خلق الله . واليوم دخلت السيدة زينب إلى دار الإمارة، وهي في حالة تختلف عما مضى قبل ذلك.
ولما أمر بإحضار رأس الإمام الحسين عليه السلام .. فأحضر و وضع بين يديه ، وجعل ينظر إليه ويتبسم ، وكان بيده قضيب فجعل يضرب به ثناياه!! وكان إلى جانبه رجل من الصحابة يقال له « زيد بن أرقم » ، وكان شيخاً كبيراً، فلما رآه يفعل ذلك قال له : « إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ثنايا رسول الله ترتشف ثناياه »، ثم انتحب وبكى ! ، فقال ابن زياد : أتبكي؟ أبكى الله عينيك، والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لأضربن عنقك، فنهض من بين يديه وصار إلى منزله .
فقال لها الإمام السجاد (عليه السلام) : اسكتي يا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة .
فقطعت العقيلة الكلام، فأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع، واحدث كلامها أيقاظا في الأفئدة ولفتة في البصائر وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظيماً وعرفوا عظيم الجناية فلا يدرون ما يصنعون!!
يشار إلى أن موكب سبايا أهل البيت (عليهم السلام)، تحرك في الحادي عشر من محرم الحرام وهو يقطع الصحاري، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة، التي قضوها على مقربة من مصارع شهداء عاشوراء في كربلاء . و دخل الركب الكوفة في اليوم الثاني عشر من محرم سنة 61 هـ، ففزع أهل الكوفة، وخرجوا الى الشوارع، بين متسائل لا يدري لمن السبايا، وبين عارف يكفكف أدمعاً ويضمر ندماً . و اتجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مخترقاً جموع أهل الكوفة وهم يبكون لما حل بالبيت النبوي الكريم، ولما اكتسبت أيديهم، وخدعت وعودهم سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمام المسلمين الحسين (عليه السلام) ، وها هم يرون أهله ونساءه أسارى، وها هو رأس السبط الشهيد يحلّق في سماء الكوفة، على رأس رمح طويل، وقد دعوه ليكون قائداً للأمة الإسلامية وهادياً لها نحو الرشاد .
وكانت خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد هي خطبة ألقتها السيدة زينب (عليها السلام) بعد واقعة الطف، وذلك عندما اخذوا أسرى إلى الشام في مجلس يزيد بن معاوية الذي كان يضرب متشمتاً بعصاه ثنايا الإمام الحسين (عليه السلام) وحينها قامت السيدة زينب، وخطبت هذه الخطبة؛ حتى أثارت الخطبة وكلمات الإمام السجاد (عليه السلام) إعجاب الحاضرين، وقلبت الأمور رأساً على عقب لصالح أهل البيت (عليهما السلام).
حيث تتمحور هذه الخطبة على الحمد وثناء على الله، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإمهال الكفار كسنة من السنن الإلهية، وتقبيح سلوك يزيد، والدعوة على الظالمين، واعتبرت المشتكى إلى الله، والخلود لأهل البيت (عليهما السلام)في مجلس يزيد بعد واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) اُخذ من بقي من النساء والأطفال إضافة للإمام زين العابدين كسبايا إلى الشام واُحضروا إلى مجلس يزيد حيث كان قد وضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في طشت أمامه ضاربا إياه بعصاه، كما وكان يشتم رأس الإمام وصرح بأن المعركة كانت للأخذ بثأر بدر، واستشهد بشعر لـابن الزبعري:
أيها القارئ الكريم تدبر قليلاً لتتصور أجواء ذلك المجلس الرهيب، ثم معجزة السيدة زينب الكبرى في موقفها الجريئ !
بالله عليك ! أما تتعجب من سيدة أسيرة تخاطب ذلك الطاغوت بذلك الخطاب ؟ وتتحداه تحدياً لا تنقضي عجائبه ؟
ولا تهاب الحرس المسلح الذي ينفذ الأوامر بكل سرعة وبدون أي تأمل أو تعقل ؟!
وأعجب من ذلك سكوت يزيد أمام ذلك الموقف مع قدرته وإمكاناته ؟ وكأنه عاجز لا يستطيع أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً !
أليس من العجيب أن يزيد ـ وهو طاغوت زمانه ، وفرعون عصره ـ لم يستطع أو لم يتجرأ على أن يرد على السيدة زينب كلامها، بل يشعر بالعجز والضعف عن مقاومة السيدة زينب، ويكتفي بقراءة قول الشاعر :
« يا صيحة تحمد من صوائح » !
فما معنى هذا البيت في هذا المقام ؟!
وما المناسبة بين هذا البيت وبين كلمات خطبة السيدة زينب ؟
فهل كانت حرفة السيدة زينب النياحة حتى ينطبق عليها قول يزيد : « ما أهون النوح على النوائح » ؟
وما يدرينا مدى ندم يزيد بن معاوية من مضاعفات جرائمه التي ارتكبها ؟ وخاصة تسيير آل رسول الله من العراق إلى الشام.
فإنه ـ بالقطع واليقين ـ ما كان يتصور أن سيدة أسيرة سوف تغمسه في بحار الخزي والعار، فلا يستطيع يزيد أن يغسل عن نفسه تلك الوصمات .. إلى يوم القيامة.
إنها السيدة زينب عليها السلام بطلة كربلاء الصابرة المحتسبة عقيلة بني هاشم تكشف الغطاء عن هوية يزيد ، وترفع الستار عن ماهيته وأصله، وحسبه ونسبه، وسوابقه ولواحقه، وتخاطبه بكل تحقير، وتقرع كلماتها مسامع يزيد، وكأنها مطرقة كهربائية، ترتج منها جميع أعصابه، فيعجز عن كل مقاومة !!
قامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) – بعد شماتة يزيد وما فعله برأس سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) ـ وقالت:
وفي رواية الشيخ الصدوق: انه لما دخل علي بن الحسين عليه السلام وحرمه على يزيد جيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طشت، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول:
ليـــت أشيـــــاخي ببــدر شهـدوا *** جـزع الـخـزرج مـن وقــع الاســل
لأهلــــوا واستهــــلوا فــرحــاً *** ثم قــــالوا يــــا يـزيد لا تشــل
لعــــبت هــــاشم بالمـــلك فــلا ***خــــبر جــــاء ولا وحـي نــزل
فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾.
أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى أنَّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، وإنَّ ذلك لعِظَمِ خَطَرِكَ عنده، فشمَخْتَ بأنفِكَ، ونظرت في عطفِك،جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متَّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا،فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.
أمِن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهنَّ الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفَّحُ وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهنَّ من حُماتهنَّ حميّ ولا من رجالهنَّ وليّ، وكيف يُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان ثمَّ تقول غير متأثِّم ولا مستعظم:
لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثمَّ قالوا يا يزيد لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذريَّة محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنَّك تناديهم فلترِدنَّ وشيكاً موردهم ولتودنَّ أنَّك شُلِلتَ وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت, اللهم خذ لنا بحقِّنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.
فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردنَّ على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحمَّلت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمَّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمَّد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سوّل لك ومكَّنَك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيّكم شرٌ مكاناً، وأضعف جنداً.
ولئن جرَّت علي الدواهي مخاطبتك، إنّي لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.
ألا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تَنْطُفُ من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمّهات الفراعل ولئن اتّخذتنا مغنما، لتجدنَّا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد الا ما قدَّمت يداك وما ربُّك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول.
