أخبار

الأزهر يُطلق أول مشروع فقهي لدراسة أحكام الفضاء

كتب:مصطفى على

في خطوة علمية غير مسبوقة تواكب العصر وتستجيب لتحديات المستقبل، أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن تدشين مشروع علمي جديد من نوعه، يُعنى بدراسة النوازل الفقهية المستحدثة المرتبطة بأحكام الفضاء، وذلك بالشراكة مع وكالة الفضاء المصرية، في فعالية رسمية تُعقد يوم الثلاثاء المقبل بحضور كوكبة من القيادات الدينية والعلمية.

ويأتي هذا المشروع في إطار الدور الريادي الذي يلعبه الأزهر الشريف في تأصيل الفقه المعاصر، وتقديم اجتهادات شرعية دقيقة ومنضبطة، تستوعب التحولات التقنية الكبرى، وتجيب على التساؤلات الجديدة التي يفرضها الواقع العلمي، لا سيما في مجالات غير تقليدية كالفضاء الخارجي، والذي بات يشكل ساحة فعلية للتفاعل البشري.

نخبة من العلماء والخبراء في إطلاق المشروع

تُعقد فعالية تدشين المشروع بمشاركة عدد من كبار علماء الأزهر والمسؤولين، في مقدمتهم:

فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ورئيس مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء،

فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية،

فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية،

الأستاذ الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية،

فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ونائب رئيس مركز الأزهر العالمي للفلك.

وتُعد هذه النخبة من العلماء والخبراء المؤسِّسين لهذا المشروع، بما يُعزز التفاعل بين المعرفة الشرعية والمعرفة العلمية، ويُكرّس لثقافة الاجتهاد المؤسسي المشترك بين علماء الشريعة والعلوم الحديثة.

فقه الفضاء.. استجابة شرعية لتحديات العصر الكوني

وفي تصريح رسمي، أكد الدكتور محمد الجندي أن إطلاق المشروع يأتي ليجسد مرونة الفقه الإسلامي وقدرته على مواكبة مستجدات العلم والتكنولوجيا، مضيفًا أن الأزهر الشريف يُواصل تأصيل منهج “الاجتهاد المعاصر”، القائم على التفاعل الواعي مع الواقع الجديد، بما في ذلك التحولات الكبرى في مجال علوم الفضاء.

وأوضح أن المشروع لا يقتصر على الرؤى النظرية، بل يتضمّن إعداد دراسات معمقة، وإصدار فتاوى وإجابات شرعية تتعلّق بتفاصيل دقيقة من الواقع الفضائي، مثل:

كيفية الصلاة في بيئات معدومة الجاذبية،

ضبط أوقات العبادات في مدارات تختلف عن الزمن الأرضي،

تحديد القبلة في المركبات الفضائية،

التعامل مع المعاملات المالية أو المِلكية أو الزواج أو الطلاق في حالات الوجود خارج الأرض.

وأكد فضيلته أن هذه القضايا أصبحت اليوم ضرورة وليست ترفًا فقهيًا، في ظل مشاركة عدد من المسلمين في برامج الفضاء العالمية، ووجود خطط طموحة لاستيطان الفضاء، مشيرًا إلى أن تقديم إجابات شرعية واضحة يُعدّ جزءًا من رسالة الأزهر في تيسير الدين دون تفريط، والتفاعل مع الواقع دون تهويل.

اجتهاد علمي مؤسسي يجمع النص والمعرفة

وأشار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إلى أن المشروع الجديد يسعى إلى تعزيز ثقافة الاجتهاد المؤسسي الجماعي، والذي يجمع بين الفقهاء والمتخصصين في علوم الفضاء والفيزياء والعلوم التقنية، مشددًا على أن نجاح الاجتهاد المعاصر لا يقوم إلا على الربط بين النصوص الشرعية والمستجدات الواقعية.

وأضاف أن الأزهر من خلال هذا المشروع يوجه رسالة للعالم بأن الإسلام ليس عقبة أمام العلم، بل رفيق له وموجّه له نحو ما يُحقق التوازن بين التقدّم المادي والقيم الأخلاقية، لافتًا إلى أن مرونة الفقه الإسلامي تُمكّنه من استيعاب أي مستحدث، شرط أن يتم التعامل معه بعقلية واعية ومنهجية منضبطة

أوضح الدكتور الجندي أن المشروع الجديد يسهم في تطوير الفقه الإسلامي في مجالات غير تقليدية، مشيرًا إلى أن الفقه الفضائي لم يعد مجرد فكرة نظرية، بل ضرورة علمية وشرعية في ظل الانخراط المتزايد للبشرية في مشروعات الفضاء، والتي تشمل التجارب المعملية، والرحلات الطويلة، وربما إقامة محطات مأهولة خارج الأرض.

وأكد أن المشروع يُعدّ مساهمة حضارية في تأصيل الحضور الإسلامي في مسارات التقدم العلمي العالمي، ويُبرز صورة الإسلام كدين عالمي قادر على العطاء في جميع البيئات والسياقات، حتى تلك التي تجاوزت حدود الكوكب الأرضي.

بهذا المشروع، يخطو الأزهر خطوة رائدة في ربط الدين بالعلم الحديث، ويؤكد مرة أخرى أنه ليس مجرد مؤسسة تراثية، بل مؤسسة حية تنبض بالعقل والاجتهاد والتفاعل مع قضايا الإنسان في كل زمان ومكان، فيُعيد بذلك تعريف دور الفقيه، لا بوصفه ناقلًا لما مضى، بل شريكًا في صناعة الحاضر واستشراف المستقبل.

وتفتح هذه المبادرة الباب أمام مشروعات بحثية كبرى تتناول مختلف القضايا الفقهية المستقبلية، وتُعيد للأزهر مكانته كمنارة علمية قادرة على قيادة الفكر الإسلامي في العصر الرقمي والفضائي.

الأزهر.. من عمق التاريخ إلى آفاق الفضاء

يبقى الأزهر الشريف، وهو يدخل قرنه الألفي، شاهدًا حيًا على قدرة الإسلام على التجدد والانبعاث من رحم الواقع، محافظًا على جوهره، منفتحًا على مستجداته.
وفي زمنٍ تتسارع فيه التحولات العلمية، يثبت الأزهر أنه لا يزال في قلب الحدث، حارسًا للعقيدة، وموجهًا للسلوك، وشريكًا في بناء مستقبل لا ينفصل فيه الإيمان عن العلم، ولا تُهمّش فيه القيم لصالح التقنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights