20مليون برميل نفط رهينة طهران.. ماذا لو أُغلق هرمز؟
الجحيم ينتقل من تحت الأرض إلى البحر

تقرير: سمر صفي الدين
مع تزايد حدة التصعيد العسكري بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، عاد مضيق هرمز إلى الواجهة كورقة ضغط خطيرة تهدد الاقتصاد العالمي برمّته.
وبينما أعلنت طهران أنها “سترد في الوقت والمكان المناسبين” على الضربات الأمريكية التي طالت منشآتها النووية، بدأ الحديث الجاد داخل إيران عن إغلاق المضيق. وهو ما أثار ذعر أسواق الطاقة العالمية، ودفع الأوروبيين إلى التحذير من “كارثة وشيكة”.
المضيق.. الشريان النفطي الأكثر حساسية في العالم
يمثل مضيق هرمز عقدة استراتيجية تمر عبرها نحو 20 مليون برميل من النفط يوميًا، ما يعادل خُمس إنتاج العالم اليومي من النفط، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية .(EIA)
كما تمر عبره شحنات ضخمة من الغاز الطبيعي المُسال، ما يجعله أهم نقطة اختناق بحرية على كوكب الأرض.
وتكمن حساسية المضيق في ضيقه الجغرافي، إذ يبلغ عرضه 33 كيلومتراً في أضيق نقطة، بينما لا تتجاوز الممرات الملاحية الصالحة لناقلات النفط ميلين فقط في كل اتجاه.
وبسبب هذا التكوين، تمر السفن عبر المياه الإقليمية الإيرانية، ما يمنح طهران قدرة فريدة على تهديد حركة الملاحة.
ضربة أمريكية.. ورد إيراني مرتقب
في فجر الأحد، نفذت القوات الأمريكية غارات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، من بينها منشأة “فوردو” المدفونة تحت الأرض، مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ توماهوك. في أول تدخل عسكري أمريكي مباشر منذ اندلاع العملية الإسرائيلية في 13 يونيو.
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد أن “أضرارًا جسيمة لحقت بالبنية التحتية النووية الإيرانية”، مضيفًا أن “الضرر الأكبر وقع تحت الأرض”.
بعكس ما كشفت عنه طهران، اقرأ هذا:: فوردو لم تسحق.. صور الأقمار الصناعية تكشف مفاجآت ما قبل القصف
غير أن طهران لم تُخفِ نيتها في الرد، وأطلقت وابلاً من الصواريخ باتجاه تل أبيب، كما فعلت الدفاعات الجوية في طهران ومحيطها.
وبينما لم يُنفذ حتى الآن أي هجوم مباشر على القوات الأمريكية أو المضيق نفسه، فإن التهديدات بذلك لم تعد مجرد تصريحات سياسية.
إيران قد تغلق المضيق ولو لساعات
يرى الباحث في العلاقات الدولية، رمضان الشافعي غيث، أن تهديد إيران بإغلاق المضيق ليس جديدًا، لكنه هذه المرة “أكثر جدية وخطورة. نظرًا لتغير المعادلات بعد تعرضها لضربة عسكرية مباشرة من الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ويقول غيث إن “التهديدات السابقة كانت جزءًا من معركة الرسائل، لكن الآن نحن في مرحلة رد الفعل الفعلي، واستخدام أوراق القوة. وإغلاق مضيق هرمز – حتى لساعات قليلة – سيكون كافيًا لإثبات قدرة إيران على التأثير المباشر في الأسواق العالمية، ولإرسال رسالة استراتيجية بأن الحرب لن تكون محصورة داخل أراضيها”.
ويتابع: “حتى لو استمرت هذه الخطوة لساعات أو أيام معدودة، فإن الأثر النفسي والاقتصادي سيكون فوريًا. لا يمكن للأنابيب النفطية في المنطقة أن تغطي سوى نسبة ضئيلة جدًا من الإمدادات التي تمر عبر المضيق، مما يجعل الإغلاق أشبه بسد شريان القلب للطاقة العالمية”.
من الرابح ومن الخاسر؟
يشير غيث إلى مفارقة مهمة: “الولايات المتحدة قد لا تكون الأكثر تضررًا من إغلاق المضيق. بسبب وفرة إنتاجها المحلي من النفط الصخري. في حين أن الاقتصادات الآسيوية مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية ستكون في قلب العاصفة. لاعتمادها شبه الكامل على الإمدادات الخليجية التي تمر عبر هرمز”.
ويضيف: “من يحدد ما إذا كانت إيران ستقدم فعلًا على هذه الخطوة هو حجم الضغط الداخلي وشكل المحادثات خلف الكواليس مع القوى الكبرى. فالصين، رغم أنها حليف تقليدي لإيران، ستتضرر بشدة من خطوة كهذه. وبالتالي قد تمارس ضغوطًا على طهران للتهدئة، أو على الأقل للجوء إلى تحركات رمزية لا تتسبب في انهيار السوق”.
من يملك مفاتيح إغلاق هرمز؟
من الناحية العسكرية، يؤكد غيث أن “إغلاق المضيق من الناحية التنفيذية ليس صعبًا. إيران تمتلك قدرات عسكرية بحرية في المنطقة، وتسيطر على جزر استراتيجية تطل على المضيق، ما يمنحها اليد الطولى في أي تحرك”.
كما يشير إلى أن القرار النهائي لا يتخذه البرلمان، رغم تأييده لذلك، بل يتخذ على مستوى القيادة العليا، أي المرشد الأعلى علي خامنئي. الذي يمتلك صلاحيات تتجاوز كل السلطات الأخرى في البلاد، بما في ذلك مجلس الأمن القومي والرئاسة.
ويقول غيث: “ربما يكون الجيش والحرس الثوري قد استعدا لهذه اللحظة منذ سنوات. وخطط الإغلاق جرى التدريب عليها مسبقًا. لكن الأهم من التنفيذ هو توقيت اتخاذ القرار. وسياق استخدام هذه الورقة، وهل ستكون جزءًا من استراتيجية ردع شاملة أم تحركًا منفردًا”.
سيناريوهات ما بعد الإغلاق
يكشف غيث عن سيناريوهان محتملين لما بعد تنفيذ تهديد الإغلاق، قائلاً:
- الأول: أن يكون الإغلاق مؤقتًا ويتبعه تصعيد إعلامي، مع رد عسكري محدود من الغرب، مما يسمح بمسار دبلوماسي لاحق.
- الثاني: فيتضمن ردًا عسكريًا قويًا من واشنطن أو تل أبيب، ما يؤدي إلى انفجار شامل، واحتمال توسيع جغرافيا الحرب.
ويضيف: “من غير المرجح أن تتراجع إيران بسهولة في هذا السياق، لأن تركيبة النظام الإيراني قائمة على فكرة الصمود. نُذكّر أن إيران خاضت حربًا طويلة مع العراق واستمرت رغم الحصار والضغوط. فالعقلية الإيرانية ذات نفس طويل، وهذه سمة جوهرية في استراتيجيتها العسكرية والسياسية”.
أوروبا تحذر.. والأسواق تشتعل
وسط هذه التطورات، حذرت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس من خطورة الخطوة الإيرانية. قائلة: “إغلاق مضيق هرمز بالغ الخطورة وليس في صالح أحد”. كما دعت إلى “ضبط النفس وتفادي الانزلاق إلى حرب شاملة”، مؤكدة أن “المخاوف من التصعيد كبيرة”.
وفي الأسواق، بدأت ردود الفعل فورًا، حيث ارتفع سعر خام برنت إلى 78.2 دولارًا للبرميل، مع توقعات بوصوله إلى 100 دولار إذا ما تعطلت حركة الشحن فعليًا.
بين القدرة والرغبة
ويبقى أن إغلاق مضيق هرمز، رغم سهولته العسكرية، سيكون قرارًا سياسيًا من العيار الثقيل. فإيران تعرف أن هذه الورقة قد تجر الجميع إلى مواجهة غير محسوبة. لكنها في المقابل، قد تكون الورقة الأخيرة أمام نظام يريد أن يثبت أنه لم يُهزم، حتى في ذروة الضربات، بحسب غيث.
وكما يقول الباحث رمضان الشافعي غيث: “إيران لا ترغب في توسيع جغرافيا الحرب، لكنها أيضًا لا ترغب في أن تُهزم. وإذا أُجبرت على استخدام أوراقها، فستفعل ذلك دون تردد.. فهذه ليست مجرد معركة حدود، بل صراع على شرعية وجود وتاريخ نظام”.