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جُهدَك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيَّامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأوَّلنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة،إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
من خلال حديث يزيد بن معاوية لعنه الله في قصره بدمشق مع سبايا الطاهرات من نساء آل البيت وجرحى ومصابي ومرضى معركة كربلاء يدل على حقد يتأجج في صدره، ويطالب يزيد للأخذ بثارات المقتولين في غزوة بدر، وهم أقطاب المشركين الذين كانوا قد خرجوا من مكة لمحاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتال المسلمين، وهم المشركون الذين تمنى يزيد حضورهم بقوله : «ليت أشياخي ببدر شهدوا» وهم : عتبة بن ربيعة، وشيبة، والوليد بن شيبة، أما عتبة فقتله عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وأما شيبة وابنه الوليد فقد قتلهما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
إن جميع ما قام به الطاغية يزيد لعنه الله، من قتله الإمام الحسين وأصحابه وأهل بيته، وسبي الطاهرات من نسائه وحرمه، وإهانته لرأس الإمام الحسين (عليه السلام) تعتبر نتيجة طبيعية للكفر المكشوف والحقد الدفين في قلب يزيد لعنه الله، فلم يكن يوجد في قلبه مقدار ذرة من الإيمان بالله تعالى وبيوم القيامة، بل إنه إتخذ منصب خلافة الرسول الكريم، وسيلة لسلطته على الناس، وانهماكه في الشهوات، ومحاربته للدين وعظماء الدين، فقد كان يتجاهر بشرب الخمر، ولعب القمار وغيرهما من المنكرات التي حرمها الله سبحانه وبذلك أعطى الجرأة لجميع الناس كي يجلسوا في الأماكن العامة ، ويرتكبوا ما شاؤا من المعاصي والذنوب، من دون أي خوف أو حذر ، أو حياء أو خجل ، أو إحترام لحدود الله تعالى، أو رعاية للخطوط الحمراء التي وضعها الله سبحانه حول بعض الأعمال المحرمة .
لقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أنه قال : «. . . من نظر إلى الشطرنج فليلعن يزيد وآل يزيد . . .»
«فلا يستبطئ في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وضغناً» وفي نسخة : «وكيف يستطبئ في بغضنا»
أي : كيف لا يسرع إلى بغض أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كانت نظرته وعقيدته فيهم عقيدة الكراهة والحقد و «يظهر كفره برسوله، ويفصح ذلك بلسانه» : إشارة إلى الأبيات التي أنشدها يزيد :
«لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
فقد أظهر كفره برسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجاهر بذلك، واعتبر النبوة والرسالة والوحي والقرآن كلها ألعاب، وأنكرها جميعاً «وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده ، وسبي ذريته، غير متحوب ولا مستعظم :
أن السيدة زينب (عليها السلام) تقصد أن يزيد كان يعيش حالة عدم الإكتراث أو المبالاة بما قام به من جرائم، وبما يصرح به من كلمات كفرية، وبما يشعر به من الفرح والسرور لقتله ابن رسول الله، وسبي ذريته الطاهرة . إذ من الواضح أن الذي لا يؤمن بيوم الجزاء لا يفكر في مضاعفات جرائمه، ولا يشعر بالحرج أو الخوف من أعماله التي سوف تجر إليه الويل !!! «منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكان مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ينكتها بمخصرته»
إن القلم ليعجز عن التعبير عن شرح هذه المقطوعة من الخطبة !!! وذلك لهول المصيبة، فكيف تجرأ الطاغية يزيد لعنه الله على أن يضرب تلك الثنايا المقدسة، التي كانت موضعاً لتقبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم … مئات المرات . . وفعل الملعون يزيد ذلك بمرأى من عائلة الإمام الحسين ونسائه وبناته ؟!، ولم يكتف يزيد بالضرب مرةً واحدة أو مرتين، بل مرات متعددة، وهو في ذلك الحال في أوج الفرح والإنتعاش !!
ولم يكن الضرب على الأسنان الأمامية فقط، بل كان يضرب على شفتيه ووجهه الشريف، ويفرق بين شفتيه بعصاه ليضرب على أسنانه ! إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون !! ، يزيد لعنه الله «قد التمع السرور بوجهه» هكذا كانت فرحة يزيد حين ضربه تلك الثنايا الشريفة . «لعمري لقد نكات القرحة»
نكأ القرحة : قشرها بعد ما كادت تبرأ .
لعل المعنى : أن ضرب يزيد تلك الثنايا صار سبباً لهيجان الأحزان من جديد، وفجر دموع العائلة الكريمة، فاستولى عليهن البكاء والنحيب، وخاصة أن بنتين من بنات الإمام الحسين (عليه السلام) جعلتا تتطاولان (أي : تقفان على رؤوس أصابع رجليهما) لتنظرا إلى الرأس الشريف، من وراء كراسي الجالسين، فلما نظرتا إلى يزيد لعنه الله وهو يضرب الرأس الشريف، ضجتا بالبكاء والعويل، ولاذتا بعمتهما السيدة زينب، وقالتا : يا عمتاه ! إن يزيد يَضرب ثنايا أبينا، فقولي له : لا يفعل ذلك ؟! ، فقامت السيدة زينب (عليها السلام) ولطمت على وجهها ونادت : «واحسيناه ! يابن مكّة ومِنى ! يا يزيد : إرفع عودك عن ثنايا أبي عبد الله» .
«واستأصَلتَ الشأفة» .. يُقال : إستَأصل شأفته : أي أزاله من أصله، ولعلّ المعنى : يا يزيد : لقد قطعت شجرة النبوة من جذورها بقتلك الإمام الحسين (عليه السلام) فهو آخر من كان باقياً من أصحاب الكساء، الذين نزلت فيهم «آية التطهير» وعبر الله تعالى عنهم ـ في القرآن الكريم ـ بكلمة «اهل البيت» ، فكلّ من كان يُقتل من هؤلاء الخمسة الطيّبة .. كانَ في الباقين ـ منهم ـ سلوة لآل رسول الله ، وبقتل الإمام الحسين (عليه السلام) إنقطعت شجرة أهل البيت من جذورها، وكان ذلك بأمر يزيد وتنفيذ إبن زياد «بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنّة، وابن يعسوب الدين، وشمس آل عبد المطّلب»
لقد عبّرت السيدة زينب عن الإمام الحسين (عليه السلام) بـ «شمس آل عبد المطّلب»، ويا لهذا التعبير من بلاغة راقية، وتشبيه جميل، فإنّ الإمام الحسين كان هو الوجه المشرق الوضّاء والواجهة المُتلألأة لآل عبد المطلب بن هاشم، وسبب الفخر والإعتزاز لهم، وهم كانوا المجموعة أو العشيرة الطيّبة لقبيلة قريش، وقريش كانت أشرف قبائل العرب .
«وهَتَفتَ بأشياخك»
حينما قلتَ : «ليت أشياخي ببدر شهدوا» فتمنّيت حضورهم ليروا إنتصارك الموهوم، وأخذك لثارهم من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أنّ أشياخك هم الذين خرجوا ـ من مكة إلى المدينة ـ لقتال رسول الله، وهم الذين بدؤا الحرب مع المسلمين، فكانوا بمنزلة الغُدّة السرطانيّة الخبيثة في جسم البشريّة، وكان يلزم قطعها كي لا ينتشر المرض والفساد في بقية أجزاء الجسم .
«وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك»
أي : قُمتَ بإراقة دم الإمام الحسين ورفاقه شهداء كربلاء تقرّباً إلى أسلافك ، وقلتَ :
ثمّ صرختَ بندائك»
أي : بندائك لأشياخك . ومن هذه الجملة يُستفاد أنّ يزيد كان رافعاً صوته حين قراءته لتلك الأبيات الكُفريّة، والشعارات الإلحادية . «ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك»
قال ابنُ مالك ـ ما معناه ـ : «لو : حرفٌ يقتضي في الماضي إمتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه» .
