
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب هجوم “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفًا حازمًا تجاه حركة حماس، رافضًا التفاوض المباشر أو تقديم أي تنازلات قد تُفسر كضعف أمام المقاومة الفلسطينية. تجسدت هذه المواقف في سلسلة من “اللاءات” التي أعلنها نتنياهو، والتي شكلت أساس سياسة حكومته خلال الأشهر الطويلة من الحرب. ومع ذلك، بعد أشهر من جولات المفاوضات والضغوط الدولية، بدأت هذه “اللاءات” تتهاوى أمام صمود المقاومة الفلسطينية وتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.
“اللاءات” التي أعلنها نتنياهو
- لا لوقف الحرب: شدد نتنياهو على ضرورة استمرار العمليات العسكرية في غزة حتى تحقيق “النصر الكامل” على حماس، رافضًا أي دعوات لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة.
- لا للخروج من غزة: أكد نتنياهو أن إسرائيل لن تنسحب من غزة ولن تعود إلى الوضع السابق للحرب، معتبرًا أن الوجود العسكري الإسرائيلي ضروري لضمان أمن إسرائيل.
- لا لتبادل الأسرى: رفض نتنياهو التفاوض على صفقة تبادل أسرى مع حماس، معتبرًا أن ذلك سيعزز من مكانة الحركة ويشجع على المزيد من عمليات الاختطاف.
- لا لعودة النازحين إلى شمال غزة: منع نتنياهو عودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطق شمال غزة، بحجة أن ذلك قد يشكل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل.
- لا لرفع الحصار: أصر على استمرار الحصار المفروض على غزة، رافضًا أي تخفيف للقيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية والوقود.
- لا للانسحاب من محور فيلادلفيا: رفض نتنياهو الانسحاب من المحور الحدودي بين غزة ومصر، معتبرًا أن السيطرة عليه ضرورية لمنع تهريب الأسلحة.
- لا لبقاء حماس: أكد نتنياهو أن الهدف النهائي للحرب هو القضاء التام على حماس، رافضًا أي تفاوض مع الحركة أو الاعتراف بها كطرف سياسي.
الاتفاق الذي نسف اللاءات
بعد أشهر من المفاوضات الشاقة والضغوط الدولية المتزايدة، وبعد تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تم الإعلان في 15 يناير 2025 عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بوساطة مصرية وقطرية مكثفة. الاتفاق، الذي بدأ سريانه في 16 يناير، نسف العديد من لاءات نتنياهو وكشف عن هشاشة الموقف الإسرائيلي أمام صمود المقاومة الفلسطينية.
- وقف الحرب: نص الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار، بما في ذلك القصف الجوي والعمليات العسكرية البرية، مما يتناقض مع لاءات نتنياهو التي رفضت أي وقف للحرب دون شروط مسبقة.
- الانسحاب من غزة: تضمن الاتفاق انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من غزة، مع إنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي بشكل كامل بحلول نهاية المرحلة الثانية من الاتفاق.
- تبادل الأسرى: نجحت حماس في فرض شروطها بشأن تبادل الأسرى، حيث وافقت إسرائيل على إطلاق سراح 30 أسيرًا فلسطينيًا مقابل كل محتجز إسرائيلي، و50 أسيرًا مقابل كل مجندة إسرائيلية.
- عودة النازحين: سمح الاتفاق بعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطق شمال غزة، وهو ما كان نتنياهو قد رفضه سابقًا بحجة الأمن الإسرائيلي.
- رفع الحصار: نص الاتفاق على فتح معبر رفح والسماح بدخول كميات كافية من المساعدات الإنسانية والوقود يوميًا، مما يعني تخفيفًا كبيرًا للحصار المفروض على غزة.
- الانسحاب من محور فيلادلفيا: وافقت إسرائيل على تخفيض قواتها في محور فيلادلفيا بشكل تدريجي، مما يتناقض مع لاءات نتنياهو التي أصرت على السيطرة الكاملة على المحور.
- بقاء حماس: رغم أن الاتفاق لم ينص بشكل صريح على بقاء حماس، إلا أن تحقيق الحركة لشروطها الأساسية في الاتفاق يعكس استمرارها كقوة سياسية وعسكرية فاعلة في غزة.
الضغوط التي أجبرت نتنياهو على التراجع
تراجع نتنياهو عن لاءاته لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة لعدة عوامل داخلية وخارجية:
- الضغوط الداخلية: تصاعد الغضب الشعبي داخل إسرائيل، خاصة من أهالي الأسرى المحتجزين لدى حماس، الذين طالبوا بحل سريع لأزمة أبنائهم.
- الضغوط الدولية: تزايد الانتقادات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في غزة، خاصة بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذي هدد بضرورة وقف إطلاق النار قبل توليه منصبه.
- التكلفة الاقتصادية والسياسية: استمرار الحرب كلف إسرائيل خسائر اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية وتدهور صورة إسرائيل على الساحة العالمية.
تكلفة سياسية كبيرة لنتنياهو
الاتفاق الأخير يمثل تكلفة سياسية كبيرة لنتنياهو، الذي اضطر إلى التخلي عن لاءاته التقليدية في مواجهة صمود المقاومة الفلسطينية والضغوط المتزايدة. هذا التراجع قد يضعف شعبيته، خاصة بين قاعدته اليمينية التي ترى في الاتفاق خضوعًا لشروط المقاومة. ومع ذلك، يبقى الاتفاق خطوة نحو تخفيف حدة التوتر، وإن كان لا يحل جذور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي يبقى بحاجة إلى حلول سياسية شاملة وعادلة.
2 تعليقات