تقرير: مصطفى على
بين زلات اللسان وغفلة المجالس في لحظات الغفلة، وبين كلمات تنساب على الألسنة دون حساب، قد يتسلل إلى مجالسنا لغطٌ أو غيبة، أو حتى نميمة، دون وعي كامل بمدى خطورة هذه الذنوب التي صنّفها الإسلام من الكبائر. وفي مواجهة هذه الزلات، لم يُترك المسلم وحده بل وهبه الله دعاءً عظيمًا يعرف بـ”كفارة المجلس”، يغفر به ما وقع فيه من أخطاء في تلك اللحظات، ويُطهّر قلبه ولسانه، ويعيده إلى طهارة الصفاء والصدق.
الدعاء الذي يغسل المجالس من الذنوب: حديث عن كفارة المجلس
يروي الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال:
من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: “سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك”، إلا غُفِرَ له ما كان في مجلسه ذلك [رواه الترمذي].
في هذا الحديث الشريف يظهر لنا جود الله وسعة رحمته؛ فالمؤمن مهما زلّ لسانه في مجلس، فإن خاتمته لهذا المجلس بهذا الدعاء تكفي لغفران ما فيه من ذنوب ما لم تكن متعمدة ومستمرة.
بين الاستغفار والاعتراف بالذنب: أدعية شاملة للتطهير الذاتي
لم يقتصر الإسلام على دعاء واحد يغفر زلات المجالس، بل زوّد المؤمنين بأدعية جامعة تستوعب كل صور التقصير. ومن هذه الأدعية:
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني…
دعاء جامع يقرّ فيه المسلم بذنوبه، ويطلب الصفح عن الجهل والعمد، عن السرّ والعلن، في تذلل خاشع أمام خالق لا يخفى عليه شيء.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه،
وقد روي أن من قال هذا الدعاء غفر له ذنبه، حتى وإن كان قد فرّ من الزحف، لما فيه من تعظيم لله وتوبة نصوح.
اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك
دعاء يبرز الفهم العميق للقدر، ويعترف فيه العبد بأنه ما عصى استخفافًا أو تكبرًا، بل تحت قهر نفسه وضعفها، ويُسلم بالتوبة إلى الله.
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت… ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
هذا الدعاء اعتراف كامل بالعبودية، وتذلل صادق من عبدٍ مذنب إلى ربٍ كريم غفور.
سيد الاستغفار.. مفتاح الجنة بلفظ واحد
من أعظم الأدعية التي وردت في السنة، ما عُرف بـ”سيد الاستغفار”، وقد ورد عن شداد بن أوس أن النبي ﷺ قال:
ألا أدلك على سيد الاستغفار؟
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت فاغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت [رواه الترمذي].
ويتابع الحديث موضحًا أن من قاله في الصباح ومات قبل المساء، وجبت له الجنة، وكذلك من قاله مساءً ومات قبل الصباح.
قال الإمام المباركفوري: إن هذا الدعاء سُمّي سيد الاستغفار لأنه جمع كل معاني التوبة والخضوع، ولأنه يمثل قمة الأدب مع الله عز وجل، والاعتراف الكامل بفضله وجميله.
الغيبة والنميمة.. آفات اللسان التي تهلك الأمم
المجالس ليست دائمًا عامرة بالذكر أو العلم أو الخير، فكثيرًا ما تتحول إلى ساحاتٍ للغيبة والنميمة وهما من الكبائر التي توعد الله فاعليها بعذاب أليم.
والغيبة تعني أن تذكر أخاك بما يكرهه في غيابه ولو كان فيه أما النميمة فهي نقل الكلام بين الناس بهدف الإفساد.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]،
وقال رسول الله ﷺ: «لا يدخل الجنة نمّام» [متفق عليه].
ما يجب على من وقع في الغيبة أو النميمة؟
إذا أدرك المسلم أنه ارتكب هذه الخطيئة وجب عليه المسارعة إلى التوبة وتشمل التوبة النصوح ما يلي:
1. الندم الصادق على ما صدر منه من كلام مسيء.
2. الإقلاع الفوري عن الغيبة أو النميمة، وعدم العودة إليها مجددًا.
3. الاستغفار لله تعالى، والاستغفار لمن اغتابه، والدعاء له بالخير.
4. إن أمكن طلب العفو ممن اغتابه، إذا لم يترتب على ذلك فتنة أو أذى.
5. استحضار فظاعة العقوبة التي تنتظر من يصرّ على هذا الذنب دون توبة فالله توعد المغتابين بحرمان الجنة ووصفهم في القرآن بـ”أكالين للسحت” و”همّاز مشاء بنميم”.
كفارة المجلس.. تربية مستمرة للسان والقلب
إن دعاء كفارة المجلس ليس مجرد ألفاظ تُقال، بل هو جزء من تربية إيمانية شاملة، تُعلّم المسلم مراقبة الله في كل كلمة، وتغرس في قلبه ثقافة الاعتذار والتوبة، وتنشئ فيه وعيًا دائمًا بعواقب اللسان.