وبناءً على هذا .. يكون معنى كلام السيدة زينب (عليها السلام) : يا يزيد ! لقد تمنّيتَ أسلافك لو كانوا حاضرين كي يشهدوك ويشهدوا أخذك لثارهم، ولكنّ هذه الأمنية لا تتحقّق لك، فأسلافك موتى معذّبون في نار جهنّم، ومن المستحيل أن يعودوا الآن ويشهدوا ما قُمتَ به من الجرائم، وليقولوا لك : سَلِمَت يداك !! «ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك»
المعنى : يا يزيد : سوف تموت قريباً عاجلاً ، لأنّ مُلكك يزول سريعاً، ولا تطول أيام حياتك ، وتنتقل إلى عالم الآخرة، إلى جهنّم فترى أسلافك هناك في الأغلال والقيود وفي صالات التعذيب، وممرّات السجون، ولكنّهم لا يرونك ، أي : لا تجتمع معهم في مكان واحد، لأنّك ستكون في درجة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم، لأنّ جرائمك الموبقة تستوجب العذاب الأشدّ، لكنّك حين نزولك إلى ذلك المكان الأسفل، سوف يكون طريقك عليهم، فتراهم ولكنّهم لا يرونك، لأنّ شدة عذابهم يُشغلهم عن الإلتفات إلى ما حولهم ومَن حولهم مِن الجُناة ! وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم ، مع جميع من شايع في قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله (عز وجل) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم، لا يُفَتّر عنهم ساعة، ويُسقَون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار» .
وهذا إخبارٌ من السيدة زينب (عليها السلام) بما يدور في ذهن يزيد حين يُلاقي جزاء أعماله الإجراميّة .
وتتمنّى ـ أيضاً ـ حينما تُلاقي أشدّ درجات العقوبة والتعذيب :
«وأحبَبتَ أنّ أُمّك لم تحملك، وإيّاك لم تَلِد حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم»
أحبَبتَ ـ هنا ـ : بمعنى تَمنّيتَ من أعماق قلبك أن أمّك لم تكن تحمل بك ، ولم تلدك حتى لا تكون مخلوقاً وموجوداً من أول يوم، ولم تَكتَسِب هذه السيئة الكبيرة التي دفعت بك إلى أسفل السافلين في التابوت الموجود في اسفل طبقات جهنّم، حيث يستقرّ فيه أفراد معيّنون من الجُناة الذين جرّوا الوَيلات على البشريّة جمعاء، وعلى كلّ الأجيال والبلاد والشعوب، وأسّسوا الأُسس ومهّدوا الطرق لمن يأتي من بعدهم من الطغاة والخَوَنة ، في أن يقوموا بكلّ جريمة، وبكل جُرأة !
إنّ الأحاديث الشريفة تقول : إنّ أهل النار ـ جميعاً ـ يستغيثون بالموكّلين بهم من الملائكة .. أن لا يفتحوا باب ذلك الصندوق، لأنّ درجة الحرارة فيها أشدّ ـ بكثير ـ
وقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «… إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الحسين (عليه السلام) ويده على رأسه يقطر دماً، فيقول : «يا ربّ سل أمّتي فيمَ (أي : لمـاذا) قتلوا ولـدي !»
ثمّ بدأت السيدة زينب (عليها السلام) بالدعاء على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين، دَعَت عليهم مِن ذلك القلب المُلتَهِب بالمصائب المُتتالية، فقالت :
«اللهم ! خُذ بحقّنا، وانتقم من ظالمنا، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا، ونقضَ ذمارنا، وقَتلَ حُماتنا، وهتك عنّا سدولنا»
نَقَضَ : لم يُراع الحرمة والعهد .
الذمار : ما ينبغي حفظه والدفاع عنه، كالأهل والعِرض .
وقيل : ذمار الرجل : كل شيء يلزمه الدفع عنه .
سدول ـ جمع سدل ـ السِتر .
ثم أرادت السيدة زينب (عليها السلام) أن تُبيّن ليزيد حقيقة واقعيّة : وهي أنّ جميع ما قُمتَ به ضدّ آل رسول الله ، مِن : قتل وسَبي، وحمل الرؤوس من بلد إلى بلد، وإهانة الرأس الشريف، والإفصاح عن الكلمات الكُفريّة الكامنة في الصدر ، وغيرها .. لا تعود عليك بالفائدة والنَفع، بل تعود عليك بالخسران والعقوبة، حتى لو جعَلَتك تفرح لمدّة قصيرة، لكنّ هذا الفرح سوف لا يستمرّ، بل يتعقّبه سلسلة متواصلة من أنواع الخسارة والعذاب الجسدي والنفسي، فقالت (عليها السلام) : «وفعلت فِعلتك التي فعلت، وما فرَيت إلا جلدك، وما جَزَرت إلا لحمك»
فَريتَ : شققتَ وفتَتَّ وقَطعتَ.
جزَرتَ : قطعتَ ويُستعمل غالباً في نحر البعير وتقطيع لحمه . «وسترد على رسول الله بما تحمّلتَ من دم ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته، وسفكت من دماء عترته ولُحمَته»
المعنى : سترِد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بعد موتكَ ـ وأنت تحمل على ظهرك من الجرائم ما لا تحملها الجبال الرواسي، فيُخاصمك على كل واحدة واحدة منها .. أشدّ أنواع الخصومة، من دون أن يخفى عليه شيء !
«حيثُ يُجمع به شملهم، ويُلمّ به شعثهم، وينتقم من ظالمهم، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم» .
الشعث : ما تَفرّقَ من الأمور أو الأفراد، يُقال ـ في الدعاء ـ : «لَمّ الله شعَثه» .
لا يستفزّنك : أي : لا يُخرجك الفرح عن حالتك الطبيعيّة ، يُقال : إستفزّه : أي استخفّه ، أو ختَله حتى ألقاه في مهلكة .(
فلا خير في فرحة قصيرة يتعقّبها حزن دائم، وعذاب أليم ، وخلود في النار .
ثمّ أدمجت السيدة زينب (عليها السلام) كلامها بالقرآن الكريم ، فقالت : « «ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله …»وحسبُك بالله ولياً وحاكماً»
لعلّ المقصود من قولها «وحسبك بالله وليّاً وحاكماً» أي : وليّاً للدم، وآخذاً للثار ، فالإمام الحسين (عليه السلام) هو : وصيّ رسول الله، وسيّد أولياء الله تعالى، فمن الطبيعي : أن يكون الله (عز وجل) هو الطالب بثأره، والوليّ لدمه، فهو الشاهد لمصيبة قتل الإمام الحسين، وهو القاضي، وهو الحاكم، فهنا .. الحاكم والقاضي هو الذي قد شَهِدَ الجريمه بنفسه، فلا يحتاج إلى شهادة شهود، وهو الذي يَعرف عظمة المقتول ظلماً، وهو الذي يعلم أهداف القاتل مِن وراء قتله للإمام، وهو يزيد .
«وبرسول الله خَصماً ، وبجبرائيل ظهيراً»
لقد روي عن الصحابي : إبن عباس أنّه قال : «لمّا اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرضه الذي مات فيه، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول : «ما لي وليزيد ! لا بارك الله فيه، اللهم العن يزيد» ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول : أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله» .
ثمّ صعّدَت السيدة زينب (عليها السلام) من لهجتها في تهديد يزيد وإنذاره، مُغامرةً منها في حربها الكلاميّة ومُخاطرتها في كشف الحقائق ، وإهانتها للطاغية يزيد، فقالت :
«وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلاً، وأيّكم شرّ مكاناً وأضلّ سبيلاً»
مكّنَكَ : مهّد لتسلّطك على كرسيّ الحكم على الناس والتلاعب بدماء المسلمين .
وهذا تصريح من السيدة زينب (عليها السلام) ـ أمامَ يزيد ومَن كان حوله في مجلسه ـ بعدم شرعيّة تسلّطه على رقاب الناس ،
الكاتب المصري والمفكر الإسلامي
قلم وصوت ومحام لدى آل البيت الكرام عليهما السلام
إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب حيدره الكرار
أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وإبن سلطان الأولياء وقطب الزمان والمكان
السلطان محمد شمس الدين ابوهارون والإمام الصوفي العارف بالله الشيخ محمد بن هارون الشريف الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي
عبدالرحيم أبوالمكارم حماد أبو هارون الشريف